افترض - جدلا - أنك قد عدت للتو من حضور محاضرة أو وليمة أو مناسبة ما.. وانتبه لنفسك.. بل راقب (تصرفاتها..!) بمجرد أن تطرح عليها وتجيب عن السؤال التالي:
ما رأيك (يا ذاتي..!) في المناسبة التي قد حضرتها قبل قليل؟! إنك لو فعلت فسوف تلاحظ أنك ستمر على إيجابيات مناسبتك تلك مروراً عابراً لتقفز من ثم - إما بالتصريح وإما بالتلميح - تركيزاً على سلبياتها أو فلنقل ما خالف منها توقعاتك الشخصية. كذلك فمن المحتمل أنك قد تعمد إلى تعداد إيجابياتها غير أنك ستتوقف لتشير بين الفينة والأخرى إلى استثناء ما أو ملاحظة عابرة مختلفة سلبية في الغالب.
العفو فأنا لا أتحدث هنا عنك (أنت!) شخصياً بل إنني بالأحرى أتحدث عن طبيعتك البشرية حيث إن العلم يؤكد حقيقة أن البشر مجبولون على ملاحظة السلبي المختلف أكثر من ملاحظتهم للإيجابي المشترك، ولهذا يقول العلماء إنه من سوء حظ الإنسان أن عقله يميل إلى ملاحظة الفروق بصورة جلية قياساً على تعامل هذا العقل مع أوجه التشابه حيث يعمد إلى صبها في قوالب جامدة من شأنها أن تحجب - إن لم تشوه - إيجابياتها. وهذا هو في الحقيقة أحد أسرار الخلف والاختلاف بين البشر رغم كل ما في تنوعهم وتعدد مشاربهم وألسنتهم وأعراقهم من إيجابيات. جدير بالذكر أنه قد ازداد في الآونة الأخيرة اليقين القاطع بصحة الفرضيات العلمية المذكورة آنفاً لا سيما في أعقاب نجاح العلم في فك طلاسم أو أسرار الجينات الوراثية لدى الإنسان، حيث من المعلوم أن العلماء قد نجحوا أخيراً في وضع مسودة للشيفرة الوراثية البشرية أو ما يعرف ب:
The Draft of Human Jenome وذلك بعد سنوات وسنوات من البحث المضني وإنفاق ما يقارب 4 ،2 مليار من الدولارات.
فما هي يا ترى العلاقة بين هذه القفزة العلمية الهائلة وموضوع هذه المقالة؟!
فقد اكتشف العلماء أنه ليس للمورثات الخارجية التي نعتقد أنها تشكل مظاهرنا الخارجية - أي العرقية - أي تأثير يذكر في إرساء الاختلافات الجسدية بين بني البشر حيث إن نسبتها المئوية في هذا المنحى ضئيلة جداً لا تتجاوز الواحد بالألف مما يؤكد بالتالي بطلان الادعاءات الزائفة الموسومة بالتفوق (العرقي) لبشر عن بشر سواء منها ما ساد في العالم الغربي أو حتى في عالمنا العربي. إذن ما السبب في سيادة (العرق) إنسانياً وتركيز البشر على محدداته وسماته والتأثير المخل لذلك في العلاقات الإنسانية؟!...
حسناً مرة أخرى السبب يتمثل في أن جبلة البشر موسومة بالتركيز على الاختلافات وأن النفس الإنسانية مبرمجة على إدراك الفروق السلبية أكثر من إدراكها لأوجه التشابه الإيجابية وأن الإنسان يعتمدعلى حاسة بصره في تمييز الأشياء أكثر من اعتماده على بصيرته أو حواسه الأخرى.عليه يصح القول إن تحقيق سعادة البشرية منوط بعكس المعادلة: التركيز على الإيجابيات لا السلبيات وعلى أوجه التشابه لا الاختلافات. وبتفعيلها للبصائر لا الأبصار..
|