هل كان صدام حسين كارثة قومية، ودولية ووطنية وعائلية؟
* هل كان مصيبة؟
* هل كان أزمةً وقضية؟
* ربما كان صدام حسين كل هذا ولكنه بالتأكيد كان شيئاً يشبه اللعنة اللازمة، وكان أمراً يقارب الذنب العظيم.
* وفي مواجهة اللعنات حين تصيب قوماً أو أمةً يتوجب على المصابين بها، ان يتطهروا وان يستغيثوا وان يستعيذوا بالله من شر ما صنعوا.
* وعند اقتراف الذنب الكبير وممارسة الحنث العظيم تتوجب على من اصابهم الله بشيء مما اكتسبوا ان يستغفروا الله كثيراً وان يتوبوا توبةً نصوحاً ويبوءوا بذنوبهم واسرافهم في أمرهم.
* عندما رأينا القائد الضرورة والزعيم المهيب، يخرجه جنودٌ أجانب، أتوا من أطراف الأرض البعيدة من جحر الفئران، ثم يُفَلُّون شعره كما تفعل القردة، ببعضها ويفتحون فمه، كما يفعل المشترون في أسواق الضَّأن، ايقنَّا، ان هذا أمر دراماتيكي ارادت قوى الكون الفاعلة، والمرسلة والمسخَّرة، أن تفعله وتبثه امام أبصارنا وأسماعنا لكي تعصرنا عصراً وتكوينا كيَّا وتقلب أمعاءنا وترجف بقلوبنا وتنمل أطرافنا، فننطلق مذهولين مبعثرين متناقضين بين مشاعر الحزن والتشفي والعار والغضب والانكسار والانتصار والذل والزَّهو، والتحقق من العدالة الإلهية حين تنزل بالقاتل والفاجر والمستبد والغضب الإلهي حين يمسُّ بسطوته المطلقة العجيبة جموعاً كثيرة، من الذين شاركوا على نحو أو آخر في صنع المظلمة العظيمة أو سكتوا عنها كما يفعل الشياطين الخُرْس.
* لم يكن صدام حسين الذي شاهدناه، بشعره الأشعث وملابسه الرثَّة، شيئاً خارجياً اجنبياً، نستطيع ان ننْأى بأنفسنا عنه، بل كان شيئاً من الذات والتاريخ والمعاصرة، وشيئاً من نجوى الاخلاَّء غير المتقين الذين وهم بعضهم لبعض عدوٍ وقطعا فُسيفسائية ملعونة، صنعها، كثيرون منَّا، بالهمسة، والإغضاء والمداهنة وفقدان البصيرة والبيع العلني للذمم والسكوت المباشر المهين عن مظالم شعب أخ انسانٍ عراقي أسير.
* كان صدام حسين بالنسبة للبعض فتوَّة الحارة الشرس اللئيم، الذي يجب علينا ان ندفع له الإتاوة ونفسح له الطريق ونمر وجلين خائفين من أمام قهوته الظالمة.
* وكان صدام حسين بالنسبة للبعض فتى الحارة الشَّامق الوسيم الذي تراقب النسوة مشيته الساحرة من خلف «الرواشين» فيتلهفن ويتنهدن ويقول بعضهن فيه شعراً، يشيد بالفحولة، والرجولة والبطولة وتدعو العجائز في صلواتهن ان تنعم عوائلهن بشرف المصاهرة والقرب.
* وكان صدام حسين بالنسبة للبعض عنترةً وأبا زيد الهلالي والزير سالم، وهتلر العظيم وستالين المجيد وموسوليني المهرج الجبار يعصف بأعدائه واصدقائه ويخيف الحجر والشجر ويعلم السرَّ والعلن، فينتشي هذا البعض لسرد السِّيرة الساحرة ومشاهدة البطل يخوض في دماء القريب والبعيد باطلاً وظلما وزوراً، فتتفاعل في نفوسهم، بقايا جاهلية قديمة وشيء كثير من جاهلية حديثة أكثر تخلفا، وأعمى بصيرة.
* كان جبران خليل جبران يتعجب من أمة تجعل الفتوة، بطلاً ولا تتعرف على الحق الا عندما تسجد وتنحني بين النطع وسيف الجلاد، وكان يبدي هذا التعجب قبل أكثر من نصف قرن ولعله لو رأى الذي رأينا يتعجب من قدرة هذه الأمة على الاستمرار في ممارسة نفس الرذائل القديمة وعجزها عن استبدالها حتي برذائل «مودرن» جديدة.
* الحقيقة المؤلمة القاتلة في صدام حسين هي أنه بعض من تصوَّرنا وشيء من بعض صنعنا تسرَّبت جيناته مثل النمل، من ثقوبنا وعيوبنا وجاهليتنا وضعفنا وواقعنا العربي الذليل المهين المرير.
* كان صدام حسين بالنسبة للهائمين به، والخائفين منه والمتغاضين عنه والمصفقين له والمستفيدين بعطاءاته وجماهير الجاهلية المرضى والمخدوعين ذنبا أصرُّوا عليه جهلاً وصلفا كأنهم كانوا يسألون الله الا يغفره لهم.
* وكان قيدا مهيناً رسفوا فيه وأدمنوه كأنهم كانوا يسألون الله الا يكسره.
* وكان صدام حسين ظُلما وكان ظالماً لم تأخذ الأمة العربية على يديه فأوشك الله ان يعمهم بعقابه وقد فعَل.
* وحتى لا تقترف الأمَّة «صداماً» آخر يجب عليها ان تستغفر من صدامها القديم.
* يجب علينا ان نغتسل ونتطهر ونتبتَّل وندعو الله ان يشفينا من مرض «القابلية» لصدَّام جديد، وكل صدَّام مَرَيد.
|