Tuesday 23rd december,2003 11408العدد الثلاثاء 29 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الإرهاب.. قتل الذات في المنتديات والساحات
د. عبدالله بن ناصر الحمود *

ربما كان مشروعا أن نطرح سؤالا حول مدى شعور مرتادي المواقع المشبوهة من الأندية الإلكترونية وساحات الإنترنت بحجم المخاطر التي تهدد ذواتهم وأهليهم في تلك البيئات الملوثة وأقطابها المتخفين تحت هويات مزيفة مكذوبة، كدليل صريح على أن في الأمر موطن زلل ومرتع إفساد. قد يكون الباعث للدخول إلى تلك البيئات مجرد الرغبة في العلم بالشيء، أو هي النزعة للمشاركة مع الناس. غير أن هذا التوجه (الإمّعي) خطير جدا لا يُحسن فيه الفرد إلا إذا أحسن الناس، ويُفسد إذا هم أفسدوا. جاءت شبكة الإنترنت لتكون نعمة على بني البشر، ولتتيح مجالات فسيحة ورحبة لم تكن متاحة من قبل، وفُتحت بها أبوابُ خير كثيرة جدا على الإنسانية، الشأن فيها أن تزيد من العلم والمعرفة، والتفاعل والتعارف بين شعوب الدنيا وقبائلها. غير أن تفرد هذه الشبكة بخاصية التفاعل الشخصي بين المرسل والمستقبل وفق منظومة لم تعهدها البشرية من قبل، قد يمكّن أقطاب الاختراق الدولي ومريديه من أن يفكروا جدياً في إخضاع هذه الوسيلة لتحقيق مآربهم، وربما ظنوا إمكانية قطع أشواط في التعامل المباشر مع الأفراد ممن تعوزهم فطنة الكبار، ونباهة الحكماء، ورجاحة العقلاء، عبر هذه الشبكة واسعة الانتشار بالغة التخفي في منعطفات المجتمعات، ودهاليز التجمعات الفئوية، فعجّت مواقع في الشبكة بأطروحات المريدين، وبدت تتلون بأساليب وشعارات براقة مكذوبة غالبا وخادعة في أكثر الأحيان.
ولأن الأصل صلاح المجتمع وسلامته، ولما يلزم من صيانة المصالح العليا للوطن، وحماية الذات البشرية، فمن المهم أن يستخدم الشباب هذه التقنية وفق رؤية ناضجة جداً، وأن يستشيروا الكبار ممن حولهم ويناقشوهم فيما يرد فيها من أقوال ونقولات، ففرضية الصواب موجودة، ولكن فرضية الخطأ أيضا ممكنة، وإمكانية الخطأ المقصود متاحة جدا، لاسيما عندما تكون الأفكار المقدمة تحت مظلات من الأسماء الوهمية المكذوبة، أو أن رائحة إرادة الاختراق تفوح منها بشكل يجعل الفرد أمام أمانة صيانة ذاته ومجتمعه من أن يُخترق. ما أجمل الاتصال والتفاعل مع الآخرين، ولكن الأجمل منه أن يكون فعلنا الاتصالي راشدا، ومستنيرا، ومشرفا، لأمتنا ولمجتمعنا، وحاضا لقيمنا ولمبادئنا، ومقدما لمصالحنا الوطنية العليا على كل النزعات الفردية والمكاسب الآنية. إن ترويع الناس وإرهابهم فكريا من خلال الإنترنت عمل شنيع ممقوت، لكن الاتصال البريء والتفاعل الشريف النافع هو روح رسالتنا في الحياة. فلنحمل لهذا العالم أننا نحب ولا نكره، وأننا نتعلَّم ونعلِّم ونتواصل، ولا يسخر بعضنا من بعض فنقع في فخ المريدين، ونعمل من غير أن نعلم على نشر فساد عظيم وهتك أستار وحرمات.

* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved