ستكون قمة الكويت الخليجية القادمة بلا شك بمثابة منعطف هام في المسيرة الخليجية في ظل عالم متغير وتحت راية متغيرات استراتيجية واقليمية كثيرة فرضت نفسها على الواقع الخليجي والعربي بشكل عام وهيأت الأرضية والمناخ المناسبين لبدء مرحلة سياسية جديدة مختلفة عما عداها لا سيما وان الاسترخاء العسكري بعد اسقاط النظام الصدامي البائد في العراق قد أدى في المحطة لحالة من الاسترخاء السياسي العام انعكس على أداء السياسة الداخلية في الدول الخليجية التي تتسابق حالياً في مجال التحديث المنهجي المؤطر، وتتصارع بقوة وشراسة ضمن إطار التنافس الاقتصادي الحر والالتفات صوب التنمية الشاملة وعدم الاعتماد على الثروات البترولية أو الغازية عبر الدخول في السباق السياحي الذي بدأته وتميزت به إمارة دبي وحيث تحاول الدوحة اليوم قطع مضاميره الأولى. ويبدو ان النتائج الأولية مشجعة وتبشر بمستقبل سياحي واعد في دولة قطر التي أوضحت سرعة تيارات الانفتاح فيها تثير الدهشة والتعجب بآن، ويبدو ان الكويت ذاتها التي عاشت مراحل شد عصبية وسياسية وعسكرية وأمنية صعبة تحاول هي الأخرى السير على المنوال نفسه رغم المنغصات الداخلية الكثيرة من جهة الصراع ضد التيارات المتشددة التي تحاول فرض رؤيتها المتزمتة والقاصرة على شعب كان من أول الشعوب الخليجية انفتاحا وعلى دولة كانت في طليعة الدول الشرق أوسطية التي قطعت أشواطاً متميزة في مجال التحديث والبناء العصري والتوافق مع روح العصر! ومع استمرار الاسترخاء العسكري في الخليج إلا ان هنالك شدا وتوتراً أمنياً لا تخطئ العيون الخبيرة قراءة دلالاته، فرياح الإرهاب المتزمت مازالت بمثابة السيف المسلط على الرقاب الخليجية خصوصا وان اكبر كيان خليجي وهو المملكة العربية السعودية يخوض اليوم حرب تأكيد الاستقلال الوطني الناجز وبطاقة دخول القرن الحادي والعشرين من خلال التصدي للجماعات الإرهابية الظلامية الخارجة من تحت عباءات الفكر الديني السلفي الذي أنجب التيارات الفكرية التكفيرية التي تصارع اليوم من أجل البقاء ولو على جثث الآلاف من الأبرياء المسالمين وأحداث الرياض الدموية الأخيرة وسلسلة المطاردات في مكة المكرمة والمدينة المنورة تؤكد على جدية السلطات السعودية في اجتثاث الإرهاب الأسود الذي عطل المسيرة الحضارية والتنموية والذي يساهم بشكل فاعل في تشديد الهجمة التشويهية على القيم الحقيقية والإنسانية للدين الإسلامي المتسامح الذي يرفض الغلو والتطرف وتكفير الآخرين وهي ظواهر عانى منها المسلمون منذ أيام الفتنة الكبرى وحيث نشأ مع فرق الخوارج الفكر التكفيري الذي يبيح دماء المسلمين وأعراضهم وشواهد التاريخ أكثر من أن تحصى ولكن العبرة التاريخية تقول أيضاً إن ذلك الفكر المنحرف وان كان قد وجد له أرضية في ظل ظروف معينة فإنه سرعان ما تراجع لمشاهد التاريخ الخلفية وليكون مجرد ذكرى سوداء في عصر حافل بالمتغيرات التاريخية المهمة.
القادة الخليجيون وهم يجتمعون في الكويت لا يمكنهم إلا ملاحظة الارتياح الكويتي للتخلص من النظام الصدامي الذي كان يمثل نقطة تعويق وتكسيح استراتيجية للتضامن العربي وهي القمة الخليجية الأولى التي تعقد بعد إزاحة النظام العدواني البائد في العراق وبما يعنيه ذلك من تحديات وضرورات استراتيجية جديدة للتعامل مع الحالة العراقية الجديدة التي تحتاج لرعاية ودعم الأشقاء الخليجيين خصوصا وان الكويت قد لعبت أخطر دور استراتيجي مساند لكفاح الشعب العراقي وقد تحملت تبعا لذلك من الأذى والاساءة الشيء الكثير ومازالت حتى اللحظة مستعدة لدفع الثمن من أجل انهاء الحالة الشاذة التي كانت قائمة في الاقليم الخليجي والتي انعكست على حالة التكسيح الاستراتيجية التي تعانيها الأمة العربية، وبلا شك فإن أمام قادة الخليج في ظل الظروف الراهنة ملفات حساسة ومهام مستعجلة لرأب الصدع الاستراتيجي وللمساعدة في استقرار وتنمية العراق الذي تشهد دورة الإرهاب الأسود فيه حالياً نهايتها الحتمية، فالبعث قد زال للأبد وحالة الاستقرار الدستوري ستحط رحالها لا محالة وسط أطنان التحديات الصعبة بكل ملفاتها اللاتينية والمذهبية والسياسية، كما ان التقديرات القيادية المرتقبة في الخليج بعد قدوم القيادات الشابة والمتفهمة لروح العصر وتيارات رياح السياسة الدولية ستساهم هي الأخرى في ارساء سلم ونهضة اقليمية سيرتد خيرها على شعوب المنطقة.. إنها القمة الأصعب في الزمن الصعب ولكن العزاء الأكيد هو أن السياسة السعودية.. والكويت تعرفان جيداً فن التعامل المرن مع الأزمات.. وانتظروا قمة التغيير الايجابي.
|