الاستشارة الطبية قبل الحمل
لماذا؟ وكيف؟
إن أخذ المشورة الطبية قبل حدوث الحمل يعد آمرا غريبا وحديثا على مجتمعنا الشرقي وقد يبدو السبب وراءه غير واضح لدى الكثيرين .... ولكننا هنا نؤكد على أهمية أن تزور كل سيدة ترغب في الإنجاب طبيبة أمراض النساء والتوليد لتطلب منها النصح والمشورة الطبية حول العديد من المواضيع المتعلقة بفترة الحمل.
إن المشورة الطبية قبل الحمل تهتم أساساً بإمكانية تحديد السيدات اللواتي قد يستفدن من التدخل الطبي المبكر بالعلاج في حالة حملهن كما في حالات المصابة بداء السكري أو بارتفاع في ضغط الدم أو بعض الأمراض الوراثية لانه من المعروف أن مرحلة تكوين أعضاء الجنين تبدأ بعد «17» يوماً من حدوث الإخصاب ومن المهم في هذه الفترة المبكرة جدا من عمر الجنين توفير كل الظروف البيئية الملائمة حوله حتى ينمو نمواً طبيعياً.
وتهتم الطبيبة أيضاً في هذه المرحلة بتوضيح وتعليم السيدة الراغبة في الحمل مزايا تنظيم النسل وطرقه المختلفة، كيفية حدوث بعض التشوهات الخلقية للجنين والمضاعفات التي قد تنتج عن الحمل وذلك من خلال المناقشة المستفيضة مع كل من الزوج والزوجة معاً وعمل جلسة مشورة أو عدة جلسات إذا استلزم الأمر.
ويمكننا أن نوجز الأسس والمحاور التي تعتمد عليها الطبيبة في الحوار وعمل المشورة مع أم المستقبل في الآتي:
1- التاريخ الصحي الإنجابي للسيدة:
ومن خلاله تتمكن الطبيبة من معرفة وتشخيص أي مشاكل تناسلية سواء كانت تشوهات خلقية بالرحم أم أمراضاً صناعية، أم عدوى مرضية قد ينتج عنها تكرار حالات الإجهاض مثلا، كما انه عن طريق معرفة التاريخ الصحي و مناقشتها فيه يمكننا أن نكشف مخاوفها واهتماماتها ونجيبها عن كل التساؤلات القلقة حول الحمل وكيفية حدوثه وأعراضه وما إلى ذلك.
2- التاريخ الصحي للأسرة:
وذلك حتى نتمكن من تفادي حدوث مخاطر انتقال بعض الأمراض الوراثية من خلاله.
* عمل مسح طبي لاكتشاف من يحمل جينات بعض الأمراض الوراثية التي قد تنتقل للجنين ومن ثم يجب أن تعلم بها السيدة وزوجها قبل حدوث الحمل، مثال ذلك أمراض beta & alpha- thalassemia أنيميا الدم المنجلية، داء الكيس الليفي cystic fibrosis والبله المغولي أو «متلازمة داون» وعند اكتشاف أي من هذه الأمراض يمكن للمرأة الراغبة في الحمل أن تبدا في عمل الترتيبات اللازمة والتحضير لبعض الفحوصات التشخيصية التي قد نضطر إليها في فترة الحمل كأخذ عينات من السائل الاسنيوس أو الاستعانة بوسائل المساعدة الإنجابية الحديثة assisted reproductive technology وذلك لتفادي حدوث إنجاب طفل مصاب بهذه الأمراض.
3- الفحص الطبي الشامل:
من خلاله تخضع السيدة لفحص طبي شامل يتحدد من خلاله أي مخاطر محتمل حدوثها للأم والجنين في حالة إصابة الأم ببعض الأمراض الخطيرة مثل مرض الارتفاع المبدئي في ضغط الشريان الرئوي primary pulmonary hypertension)).
4- مسح خاص بالأمراض المعدية:
خاصة تلك التي قد تؤثر على صحة الجنين وتكوينه كمرض الحصبة الألمانية rubella)) والالتهاب الكبدي والفيروس الدرني أو التوكسوبلازما مع بحث إمكانية إعطاء الطعومات اللازمة للسيدة أو العلاج منها قبل حدوث الحمل.
5- تحديد ما إذا كانت السيدة تتناول بعض الأدوية التي من شأنها الإضرار بالجنين كبعض الأدوية الخاصة بعلاج حب الشباب والمحتوية على مادة isotretinoin)) وأدوية سيولة الدم warfarin)) وأخرى تعالج حالات التشنجات لمرضى نوبات الصرع.
6- التقييم الغذائي وذلك عن طريق قياس وزن السيدة بالنسبة لطولها body mass index)) وتحديد الحالة الغذائية للمريضة حيث إن كلا من الوزن الزائد أو النحافة المفرطة يمكن أن تؤثر تأثيرا سلبيا على الحمل كما أن الطبيبة تناقش مع السيدة بعض العادات الغذائية السيئة وان كانت المريضة تتناول الفيتامينات المقوية للدم بشكل مبالغ فيه والتي قد تؤدي إلى تشوهات في الجنين. ويمكن أن تقوم الطبيبة بإعطاء السيدة الراغبة في الحمل جرعة يومية من حمض الفوليك folic acid )) والتي ثبت علميا أنها تقلل من فرصة الإصابة بتشوهات الجهاز العصبي للأجنة وبفضل تناولها قبل حدوث الحمل بشهر على الأقل وتستمر السيدة في تناولها خلال ثلاثة الاشهر الأولى من الحمل.
7- التقييم الاجتماعي ومن خلاله يتم تقييم أسلوب معيشة السيدة والتعرف على بعض المفاهيم والعادات الخاطئة حول الحمل وان كان هناك عوامل مادية او نفسية قد تؤثر على الحمل.
مثال ذلك: العوامل البيئية:
مثل بعض الهوايات الصعبة: «ركوب الخيل» والعادات السيئة كالتدخين، وإدمان الكحول أو المواد المخدرة - والإكثار من تناول مادة الكافيين لما لها من تأثير على الجنين حيث إنها قد تؤدي إلى تكرار الإجهاض ونقص شديد في نمو الجنين: أيضاً الاهتمام بالتعرف إلى طبيعة العمل إذا كانت امرأة عاملة حيث إن بعض الأعمال تعرض صاحبها للإشعاعات الضارة «كفنية الأشعة» أو بعض المواد السامة «كالتعامل مع مادة الرصاص».
كما انه يمكن من خلال هذه المشورة حول الظروف الاجتماعية أن تتعرف الطبيبة إلى نوع العلاقة الزوجية وطبيعة الزوج في تعامله مع زوجته وهل تتعرض الزوجة بصورة أو بأخرى لما يطلق علية العنف المنزلي أو الإيذاء البدني حيث انه ثبت من خلال الدراسات بالخارج أن 37% من النساء الحوامل تساء معاملتهن من قبل أزواجهن ويتعرضن للنزف، أو الإجهاض، أو انفجار الرحم أو الكبد أو الطحال أو كسور متفرقة أو الولادة المبكرة في بعض الحالات.
ومن كل هذا يتضح لكل سيدة تنوي الحمل بإذن الله أهمية مثل هذه النوعية من المشورة المستفيضة مع الطبيبة المعالجة والمختصة حتى تكتمل بهجتها بحمل سليم وطفل سليم.
|