إن تسلسل الأحداث الإرهابية الطارئة التي تشهدها بلادنا في المرحلة الزمنية المعاصرة جديرة بالتأمل والدراسة العلمية المؤصلة مع ربطها بما شابهها من أحداث حصلت في واقعنا المعاصر وتاريخنا الاسلامي الماضي البعيد، ولاشك ان تراجع الشيخ الخضير والفهد والخالدي عما صدر منهم من فتاوى وآراء مخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة الوسطى المعتدل والتي أججت كثيرا من الفتن والشرور، واعتمد عليها الارهابيون وسفاكو الدماء في تفجيراتهم الآثمة لهو عين الحق والصواب والجادة الصحيحة نسأل الله تعالى لهم التوفيق والثبات، كما نسأل الله تعالى لجميع من انتهج نهجهم السابق الخاطئ العودة للحق منهج السلف الصالح وجادة أهل العلم كما عادوا، وحقيقة الاحداث العظام المستجدة والمتصلة بالماضي القريب تدفعنا للوقوف عندها وتأملها واستخلاص العبر والحكم والفوائد منها لتصحيح مسار من أخطأ وحاد عن الصراط المستقيم وجادة السلف الصالح، ومن تأثر بالافكار الثورية الخاطئة، ولعمري ان هذا لمن كان لا يستفيد سوى من التجارب الواقعية الحية، وإلا فالاصل ان كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيهما الخير والهداية والحق الابلج لمن وفقه الله تعالى لأخذهما بتوسط واعتدال على فهم السلف الصالح وأئمة أهل العلم المعتد بهم في كل زمان ومكان، ولقد ذكرتني الاحداث الاخيرة بموقف حدث لي عندما كنت زائراً لاحدى الدول العربية قبل نحو 13 عاما (وكانت نزعة التكفير متفشية) حيث التقيت من غير موعد بعدد كبير من الشباب في ذلك القطر وقد انحصر الحديث والحوار حول مسائل (التكفير والجهاد والخروج على الحكام) بناء على طرحهم واهتمامهم وكثرة أسئلتهم وقررت لهم حينها مذهب أهل السنة فيها معززا ما قلت بالادلة الشرعية وبأقوال لشيخ الاسلام ابن تيمية وعلمائنا المعاصرين، إلا ان بعضهم وللاسف رد قولي واستدلالي بغير علم بحماس واندفاع وشبه ضعيفة وكثر لغط بعضهم وارتفعت أصواتهم لسماعهم مالا يروق لهم إلى ان قال لي بعضهم وفورة الغضب والسخط بادية دع عنك ما تقول ودعنا نناقشك عن حكام بلادك بلاد الحرمين فإذا سقطوا فغيرهم من باب أولى؟! انظر أخي إلى أين وصل تفكير بعض شباب المسلمين وانشغالهم؟! وكأنه لم يبق للمسلمين من العلم ان يعلموه سوى مسائل (التكفير والجهاد والخروج) فقررت الحق الذي اعتقده لهم من أنهم مسلمون كغيرهم بل ولهم فضل وخير ليس لغيرهم كتحكيم الشريعة ونشر التوحيد والسنة والدعوة في جميع أنحاء العالم.. الخ فقوبلت بالجهل والغوغائية وكيل التهم علي بما لا يحسن ذكره وقام منسق اللقاء مشكوراً بضبط المجلس واخراج من لا يرغب في الفائدة، وقدمت نصيحة لأولئك الشباب بالبعد عن الاشتغال بهذه المسائل الكبار العظام وتبني آراء خاطئة تخالف منهج أهل السنة والجماعة وما عليه كبار العلماء، والاشتغال بطلب العلم الصحيح على يد العلماء فالكثير منا ربما انه لا يحسن الوضوء والصلاة بل لا يفرق بين الشرك الأكبر والأصغر ثم يشغل نفسه بكبريات المسائل (التكفير والجهاد والخروج) وقد حدثت لي مواقف مماثلة في عدد من البلدان الاسلامية آنذاك، إنني أردت لفت النظر الى ان بلادنا الغالية مستهدفة ومحط أنظار الموافق والمخالف لمكانتها وما لها من خصوصية في قلوب الناس وكونها معقل الاسلام وحصنه الحصين الذي يتربص الاعداء جاهدين بمختلف الطرق والاساليب للقضاء على تمسكها بالاسلام واظهار شعائره فيها، إن هناك عدة أصول عظيمة يمكن الاستفادة منها لطلبة العلم والدعاة الى الله تعالى في كل مكان من تراجعات (الخضير والفهد والخالدي) تصلح للبحث والدرس لا يسعني في مثل هذه العجالة إلا ان أشير لبعضها باختصار شديد، وأما أدلتها التفصيلية وشواهدها فمبسوطة في مظانها من كتب أهل العلم فليراجعها من شاء فمن هذه الفوائد:
1- وجود طاعة ولاة الأمور بالمعروف وعدم الخروج عليهم وإن جاروا وظلموا وهذا مجمع عليه.
2- مفارقة جماعة المسلمين وتأجيج الفتن والخروج بالسيف على الولاة واستباحة الدماء المعصومة من أصول منهج الخوارج.
3- الطعن في الولاة والعلماء سنة أهل الأهواء والبدع وبريد الخروج والتكفير وهو ليس من الاصلاح في شيء.
4- التسرع في التكفير والتفسيق والتبديع العيني بلا ضوابط شرعية، من منهج الخوارج.
5- الخوض في مسائل الكفر والايمان والاسماء والأحكام وتنزيلها على الاعيان من المسائل الدقيقة التي يختص بها كبار العلماء.
6- الاشتغال بالتهييج السياسي الثوري وايغار الصدور ضد ولاة الامور وكبار العلماء من منهج الخوارج.
7- الزيادة في الدين (الغلو) أخو النقص فيه وكلاهما مذموم بل الغلو شر منه بلا ريب.
8- النوازل والمستجدات المعاصرة لا يفتي فيها الا كبار العلماء والفقهاء.
9- ليس لطلبة العلم والدعاة التصدر للفتيا في مسائل العلم الدقيقة كالاسماء والاحكام والجهاد والنوازل وغيرها من كبريات مسائل الدين.
10- التأني والتروي وبعد النظر في تبني الآراء واتخاذ المواقف خلق محمود، والغرور والاعتداد بالرأي والفهم الشخصي والتسرع في تبني الاراء واتخاذ المواقف المخالفة لكبار العلماء مهلكة.
11- للفتوى أهلها المعتبرون والتصدر بالفتوى في مسائل العلم وما يحل بالمسلمين من النوازل الكبرى المعاصرة ليس من شأن الافراد والصغار.
12- العرض والمذاكرة والبحث في مختلف مسائل العلم بين العلماء والطلبة مع العلماء، سنة ماضية للسلف وأهل العلم.
13- غرس معتقد السلف وأصول أهل السنة والجماعة والتحذير من مختلف مناهج اهل الاهواء والبدع على أي صورة ظهروا أصل واحد متلازم.
14- النهي عن مطالعة الانشطة الدعوية والفكرية المنحرفة (كالكتب والنشرات والاشرطة ومواقع الانترنت) لغير المختصين والمؤهلين سنة ماضية.
15- الحق ونصرته لا يخرج عن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة وعلى رأسهم كبار العلماء من أهل السنة.
16- مناصحة ولاة الامور بالضوابط الشرعية والاساليب اللائقة المناسبة سنة ماضية.
17- سبيل الاصلاح في كل زمان الدعوة الى الله تعالى على بصيرة على جادة السلف وأئمة أهل العلم المعتبرين، والاشتغال بنشر العلم والخير وما ينفع العموم في دينهم ودنياهم. والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
|