Monday 22nd december,2003 11407العدد الأثنين 28 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
العلماء
عبدالله بن بخيت

في بعض الأحيان أتوق لقراءة المجلات العلمية، أقصد بالعلمية (فيزياء كيمياء الخ) ليس لأنني أستفيد منها علميا ولكن لأنها تحتوي في كثير من الأحيان على مواضيع ممتعة وشيقة. فالمجلات العلمية الجادة في أبحاثها تقترب من الفن والفلسفة، عندما تقارب المواضيع الجوهرية كالكون أو الدماغ أو النفس تبدأ في المزاوجة بين الفكر والخيال أو الخيال والمنطق العلمي. فمثلا لا يهمني كثيرا عدد خلايا الدماغ ولكن يهمني فلسفة الذاكرة، كيف خلقها الله تتسع كلما حشيت. ومثل هذا في علم الكون. فكلما اكتشف العلماء مزيدا من المجرات اكتشفوا أن معرفتهم بالكون تراجعت أو تعقدت.
أظن أن عدد المجلات العلمية بالإنجليزية لا يحصى. وهناك عدد كبير من المجلات العلمية الموجهة للإنسان العادي. مع الأسف لايتوفر باللغة العربية منها سوى القليل وهذه من فرط عزلتها يصعب قراءتها. فالمصطلحات فيها صعب فهمها لأنها منحوتة من كلمات عربية غير مسبوقة التداول، وهذا رائع من حيث المبدأ، ولكن لا يوجد لها قواميس يمكن الرجوع إليها. فلكل مترجم علمي قاموسه الخاص الذي اخترعه بنفسه لمواجهة المصطلحات العلمية في اللغات المختلفة التي يترجم عنها إلى درجة أنه على الرغم من ضعف لغتي الإنجليزية أحس أن قراءة المجلات العلمية باللغة الإنجليزية أسهل من قراءتها باللغة العربية.
الشيء السيىء أن القواميس ثنائية اللغة (عربي إنجليزي عربي فرنسي) الخ لا يتعدى مستواها مستوى طلاب الثانوية. فمثلا المورد وهو أقدم وأفضل قاموس عربي إنجليزي لا يرقى إلى مستوى قاموس (OXFORD ADVANCED LEARNER,S) الموجه للطلاب ودارسي اللغة الإنجليزية من الأجانب. ورغم عراقة هذا القاموس (المورد) إلا أنه يبقى عاجزا عن التغيير ويكتفي في أغلب الوقت إلى تغيير غلافه لإعطائه تاريخ السنة التي يصدر فيها كأن المسألة موديلات.
كل القواميس التي أعرفها تصدر عن شركات تجارية هدفها أولا وأخيرا الربح. لا أعرف أن جامعة عربية من الجامعات الكبيرة أو مؤسسة ثقافية رسمية أصدرت قاموسا. وكل العاملين في الجامعات العربية عندما يكتبون مقالات في الجرائد أو يتحدثون في التلفزيونات تراهم يتباكون على اللغة العربية وعلى عقوق أهلها مع أن معظمهم يملك القرار في داخل الجامعة التي يعمل بها لإنفاذ كثير من أفكاره البكائية.
أتذكر واحدا من هؤلاء المتباكين (لا أحب أذكر اسمه لأنه ليس الوحيد) عمل مسؤولا كبيرا في أكبر الجامعات السعودية وبلغ أعلى المناصب فيها وعندما ترك المنصب الجامعي تحول بقدرة قادر إلى أكبر النائحين على اللغة العربية. كان بامكانه في موقعه آنذاك أن يقدم للغة العربية أعظم مما قدمه سيبويه لها، ولكنه آثر أن يتذكر اللغة العربية بعد أن ترك المنصب إلى غير رجعة.
لدي قناعة من الصعب زحزحتها أن سبب تفشي الجهل بين العرب يعود إلى غياب البعد العلمي في ثقافتنا. فالمواد العلمية في المدارس ليست سوى هم ثقيل ينتهي العمل به في الدماغ بانتهاء الامتحان. وفي كثير من الأحيان هناك عداء مبطن للعلم. بل إن كثيرا من الناس يظن أن كلمة (علمانية) التي وظفت في الحرب الأيدولوجية في الساحة السياسية العربية مشتقة من كلمة (علم) وبالتالي أصبحت كلمة علم مضادة لكلمة دين في لا شعور كثير من الناس، حتى أن كلمة علماء لا تعود إلا إلى علماء الدين فقط. لأن العلوم الأخرى غائبة عن ثقافة الإنسان العادي. لو قدمت لك صديقا باسم فهد أو ناصر كعالم فيزيائي سوف تبتسم في وجهي لأنك تعودت أن علم الفيزياء هو شغل جورج أو مايكل.

فاكس 4702162

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved