من ذا الذي سيمجد ليلة الاحتفاء منكم، ويقوى على الفرح... ولا يقوى على الإمعان؟
ومنذ بعيد من الأزمان تمازجتم الفرح بها... فذابت الهويَّات وتداخلت الغايات...!
وكانت العولمة «الابتهاجية» أسرع لأن تكون بَدء الخطوة الأولى للتقارب والامتزاج...
فهل كان في فرحة الابتهاج خطَّة قديمة مدروسة لبَدء حركة العولمة؟! وعلى وجه التحديد، هل درس الغرب والأمريكيون نفسية الشعوب العربية منذ أن أُشعلت شموع الميلاد في المنازل العربية وتلاشى الشعور الديني بقدسية التّفرد للَّه تعالى وحده؟
وتلك أشجار الميلاد.
وألوانها، وتحاياها، وطقوسها
يركض لها العربي بل المسلم كما يركض «لحادث» في طريق فيتجمَّعون من حوله بغية التعرف على ما يحدث، بينما هم يهربون عن تجمعٍ حول طاولات الحوار، والفكر؟
فمن ذا الذي سيمجِّد نجاح الولادات المتنامية في لفائف دواليب التأثير والتنكير تلك التي خضعت لها نفسية العربي بل المسلم... فذهب يتعولم فكراً وسلوكاً وأداءً، ونمط عيش ونمط كساء وغذاء قبل أن تتحول العولمة لقسرية الهواء والماء والصوت والصدى والضوء؟!
من ذا الذي سيمجِّد بهجة الاقتداء في لحظات الانسلاخ وقهر الفجائع في فقد الموانع وسطوة التَّعولم تطال الوجدان فتهوي الأركان؟
والناس تسمعها تُعدُّ لاحتفالية البهجة، وتتبادل التهاني بمقدم العام الميلادي الجديد قبل حلوله...
وهذه الزوايا المخبوءة على استحياء أو مهابة في أركان المحال التجارية لم تعد مخفورة مستورة بل أعلنت السفور، وأنارت بالظهور تعجُّ بكلِّ ما يمثِّل طقوس الاحتفاء بَدءاً بالألوان البهيجة تشدُّ الصغار والكبار من رموز الشجرة وكريات الأضواء، ولفائف الشموع إلى أشكال الأكواب وأنواع الهدايا ونماذج الزجاجات...
أركان ملونة، واحتفاء قاهر فمن لا يستجدي القهر، ولا يمنح الأسف، وعولمة الفكر والوجدان، تسري في أسلاك النور في لفائف المبيعات.
فمن ذا الذي يحتفي بأيام المسلمين؟
حين نسجها السلف وطرَّزوها بحبات القلب، وقطرات الدماء، وقوّة العزم، وصدق الإيمان والتَّفادي عند التَّنادي كي يبقى للجياد ساحاتها في الركض نحو ذرا البقاء في وجه الشمس... فضاعت احتفالية المجد بسلفية البناء حين هوى عرش الثقة وضعف الموقف وتداعى بناء النفس وهوت أركان الاعتداد وفرّط الخلف فيما حفظه لهم السَّلف؟!
و...
منذ مئات السنين
دُق في عرش البهجة ناصور التَّعولم بخطط سرية لم يكشف ذكاء العربي ولا بديهته عن أبعادها...
منذ أوَّل خطوة مستشرق زائر، ومستعرب قارئ بلغة القوم، منذ التَّنصير وكتائب الاستعمار إلى حركات الاحتلال...
منذ توريد زجاجات العطر وأوراق السلوفان، منذ وصول قوالب الشوكولاته والمناديل الملوَّنة، منذ ظهور المستشار والمعلم والمهندس والطبيب في الأنحاء!!
منذ الانبهار بالنموذج الملوّن بغير لون القوم إلى سطوة هيمنة برامج الاقتصاد وأنظمته، وآلة الحرب وصناعتها، وبداعة الحاسوب وهيمنته...
ومنذ رموز الألعاب الالكترونية التي حوَّلت الصغير ليس إلى فارس طامح في بلوغ الحلم النافع بل إلى المحارب القاهر بسطوة القوة الحديدية والأطفال يستعرضون نماذج أبطال (الديجيتال) ولا من يقوى على صدِّ تيارات بدأت منذ ذلك ثم بحدة هذا تكشف اللِّثام في حركة الشراء قبل ليلة الاحتفاء التي تعولم فيها ليس الجزء الواحد في الإنسان بل تهيمن التأثير صارخاً في السلوك.
ولأنَّنا في فترة عصيبة بلغت فيها التنازلات شأوا بعيداً..
فقد طرأت لحظة التمعُّن والاستدراك: فليس ثمَّة ما يُنكر أنَّ العولمة لم تبدأ (أخيراً) بتقارب المسافات، عن جميع الوسائل، بل منذ ذلك... فإلى أين سيأخذنا التَّمجيد بليلة الاحتفاء؟....
بعد أن تيقَّظنا على التَّأوه على أيام الاعتزاز؟!
|