أدار الندوة: محمد الخضري تصوير: محمد العنزي
أظهرت الميزانية العامة للدولة التي أقرها مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي التي قدرت ايراداتها بنحو 200 بليون ريال فيما تقدر النفقات بـ230 بليون، وبذلك يكون العجز المتوقع في ميزانية العام القادم نحو 30 بليون ريال، وقد أظهرت هذه الميزانية ملامح قوية للاقتصاد السعودي في ظل بطء النمو الذي يشهده الاقتصاد العالمي، وتنامي الكثير من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي ويأتي في مقدمتها البطالة وتذبذب سعر الصرف للعملات الرئيسة، وانخفاض معدلات النمو في الكثير من مناطق العالم، إلا ان الاقتصاد السعودي استطاع ان يتجاوز الكثير من الصعوبات والظروف السياسية الدولية والاقليمية، ويحقق نموا جيد بمقاييس خبراء الاقتصاد.
ومتابعة لهذا الحدث عقدت «الجزيرة» ندوة اقتصادية لاستكناه عدة محاور رئيسة أهمها:
* ماذا يعني المفهوم العام للميزانية بالنسبة للدول؟
* الآلية التي من خلالها يتم إعداد الميزانية؟
* الفوارق بين المصطلحات الرئيسة في مفهوم الميزانية وتطبيقاتها؟
* كيف تستطيع الميزانية تفعيل ودفع عجلة الاقتصاد الوطني وحل المسائل المؤثرة في قدرة نمو الاقتصاد السعودي، ويأتي في مقدمتها البطالة وايجاد فرص العمل، اطفاء الدين العام، الانفاق الاستثماري.
* تفعيل هيكلة الاقتصاد والخروج به من مفهوم الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي.
* عملية التخصيص وما يعترضها من معوقات وصعوبات.
* الحديث عن ميزانية هذا العام والتوقعات بمستوى نمو اقتصادي مناسب في ظل الاعتمادات المخصصة للاستثمار في التنمية والخدمات العامة.
* رؤية مستقبلية للاقتصاد السعودي.
ولعل المتابع لهذه المحاور يلحظ الخروج المباشر عن النمطية المألوفة في استعراض بنود وأرقام الموازنة العامة والدخول إلى عمق وصلب مفاصل الاقتصاد السعودي بحثاً عن الحلول الجذرية وتلمس ابرز المعوقات والمصاعب التي يعاني منها، في الوقت الذي يشكل الاقتصاد السعودي أهمية وتأثيراً مباشراً على الاقتصاد العالمي.
ولاستجلاء كل هذه الحقائق والمعطيات استضافت «الجزيرة» في ندوتها كلا من:
الدكتور عبدالعزيز العريعر عضو مجلس الشورى.
الدكتور فهد السلطان أمين عام مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية.
الدكتور محمد الهذلول أستاذ الاقتصاد كلية العلوم الإدارية جامعة الملك سعود.
المحرر: ماذا يعني المفهوم العام للميزانية بالنسبة للدول؟
د. عبدالعزيز العريعر: بداية أحب ان أشكر جريدة «الجزيرة» على عقد هذه الندوة، والتفكير في هذه المواضيع الوطنية المهمة التي تهم حياة المجتمع والوطن.
في الواقع الميزانية بمفهومها العام ما هي إلا خطة اقتصادية قصيرة المدى، مدتها سنة واحدة مثلها مثل الخطط الخمسية لكن مدتها محدودة والميزانية بمفهومها التخطيطي هي توقعات للمستقبل والميزانية التي نحن بصدد الحديث عنها هي للسنة القادمة، وهي مجرد توقعات للدخل والانفاق والعجز المتوقع، فالميزانية في المملكة العربية السعودية هي خطة قصيرة المدى لاستخدام هذه الايرادات المتوقعة والمصروفات المتوقعة وتقدير مدى الصرف والتوقعات بخصوص الايرادات وقد لا تتحقق هذه التوقعات واحتمال ان يزيد الدخل ويكون هناك فائض بدل العجز.
الذي يكون متوقعا في الميزانية وللأسف ان الناس ينظرون إلى الميزانية وكأنها للسنة التي نحن فيها بينما هي توقع للسنة القادمة وليست للسنة الحالية المهم هو أن الميزانية الفعلية التي أعلن عنها مع الميزانية التقديرية، هذه الميزانية الفعلية كانت ممتازة وكان فائض كبير مع زيادة كبير للايرادات عن المصروفات وكان المتوقع ان تصل الايرادات إلى 170 بليون ريال زادت بنسبة أكثر من 90% إلى 295 بليون وهذا يعطي مدلولاً بأنها ميزانية توسعية وليست انكماشية بمعنى ان الدولة تنفق اكثر من ايراداتها وهو مبلغ العجز المقدر بـ30 بليوناً إذن فهي ميزانية توسعية.
المحرر: دكتور فهد: هل من إضافة على ما تفضل به الدكتور عبدالعزيز؟
د. فهد السلطان: الدكتور عبدالعزيز كفى ووفى في هذا الجانب وإذا كان لي من إضافة هي ان الميزانية تختلف من دولة لأخرى، وفي تقديري ان الميزانية أكثر تعقيداً عندما تكون في دولة أحادية الاقتصاد مثل المملكة، وكما أشار الدكتور عبدالعزيز ان الميزانية خطة للمتوقع.. والميزانية بمفهومها هي خطة مستقبلية لمدة اثني عشر شهرا، وعندما يكون الاقتصاد أحادي الدخل كما هو لدينا مثلا إلى درجة كبيرة، وعندما يكون الاقتصاد يعتمد على مصادر محدودة تكون المخاطرة اكثر لأنك تكون مرهونا بأمور لا تملكها وتوقعاتك التقديرية للميزانية تأتي احيانا عكس ما توقعت كما حدث في ميزانية العام الماضي التي قُدّرت بعجز وانتهت بفائض والسبب واضح جدا لأننا محدودين باقتصاد أحادي الدخل إذا صح التعبير ومن هنا فإن التقدير والتوقع يشوبه بعض الصعوبات هذا جانب، الجانب الآخر هو حين يكون الاقتصاد معتمدا على ميزانية مركزية مثل وضعنا في المملكة.
المحرر: هل هذا يأتي ضمن حديثك في نطاق التعريف بالميزانية؟
د. فهد السلطان: نعم وأنا مازلت اعتقد ان هذه الأمور لابد ان تؤخذ في الحسبان عندما نتحدث عن ميزانية دولة معينة، ونحن نعتمد في اقتصادنا إلى درجة كبيرة على الانفاق الحكومي، رغم ان القطاع الخاص يساهم الآن بنسبة 46% من الناتج المحلي الاجمالي، لكن يظل القطاع الحكومي ممثلا في الميزانية العامة هو المحرك الرئيس للتنمية وبهذا تكون الميزانية فيصلا في نمونا وتقدير الميزانية هنا يزداد تعقيدا عندما نشعر بأننا أمام تقدير يجب ان يكون قريباً جداً من الواقع ويجب ان يعكس المنطق والتوقعات لأن اقتصادنا في الغالب إلى 68% مبني على هذا التوقع. هذا الذي اعتقد انه إذا كان هناك من إضافة على ما تفضل به الدكتور عبدالعزيز.
المحرر: دكتور محمد هل من إضافة على ما سبق؟
د. محمد الهذلول: إضافتي ربما تكون بسيطة جدا وهي استطراد لما تفضل به اخي الدكتور فهد وهو ان الميزانية لها أثر.. ليس فقط الأثر الرقمي لكن حتى الأثر النفسي والميزانية خاصة في المملكة العربية السعودية لها أثر نفسي كبير وكما نعرف مدى استبشار المواطنين واستبشار رجل الأعمال عند صدور الميزانية سواء بأرقام كبيرة أو صغيرة ويحدث عند المواطن نوع من الاحتفالية ونوع من الثقة في الأداء الاقتصادي لكن..! يتبقى أهم نقطة نحتاج ان نركز عليها هي المسألة التثقيفية وهي ان الميزانية مجرد خطة وكثير من الناس يعتبر ان الحكومة مثلها مثل الفرد إذا استلم مرتبه هذا الشهر سيصرفه في الشهر القادم.. لكن الأمر يختلف بالنسبة للحكومة.. لأن الميزانية مجرد توقعات ولذلك يصدق التنبؤ أو لا يصدق، ومن المفارقات ان عدد المرات التي اصبنا فيها خلال العشرين سنة الماضية هي قليلة جدا بالنسبة للتوقعات، وهل نحن قريبون من التوقعات أم لا؟ وهذا بسبب طبيعة المورد الوحيد الذي تحدث عنه الاخوان.
المحرر: اثنِّي على ما تفضل به الدكتور محمد بمدى اهتمام الناس بالميزانية وكنت مع رجل أعمال حول الميزانية ولماذا لم تعد الناس تهتم بالميزانية كما في السابق، أجابني بانه لم يعد هناك فائض في الدخل كما كان في السابق، حيث كان الناس يتوقعون ان تعود عليهم الميزانية بالخير الكثير، إنما لأن الميزانية بالكاد تفي بالتزامات الدولة الإدارية والانفاق على بعض الانفاقات الاستثمارية.
د. عبدالعزيز: اسمح لي أخ محمد قبل ان تنتقل إلى سؤالك التالي ان اعلق على ما تفضل به رجل الأعمال الذي ذكرت: انا أعتقد انه حصل تطور ايجابي في مسألة الميزانية لأنه في السابق لم يكن هناك قطاع خاص بالمعنى المفهوم، والميزانية كانت مهمة جدا لأنها كانت السبيل الوحيد للانفاق بينما الآن تطور القطاع الخاص وأصبح ولله الحمد يساهم كما تفضل الدكتور فهد بأكثر من 44% من الناتج المحلي الاجمالي فأصبح القطاع الخاص يعمل باستقلالية عن الانفاق الحكومي، صحيح ان الانفاق الحكومي هو دعم ايضا للقطاع الخاص ولكنه ليس الدعم الوحيد لأنه أصبح الآن لدى القطاع الخاص استثمارات ضخمة ولديه مقدرة وإنتاجية صناعية وغيرها لهذا لم يعد الاهتمام كما كان بنفس الحجم في السابق، وأصبح القطاع الخاص ينتج من تلقاء نفسه انفاق واستثمار ونمو باستقلالية من الانفاق الحكومي.. ولكن لا يزال الانفاق الحكومي مهم.
د. فهد: عندي إضافة لو سمحتم لي بشأن أهمية الميزانية لبلد مثل المملكة العربية السعودية وهي أيضاً مهمة لكل البلدان ولا شك، لأنها جزء من الانفاق على الناس.. والحكومة تشتري جزءاً من هذا الناتج يختلف حسب طبيعة البلد، وعندنا في المملكة تشتري الحكومة حوالي 20% هذا جزء، لكن الآخر وهو يبدو لي الأهم في قضية الميزانية، وهو انه متى ما كانت الميزانية معدة بشكل صحيح وشفافة أيضاً فتتكون لدى القطاع الخاص الثقة ليعطي اكثر لأنه يعلم ان الميزانية الحكومية مبوبة ومرتبة حسب ما هو متوفر وما هو متاح، وبالتالي تكون لديه الثقة ان يستثمر في الاقتصاد كقطاع خاص، فالحكومة محفزة وقد لا تكون بالضرورة هي المنفق، ولكن ميزانية الحكومة مؤشر للتحفيز وهي تحفز القطاع الخاص على المبادر والإنتاج.
المحرر: لنتحدث عن الآلية التي يتم بموجبها إعداد الميزانية وهي نفس الآلية بدأ بها إعداد الميزانية العامة للدولة منذ بداياتها هل هذه الآلية لا تزال مجدية أم هل اصبح من المجدي الآن التفكير في تغيير هذه الآلية وتغيير هذه النمطية الروتينية في إعداد الميزانية؟
د. فهد: هناك آليات كثيرة لإعداد الميزانية منها الآلية المعمول بها حاليا آلية عنصرة الميزانية وهي التي تنتهي بميزانية الأبواب، وهناك ما يسمى بالميزانية الصفرية بحيث تبدأ كل سنة من الصفر ونفس العمل التراكمي وتبدأ وكأن لديك سلة من المال وسلة أخرى من المشاريع ثم تفصِّل كما يقال «ثوبك على قد جسمك» وهذا ما يعرف بالميزانية الصفرية لأنك تبدأ من الصفر وهي معمول بها في قليل من الدول ربما اشتغلت عليها الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأسبق نيكسون ولم تستمر فترة طويلة حيث عملت بها فترتين أو خطتين لكن في تقديري انه لا يعمل بها على نطاق الدول، وانما يعمل بها في بعض الشركات العالمية والنمط الثالث من الميزانية كما تعرفون هو ميزانية البرامج التي تسمى (ppBS) ولكي يكون حديثنا أكثر تركيزاً أرى انه حان الوقت للنظر في ميزانية البرامج وأعتقد ان التطورات الاقتصادية والمالية والسياسية التي حصلت خلال الخمس سنوات الماضية في العالم تفوق التطورات التي حصلت في خمسة عقود قبلها، وهذا يؤكده كثير من المعطيات، ولذلك ما أود الوصول إليه من هذا الحديث ان المعطيات الآن تختلف عنها في الستينيات وفي السبعينيات والثمانينيات وربما يقول زملائي في الندوة حتى في بداية التسعينيات، المعطيات في بداية هذا القرن تختلف اختلافاً جذرياً ولذلك ليس من العيب ان نقف ونراجع أنفسنا وننظر ما إذا كانت ميزانية البرامج تتناسب اكثر ووضعنا الحالي أم لا، ولكن من رؤية شخصية انه حان الوقت للنظر في ميزانية البرامج وخصوصا في الباب الرابع لأن ميزانية البرامج ليست هي المطلوبة على الاطلاق، وليس معنى هذا أننا نطبق ميزانية البرامج أو الأبواب أو الميزانية الصفرية 100% هناك طريقة للمزج بين هذه الآليات.. ولذلك وحسب تقديري أرى ان يعتمد الباب الرابع اعتمادا كليا على ميزانية البرامج بينما هو الآن قائم على المشاريع وليس على البرامج وهذه المعضلة وقلة من الناس والعامة يدرك هذا الفرق بين المشاريع والبرامج، والحاصل الآن هو ميزانية مشاريع في الباب الرابع وليست ميزانية برامج ومن الأولى وضع ميزانية برامج وليست ميزانية مشاريع، ولذلك عندما تذهب الوزارات والجهات المعنية إلى وزارة المالية لتناقش الباب الرابع أو حتى الباب الثالث ان صح التعبير هي تناقش مشاريع ولا تناقش برامج وحتى ان ذكر في بعض الأحوال انها برامج لكن في النهاية تجدهم يأتون لكل مشروع بنداً بنداً، وقد قدر لي ان اكون في سنة من السنين مشرفاً على برامج إحدى الوزارات.. وكان كل النقاش والحوار مع وزارة المالية حول المشاريع وليس البرامج، ففي ظني انه حان الوقت لكي تكون الميزانية ميزانية برامج كبيرة تعكس معطيات الفترة الحالية التي نعيشها.
د. عبدالعزيز: حتى المشاريع لا تعتمد في الميزانية الحالية مكتملة، فقد يتم اعتماد بنود المشروع عبر عدة بنود، وقد يعتمد مثلا بند تأمين أرض لمشروع ما وعلى سبيل المثال مستشفى ولا تعتمد المعدات لانها في باب آخر، فلا يؤخذ به عند اعتماد المشروع كوحدة متكاملة وإنما هي ميزانية بنود، وحتى الباب الرابع يعتبر بنداً من هذه البنود، وكما ذكرت في مثالي السابق فلو هناك مشروع لإنشاء مستشفى جديد يكون المبنى خاضعاً للباب الرابع والآلات والمعدات في الباب الثالث والموظفون يكونون في الباب الأول وبالتالي تكون المناقشات حسب الآلية المعمول بها حالياً منفصلة وليست مجملة، كذلك المشاريع لا ينظر إليها بمفهوم اقتصادي بحيث ان المشاريع تؤتي أكلها في وقت محدد ويبنى عليها مشاريع أخرى لأنه ليس هناك الترابط بين المشاريع بحيث مشروع يغطي مشروعاً أو مشروع يستفيد من منجزات مشروع سابق أو لاحق.. يعني ترابط المنظور الاقتصاد في ميزانية البرامج والمشاريع غير موجود للأسف لأن جزءاً من جزئيات المشروع ينظر من قبل لجنة مختلفة وباب مختلف وربما لا يكون هناك التنسيق المطلوب ولا ينظر إلى فائدته للاقتصاد وإنتاجيته المتراكمة بحيث تكون انتاجيته تحدث انتاجيات أخرى، اما بتشجيع مشاريع قائمة أو مشاريع لم ينظرها فنحن لا نستطيع الآن ان ننفذ ميزانية البرامج والمشاريع بحذافيرها ولابد ان يكون هناك تنسيق ونحن نسمع الآن عذر وزارة المالية ان الوزارات الأخرى تفتقد للكفاءات التي تعمل وترتب لهذه المشاريع الضخمة بما فيها المعدات والعمالة وغيرها لكن على الأقل نعمل شيئا من التنسيق وكما يقال «ما لا يدرك كله.. لا يترك جله» فيجب ان نحاول ان نطور من الآلية التي مضى عليها عقود، وكما ذكرت شخصيا في ندوة عقدت بمعهد الإدارة العامة قبل سبع وعشرين سنة ذكرت كل ما ذكره أخي الدكتور فهد عن وجود عدة آليات في أساليب برامج المشاريع التي تسمى «Performance Budget» وهي انك تمنح الجهة القائمة بالتنفيذ أكثر من غيرها. هناك عدة أساليب وربما نمزج بين هذه الأساليب إذا كان لا يوجد لدينا كفاءات قادرة.. وأنا أعتقد انه لدينا كفاءات ولله الحمد وتغير الوضع عن الوضع السابق وأصبحت الوزارات مليئة بحملة الدكتوراه.. والمهندسين والفنيين والمحاسبين الذين باستطاعتهم ان ينفذوا ويعتمدوا ويعدوا لهذه المشاريع والبرامج التي لها مردود اقتصادي أكبر وبالإمكان تفعيل الميزانية من خلالها وتحسين أثرها على الاقتصاد.
د. محمد: هناك في الدولة ستجد ما يسمى المؤسسات العامة والبلديات وهذه جهات مستقلة بحكم أنظمتها لكن للأسف هي تطرح في الميزانية العامة للدولة وتعامل كما تعامل الجهات الأخرى بالنسبة للتوظيف والتمويل ويمكن كما ذكر الدكتور عبدالعزيز والدكتور فهد نحن نحتاج الآن ربما اسرع من أي وقت آخر التفكير في اعطاء الاستقلالية للبلديات.. لأنه بحكم أنظمتها لا يصرف لها اعانة ومن المفروض ان تولد وبحسب نظامها الدخل الضروري.. ولو نظرنا إلى الميزانية هذه السنة أو لسنتين مضت نجد ان ايرادات البلديات حققت حوالي اكثر من مليار.. إذاً فالبلديات قادرة إذا ترك لها الاستقلال المالي ان تولد لها ايرادات وكذلك المؤسسات العامة الأخرى مثل الجامعات والسكك الحديدية وغيرها فأعتقد ان تفعيل النظم بشأن المؤسسات العامة والبلديات على وجه الخصوص سيغير وجه الميزانية لو استطعنا ان نعمل بشكل جدي على هذه الأمور.
المحرر: كثير من أنظمة الدولة بحاجة إلى إعادة هيكلة، ولو نظرنا إلى الكادر الإداري الموجود، وكما قال الدكتور عبدالعزيز هناك كوادر مؤهلة تأهيلاً عالياً ولكن الآلية التي يعمل بها نظام التوظيف في استقطاب الكوادر السعودية والمؤهلة والقادرة على الإنتاج والإبداع وتبرز في هذه المجالات. هي أيضاً تصطدم بعقبة نظام وآلية التوظيف، والمسألة مجرد الدخول في مسابقة وظيفية بدون الاعتماد على الإمكانيات الذاتية للفرد، هل من وجهة نظر حيال هذا الموضوع؟
د. محمد الهذلول: الحقيقة ملاحظتي تتركز في التالي.. ويبدو لي ان ما نعمل به من أنظمة إدارية على وجه الخصوص مناسب لوقت الطفرة عندما كنا نحتاج ان نجري مسابقات للمتقدمين للوظائف لأننا سنستوعب الجميع.. الآن لا اعتقد ان وزارة الخدمة المدنية أقدر من أي جهة أخرى في تحديد من هو الموظف المؤهل، ولو استطعنا ان نعطي للجهات الأخرى نفسها الاستقلالية ان تختار موظفيها وتجري لهم المسابقات أو ما يسمى «Head Hunting» فأنت الآن تحتاج لشخص مؤهل يساوي في كفاءته وقدرته عشرة أفراد، فليس من الجدوى ان انتظر وزارة الخدمة المدنية لأن وزارة الخدمة وضعت في حالة معينة من النمو الاقتصادي والآن الأمر يختلف تماما.. وما تريد فعله الآن وكما اتفق عليه الاخوان هو رفع كفاءة الأداء الحكومي، ولن تستطيع رفع هذا الأداء إلا باختيار الناس المناسبين لشغل الوظائف ولن تختارهم وزارة الخدمة المدنية بهذه الطريقة واعتقد ان هذه هي الاشكالية الآن واعتقد انه حان الوقت لنفكر في هذا الأمر مرة أخرى.
د. عبدالعزيز العريعر: تطوير الأنظمة شيء مهم حتى لو كان النظام ممتاز لأنه بمرور الوقت يحتاج النظام إلى تطوير وإلى إعادة النظر، فأنا اعتقد ان أنظمة التوظيف وأنظمة متطلبات الحكومة ومشترياتها، ونظام المناقصات والأخذ بأقل سعر بغض النظر عن الجودة والكثير من الأنظمة الإدارية.. كل هذه الأنظمة تواكب الميزانية وتفعلها وتجعل أثرها أكبر وأنا كعضو في مجلس الشورى ألاحظ ولله الحمد ان المجلس يساهم في الكثير من الاقتراحات.. والآن المواد التي حدثت في نظام مجلس الشورى تعطيه مجالاً أكبر لأن يساهم ويقترح تعديل بعض الأنظمة، وهناك اقتراحات كثيرة إن شاء الله سوف ترى النور، ستؤثر على التعليم والإدارة وأنظمة كثيرة سوف تطور من الأداء الاقتصاد ونرجو من الله ان تواكب الميزانية هذه التطورات.. وأنا اعرف زملائي بوزارة المالية، ان لديهم رغبة في تطوير عمل الميزانية وأن تكون أكثر فعالية في مدلولها وفي نتائجها إن شاء الله.
د. فهد السلطان: انا اعتقد ان الوقت لا يحتمل سياسة ترقيع الثياب وإنما الأمر والوقت يتطلبان إعادة هيكلة كاملة وليس سياسة ترقيع.
وأقول بكل أمانة: عملت مع الزملاء في مجلس الشورى ليس كعمل وإنما كتفاعل. هؤلاء الناس يقومون بأعمال وللأمانة لا يملك الواحد منا إلا ان يشكرهم عليها وفعلا قدمت النخبة الموجودة فيه الشيء الكثير وكثر الله خيرهم وهذا اقوله إحقاقاً للحق.. لكن وقتنا وإدارتنا تحتاج شيئاً آخر.. نحن في وقت حرج ولابد ان نصارح انفسنا.. ولابد ان نكون صرحاء ولأننا كلنا نحب هذا الوطن ترابا وسماء فالوقت لا يحتمل الترقيع ولا يحتمل التعديلات الطفيفة.. الأمر يتطلب اعادة هيكلة كاملة للإدارة المالية والتنفيذية في كافة مرافق الدولة وليس فقط في وزارة المالية.. بل إعادة إدارة المال العام من قِبل الجهاز التنفيذي كاملا وإعادة الهيكلة هذه لابد ان تبدأ من الصفر، بمعنى اننا ننظر إلى وضعنا المالي ومقدراتنا المالية.. ونحن في وطن حباه الله خيرات كثيرة.. يا اخي لدينا 26% من احتياطي البترول في العالم ونحن رابع دولة في العالم في احتياطي الغاز ولدينا 22 صنفاً من المعادن الثمينة في العالم.. وسكاننا لا يتعدون 18 20 مليون نسمة.. فالأمر لا يحتمل ان نقول اننا في كل سنة سنغير ونبدل ونرقع كي نوظف الموظفين ونعدل ونبدل.. وانا اتفق مع زملائي فيما طرحوه من حلول وهي حلول منطقية لكن في تصوري ان الأمر يحتاج إلى خطوة اكثر جرأة من هذه الخطوة وهي إعادة هيكلة إدارة الميزانية العامة بكافة أبعادها سواء من قِبل وزارة المالية أو من قبل الجهات المعنية التنفيذية الأخرى، وكذلك إدارة الانفاق العام هذه القضايا علينا الوقوف أمامها ونعود لنراجع أنفسنا كيف ننفذ ميزانيتنا وكيف نديرها وكيف نخصصها ثم كيف نؤديها، نحن الآن نخصص للدراسات لكن ننتهي بالتخصيص، هل نقف في نهاية السنة ونراجع.. ولا نقول نحاسب.. لأن الوقت لايزال مبكراً على المحاسبة..لكن نراجع الوزارة الفلانية كيف انفقت أموالها؟ هل انفاقنا أو صرفنا يعتمد على الكفاءة والكفاية والجدوى الاقتصادية؟ أم اننا ننفق هذه المشاريع؟ وربما يبني ذلك الجهاز جسراً بخمسمائة مليون وجهاز آخر أو القطاع الخاص يبنيه بمائة وخمسين مليوناً، ثم هل فعلا نريد بناء هذا الجسر ام ان هناك أولوية أخرى؟ حصل ان وقفت مع أمير المنطقة الشمالية مع عدد من وكلاء الوزارات فقال لنا: أنتم كل سنة تأتون وتسألون ما هي متطلباتي من التعليم ومن الصحة.. كل هذه المتطلبات لا أريدها.. أنا اريد فتح طريق لحل مشكلة الحوادث انظر إلى الأولوية.. وهنا أقول اننا نفتقد ما يسمى إدارة الأولويات وأيضاً ليس لدينا كفاءة اقتصادية للمشاريع المخصصة ولذلك فإن جزءاً من اعادة الهيكلة يجب اعادة بناء تخصيص الميزانية على محورين البعد الجغرافي والقطاعي ونحن الآن كل تخصيصنا قطاعي.
د. محمد الهذلول: الاقتصاد من مسؤولية وزارة التخطيط ووضع الأهداف الاقتصادية يجب ان يكون مسؤولاً عنها المجلس الاقتصادي الأعلى، لا يجب ان نعطي وزارة بعينها لأن هناك مجلساً اقتصادياً هو المسؤول عن وضع الأهداف الاقتصادية سواء لسنة أو للخطة الخمسية وعلى الوزارات الأخرى كلٌّ فيما يخصه مراعاة هذه البرمجة أي بمعنى انه كيف يصل إلى ان يحقق كل قطاع النمو المطلوب منه، إنما ان نعود إلى الوزارات مرة أخرى وتعطي هذه الوزارات القيادة ولدينا مجلس اقتصادي متخصص فأنا اعتقد ان هذا غير عملي، فإعادة الهيكلة أنا اعتقد انها لم تجد حقها من النقاش اي انها لم تناقش بشكل كاف حتى على مستوى الصحافة، أن يأتي شخص ويحلل عمل هذه الوزارات.. وخذ على سبيل المثال الاسكان.. أو كل جزء منه إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بينما كان يفترض ان يبقى هذا ضمن اختصاصات وزارة شؤون البلديات، البلديات هي المسؤولة عن الاسكان لأنها هي الجهة التي توزع الأراضي والمواصفات محددة من وزارة الاشغال وحتى اعادة الهيكلة التي حدثت هي اعادة جزئية ولايزال هناك الكثير من الأشياء اعتقد انها بحاجة إلى اعادة النظر.
د. عبدالعزيز العريعر: هناك لجنة وزارية لاتزال تدرس اعادة هيكلة الكثير من الأجهزة الحكومية.. ونحن نعلم ان اعادة هيكلة قطاع حكومي ضخم وكبير يستغرق وقتاً لان اتخاذ القرارات فيها ليس من السهولة بمكان.. إلا ان الذي نعلمه ان هناك لجنة نتمنى لها التوفيق ويجب ان يكون هدفها الاقتصادي هو الهدف الأول لها بتفعيله ورفع انتاجيته لأن المبالغ التي تصرف في الميزانية ليست قليلة ولكن نتائجها وكفاءتها ما هي بالصورة المأمولة.. وزيادة إنتاجيتها وأنا هنا لا أدافع عن وزارة المالية.. ولكن بحكم خبرتي في الوزارة فإن الميزانية لا تعتمد إلا بمناقشة مع الجهات نفسها حيث يحضر مندوب من الإمارة ومن جميع الجهات الأخرى مثل البلديات ويأتون إلى وزارة المالية ويناقشون ميزانياتهم ولكن أحيانا للأسف فإن اولوياتهم تكون دائما هي الأولويات المفروضة فيجب ان يكون الشخص الذي يوضع هذه الاولويات متمتعاً بحس اقتصادي أو هدف اقتصادي محدد لكل منطقة، وإن شاء الله مجالس المناطق يجب ان تقوم بدور في هذا المجال لأنه لا يجب ان تخضع المشاريع للرغبات الشخصية والحل في نظري انه يجب ان يكون الهدف الاقتصادي والإنتاجي هو الأساس في أي اعتماد وليس هناك اهداف أخرى غير اقتصادية لأن الاقتصاد هو المحرك الرئيسي للعالم الآن وهو الذي يحل المشكلات ويوجد المشكلات.. ولو عدنا للتاريخ لوجدنا ان الامبراطورية الرومانية ما سقطت قبل ألفي سنة إلا بعد ان فقدت مستعمراتها التي كانت تغذيها، والاتحاد السوفيتي لم يسقط الا بعد ان تدهور اقتصاده وفشل التخطيط المركزي في توفير فرص الحياة المناسبة للمواطنين، فالاقتصاد هو أساس وعماد المجتمع فيجب عدم تهميش دوره ويجب ان تكون القرارات مبنية على أهداف تنموية واضحة.
المحرر: لماذا لانزال نعمل بالأسلوب المركزي، ولماذا لا تكون الميزانية المخططة للمناطق وفق الاحتياجات الفعلية للمناطق، وهنا يأتي دور المجلس الاقتصادي لتفعيل هذا التوجه.. أم ان دوره مجرد استشاري فقط ولماذا لا تعطى المرونة للمناطق لمناقشة احتياجاتهم مباشرة؟
د. فهد السلطان: هذا السؤال يثير فضولي لأنني سبق أن بحثت في نفس الموضوع وقدمت فيه عرضاً أيام ندوة البنك الدولي 20/20 وما زالت الفكرة في بالي ولهذا اجدني متحفزا للاجابة: اعتقد ان الوقت مناسب لأن يكون التخطيط والميزانية قطاعي وجغرافي في الوقت نفسه، بمعنى ان تصدر التوجيهات العامة من الجهات العليا كالمجلس الاقتصادي الأعلى أو حتى وزارة التخطيط، أما التخصيص التنفيذي فيجب ان يكون جغرافياً وأعني بهذا أن ربما يأتي المجلس الاقتصادي الأعلى ويخصص نسباً للقطاعات المختلفة، مثل التعليم والصحة والطرق والبلديات.. وتخصص نسبة وليس رقماً ثم تنتهي العملية إلى التخصيص الجغرافي للمناطق وبالتالي الهيئة المحلية في المنطقة وهذا يتناسب جدا مع الأمر الملكي بإيجاد مجالس بلدية ينتهي الأمر إلى ان المجلس البلدي نفسه أو الآن كما هو قائم مجلس المنطقة يقوم بتوزيع حصة المنطقة قطاعيا.. لماذا؟ لأنك تجد على سبيل المثال منطقة تختلف ظروفها البيئية والصحية ذات اولوية اكثر من القطاعات الأخرى، ولو نظرنا إلى منطقة جازان على سبيل المثال فقد تكون اهتمامات البيئة أو الأمور الصحية اكثر من اهتماماتهم بالأمور البلدية والطرق على العكس، مثلا الحدود الشمالية ولهذا نجد تفاوت في التنمية بين المناطق فنجد منطقة ما متقدمة جداً في قطاع معين لكنها أقل نمواً في القطاعات الأخرى وهذا يعود في نظري كما أشرت إلى ان التوجه والتخصيص مركزي، وفي اعتقادي انه حان الوقت لنعطي الاقاليم.. وإذا ما اعطيناهم الحصة نترك لهم ان يتحركوا ضمن هذه الحصة في تخصيص القطاع.. وهذه الحصة يمكن ان تعتمد على معايير كالسكان والمساحة الجغرافية.. وهذه واردة وموجودة في كل دول العالم ثم تترك للهيئة المحلية.. طالما ان الإدارة المحلية بفضل الله ثم بفضل التوجهات الجديدة متجهة لتطويرها بشكل واضح يترك لهم توزيع هذه الحصة التي خصصت في الأصل من الجهات العليا، هذا من وجهة نظري أنسب شيء لوقتنا الحاضر.
المحرر: هل لديك إضافة د. عبدالعزيز..
د. عبدالعزيز: أنا أتمنى تطوير الاقتصاد وتطوير الهيكل الإداري ليسمح بمرونة اكثر وشفافية اكثر وأيضاً اعطاء صلاحيات اكثر للمناطق طالما انه أصبح لديها كفاءات قادرة على تنفيذ هذه المشاريع، ولو ان الوزارات المركزية تعد الاحتياجات بناء على دراسات وبناء على اتفاق مع أمارات المناطق المختلفة، ربما الآن حان الوقت لأن يكون هناك دور اكبر للمناطق نفسها في تخصيص وتوزيع ما يخصص لها في الميزانية العامة، إذن التطوير وارد وأعتقد ان ما لمسناه من تطورات في مجالس المناطق واعطاءها دوراً أكبر في تحديد احتياجاتها.. كل هذا يؤخد في الاعتبار.. ولكن إن شاء الله ان يفعل هذا اكثر واكثر مع مرور الزمن وتوفر الكفاءات.
د. محمد: الناس يخلطون قضية المناطق.. ونحن حين نتحدث عن المناطق نتحدث عن الإدارة المحلية.. نحن كلنا نتحدث عن فرضية تطوير الإدارة المحلية وتعزيزها وعلى سبيل المثال وزارة من الوزارات جميع موظفيها وأجهزتها موجودون بالرياض فقط، أنا لا أرى ان هذا صحيح.. ممكن يبقى عدد منهم في الوزارة الأم.. وهم من يضعون الأنماط الوطنية والباقي يفترض ان يوجدوا في المناطق.. لأن التنفيذ والإشراف والمقاولات وكل هذه الأمور تعتمد على المنطقة نفسها ومثلا إذا كانت منطقة الباحة تريد إنشاء طريق يقوم المهندسون المقيمون هناك ينفذون المقاييس الوطنية التي تأتيهم من الوزارة.. لكن ما يحصل الآن ان موظفي الوزارة هم من يتولى التخطيط ويتولى الإشراف.. بينما الموظفون العاملون في المناطق الأخرى ليس لهم دور مباشر وكأنهم الجزء الأصغر.. بينما يفترض ان تكون المناطق هي الجزء الأساسي والإدارة المركزية هي الجزء الذي يمكن ان نسميه الجزء التخطيطي إن شئت. أعود وأقول ان الناس تخلط بين الحكم المحلي والإدارة المحلية.
د. عبدالعزيز العريعر: انا اعتقد اننا لا نغمط هذه الجهات حقها ونعتقد أنها ليس لها دور.. بل لها دور كبير لأنها هي التي تقترح المشاريع وهذه المديريات هي التي تناقش المشاريع ومناقشات الميزانية.. وكل المناطق تتابع وتناقش مشاريعها من أمير المنطقة إلى أصغر موظف فيها يأتون للتعقيب على مشاريعهم.. وهؤلاء لهم إضافة ودخل فيما يعتمد.. لكن أحياناً لا يكون التنفيذ كما يجب.
المحرر: أتت هذه الميزانية في ظل تفاوت النمو الاقتصادي، وهناك من يرى ان معدلات النمو التي كانت متداولة فيها شيء من المبالغة، الناس تتحدث عن البطالة، أيضاً في ظل وجود دين عام كبير يشكل عائقاً أمام مسيرة الاقتصاد، كيف يمكن الحد أو التخفيف من وطأة تراكم هذه المشاكل؟
د. العريعر: الميزانية هي إحدى الأدوات التي تستخدمها الدولة لتحريك الاقتصاد وهناك السياسة المحلية والانفاق التي هي الميزانية وهناك السياسة النقدية التي هي مؤسسة النقد وتهتم بزيادة الائتمان وتسهيل الموارد المالية للبنوك وتسهيل الحصول على الموارد.. والميزانية لهذا العام هي بدون شك ميزانية توسعية، لأن الدولة لاتزال تنفق أكثر مما هو متوقع من ايرادات نرجو ان يواكبها سياسة نقدية تسهل نتائج هذه السياسة والسياسة المالية والنقدية التي هي من الأدوات التي تحرك من خلالها الدولة الاقتصاد ويجب ان تتناغم هذه السياسة المالية والنقدية بحيث تؤتي ثمارها في التخفيف من البطالة، لأنه إذا نما الاقتصاد تقل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الاجمالي ويبدأ في الانخفاض وهذا بطبيعة الحال يمكِّن الاقتصاد من النمو أكثر، وبالتأكيد لدينا عائق كبير الذي هو حجم الدين العام الذي يوازي 90 أو 92% من الناتج الاجمالي، ونحن لا نريد اختراع العجلة كما يقولون وإنما ننظر إلى ما يطبق في الدول الأخرى، هناك اتفاقية «ماسترخت» هذه الاتفاقية وقعتها دول الاتحاد الأوروبي بحيث ان اقتصاديات هذه الدول متناغمة ولا يكون هناك دين أو عجز. وبالتالي حددوا نسباً عالمية.. وانه لا يجب ان تزيد نسبة الدين العام في أي دولة من دول الاتحاد على 60% وهذا لم يأت عبثاً لأنه جاء عن دراسات لأن الدين إذا كان في حدود 60% أو أقل يستطيع أي اقتصاد ان يتحملها وينمو في ظلها ولكن إذا زادت عن 60% فيجب ان نقرع الأجراس وان نطالب بخفضها ولو حتى بالشد على الأحزمة من الميزانية وعدم الصرف أكثر من الايراد، والدولة مطالبة ان تحاول في سنة أو سنتين.. بل عليها وضع برنامج بحيث ينخفض الدين العام إلى المستويات المقبولة عالميا، لأنه إذا نما الاقتصاد وانحلت المشكلة، وهذا بيد الدولة في سعيها إن شاء الله ولكن علينا ان ندفعها لتعمل اكثر ضمن إطار برنامج لتخفيض هذه النسبة إلى 60% بدلاً من 90% حاليا.
د. محمد الهذلول: كما تعلمون جميعكم فيما يتعلق بمسألة الدين ان الأمر امر إدارة والدين يحتاج إلى إدارة كما يحتاج أي شيء آخر، وانا اود ان نأخذ الموضوع وننظر إليه بقليل من الحذر لسبب بسيط، في الدول التي تحدث عنها الدكتور عبدالعزيز التي من المفروض ان ينزل الدين لديها إلى 60% من الناتج القومي، هذه الدول تمول الانفاق الحكومي عن طريق الضرائب على المداخيل، في حالتنا التمويل لا يتم عن طريق الضرائب.. وليس هناك ضرائب على الدخول.. وهذا يمثل ارتهاناً لموارد نفطية مستقبلية كأننا نرهن براميل نفط اليوم لنقترض ونسدد من ايراد النفط في المستقبل، فالأمر سيعتمد على سعر البرميل وقت السداد وهذا يجعل الأمور بالنسبة لنا ليست بدرجة من الوضوح.. وهل سيصل إلى 60% أو ربما يتطلب أكثر، حتى نسبة 60% يجب الا نصل إليها والمسألة مسألة تعاقب الأجيال.. بمعنى ان الأجيال القادمة ستدفع ضرائب لتسديد الديون الحالية.. الأمر عندنا ليس بهذه الطريقة، نحن نرتهن الآن بأسعار النفط المستقبلية.. ونبيعها لكي نسدد الدين. فإذا جئنا وحسبنا ما هي النسبة المثلى؟ هذا ما سيحكم الأمر.. أيضاً القضية الأخرى فيما يتعلق بإدارة الدين ان نزيد الناتج ونخفض الدين.. فإدارة الدين وإدارة الميزانية لها دور في تخفيض أثر الدين نفسه، ودعونا نكون واقعيين.. الحكومات لا يمكن ان تطفئ الديون والحكومات كلها تستدين لكن المسألة مسألة النسبة، وهل هذا الدين ممول بموارد وكما في المملكة مورد وحيد، أو ان يمول بضرائب كما في الدول الأخرى، فالتجارب التي من الدول الأخرى قرأت انه لا يجب ان يتجاوز الدين نسبة الـ60%.
د. فهد السلطان: أنا أرى انكم تتحدثون عن أكبر هم وطني في زعمي المتواضع لأننا إذا لم نحسن الأداء في هذا الجانب وهو الذي تفضل بطرحه الأستاذ محمد وهو في اعتقادي اننا وصلنا خلال هذا المحور إلى النقطة الرئيسية في الندوة كلها فإذا ما احسنا ووفقنا في اننا نحسن الأداء في هذا الجانب انحلت كل المشاكل.. واننا نحل مشكلة البطالة والدين وربما الجريمة وحتى التعليم والصحة والقطاعات كافة.. هذا الأمر في تقديري هو الهم الأول وطنياً ولذلك اقول نحن دائماً لدينا مشكلة في التحرك من ماذا إلى كيف وهذه مشكلتنا الواقعية، تعرف المشكلة لكن كيف نحلها نتوقف ولا نسارع في حلها إلى ان تستفحل.. نحن الآن لدينا معضلات وهي ليست غريبة في التاريخ.. وهي في كل دول العالم.. بل الحمد لله لو راجعنا وضعنا الآن في ظل الاقتصاديات العالمية الأخرى سنجد اننا أفضل من كثير من دول العالم وهذه حقيقة والحمد لله لدينا انسجام بين القيادة والجهاز التنفيذي لا تجده في كثير من دول العالم، نجد ايضا انسجاماً وطنيا ًمتلاحماً.. أريد ان اقول ان مرتكزاتنا قوية جدا وليست مجالا للنقاش.. ولكننا دائما نحاول تصحيح الجزئيات ولا نأتي إلى الجوهر نحاول الترقيع ولا نأتي إلى الأصل ولذلك تستفحل لدينا المشكلة، وكما قال الدكتور عبدالعزيز هناك بالفعل مقياس عالمي ألا تزيد الديون على نسبة معينة اكثرها حدده بـ60% وهناك دول متحضرة تقول ألا يزيد على 45% بينما نحن وصل حجم الدين لدينا هذه الدرجة العالية، إذن ما هو السبب؟ في تقديري يعود إلى اننا نستسهل بعض المستصغرات.. والنار كما يقال.. من مستصغر الشرر ولذلك أقول مرة أخرى اننا يجب ان نضع علامة استفهام حول آلية ومفهوم إدارتنا لهذا الجانب على سبيل المثال الحلول المطروحة في كثير من الجهات التنفيذية لدينا هي البحث عن مصادر دخل جديدة، وكأن محور الدخل يقوم على الاقتصاد والمالية، أنا أرى ان الاقتصاد يقوم على محورين: الدخل والانفاق، وقبل ان نبحث عن مصادر دخل كرسوم طرق أو أي رسوم أخرى وهذه ممكن بحثها لكن يجب ان نبحث في المحور الأول آلية الانفاق، وكيف ننفق هذا المال الذي حبانا اياه الله؟ نحن لدينا ثروة مباركة وخيّرة جاءتنا من الخالق جل شأنه وبإدارة حكيمة من قيادتنا ابقت عليها ولم تفرط فيها كل هذه السنين، إذن السؤال هو كيف ندير نحن المسؤولين التنفيذيين في أجهزة الدولة، وكيف ننفذ هذه الميزانية؟ في اعتقادي انه إذا ما احسنت إدارة الانفاق العام فسوف نستطيع ان نغطي على ديوننا ونحد من البطالة ومن معظم المشاكل التي تفضلت بطرحها في سؤالك أخ محمد، نريد ان نتأكد من الأموال التي تصرف عن طريق الجهات التنفيذية ان تكون صرفت في محلها هذا أولا وثانيا ان يكون الصرف موجه نحو الإنتاج في الغالب بمعنى ان نركز على الانفاق الاستثماري الرأسمالي وطبعا هناك انفاق استهلاكي وهذا لا نستطيع ان ننفك منه، ثالثا: اننا نريد ان نؤكد على قضية اعادة هيكلة الجهاز الإداري لكي لا تخرج أموالنا، ونحن الآن نعاني بشكل يومي ومستمر من خروج الاستثمارات خارج المملكة لسبب بسيط جدا ان عندنا بعض الإجراءات التنفيذية تعيق المستثمر المحلي من الاستثمارات في الوطن، رابعا: لدينا عدم تركيز على كفاءة الأداء الإداري، ولذلك لا نُعنى كثيرا بفعالية أدائنا، واعتقد ان كثيراً من المشاريع نستطيع كمسؤولين تنفيذيين وانا هنا اتحدث بوضوح عن الإدارة التنفيذية وإذا ما أدرناها بأقل بكثير من تكلفة الأداء الذي نقوم به الآن، واعتقد اننا بحاجة إلى إعادة هيكلة إدارة المال المخصص وحتى لو كنا على نهر جارٍ ونحن لا نديره بشكل منهجي فلن يغطي احتياجاتنا الحالية.
ولذلك قبل ان نبحث عن مداخيل جديدة يجب ان نُحسْن إدارة الأداء الحالي للانفاق العام.
د. محمد الهذلول: انا اتفق مع الدكتور في كل ما قال لتطوير الاقتصاد وتفعيل الأنظمة لجذب الاستثمار لأن لدينا الكثير من الأموال التي تذهب للخارج والقطاع الخاص لديه مبالغ كبيرة في الخارج لو عاد جزء منها وتحسنت البيئة الاستثمارية في المملكة لأمكن زيادة معدلات النمو لأعلى مما هي عليه الآن.
المحرر: عفواً دكتور.. أيضاً تحويلات العمالة الوافدة وهي تشكل مبالغ ضخمة ولو أعدت دراسة للاستفادة منها داخليا بفتح مجالات الاستثمار لهم لربما ساعدت على النمو أيضاً ولكانت روافد اقتصادية كبيرة؟
د. محمد: نظام استثمار رأس المال الأجنبي اعتقد انه اعطى فرصة للمقيمين باستثمار اموالهم سواء في صناديق أو في العقار أو في مجالات اخرى بتنظيم معين ونرجو ان تزيد الفرص امامهم وإزالة العقبات، وموضوع النمو ايضا يجرنا إلى موضوع الخصخصة ويجب الاسراع في عملية التخصيص حتى نضرب عصفورين بحجر.. أولا يجب ان توجه موارد التخصيص لإطفاء الدين العام الذي سيزيد من الموارد أمام القطاع الخاص وسيزيد من النمو وبالتالي ستنخفض نسبة الدين العام مع زيادة النمو وزيادة الناتج المحلي الاجمالي، فالتخصيص مهم جدا لذاته ومهم ايضا لآثاره الايجابية على الاقتصاد وعلى الدين العام.
د. فهد السلطان: عفواً.. لدي إضافة على ما تفضل به الدكتور.. ولعله يرى نفس الرؤيا فيما يتعلق بالاستثمارات وجذبها وأهميتها للوطن.. نحن أكبر دولة عربية مضيفة للاستثمارات البينية العربية.
المحرر: بمعنى؟
د. السلطان: بمعنى ان 26% من الاستثمارات العربية البينية تخرج من دولة إلى أخرى تستضيفها المملكة في عام 2001م كان لدينا ملياران وستمائة وثمانية وثمانون مليون ريال استثمرت في المملكة من الدول العربية لكن في المقابل.. وهذا ما أردت التحدث عنه صدرنا إلى الدول العربية ثلاثة مليارات وستمائة مليون ريال سعودي، بمعنى اننا صدرنا اكثر من 30% من مجموع الاستثمارات البينية في الدول العربية، وهذا يقودني إلى شيء مهم وهو اننا نصدر استثمار اكثر مما نستورد في الوقت الذي لدينا من مغريات الاستثمار ما لا يوجد في أي دولة عربية بسبب عوامل يعرفها الكل وهي عوامل رخص الطاقة وقوة السوق والموقع الجغرافي ووجود البنية الأساسية من مواصلات وطرق واتصالات وأهمية المملكة كأم لدول الخليج العربية وموقع المملكة كدولة أساسية في العالم الإسلامي وموقعها كدولة أساسية في الشرق الأوسط وثبات عملتها إضافة إلى النظام المصرفي الذي يعتبر من أفضل النظم المصرفية العالمية وأيضاً لدينا بنكان من أكبر مائتي بنك بالعالم، وعندنا أكبر مدينتين صناعيتين بالشرق الأوسط ومن أكبر اربعين مدينة صناعية في العالم، ولدينا ايضا 1999 فرعاً بنكياً.. اقصد من كل هذا ان اقول ان البنية التحتية في المملكة غير متوافرة ولا في دولة من دول الشرق الأوسط، ومع هذا تصدر استثماراتنا للخارج لماذا؟ لأننا نحن كبيروقراطيين وموظفين إداريين لم نكن مؤهلين للابقاء على مستثمرين وجذب مستثمرين آخرين وهذا شيء محسوب علينا.. الدولة بنت شيئا عظيماً للأمانة التاريخية لكن المنهج الإداري الذي تقوم به هو العائق، شيء مزعج ان نرى ذهاب المستثمرين بشكل يومي وهم يتوجهون باستثماراتهم للخارج لماذا ونحن أفضل دولة في العالم؟! ولعلي أعود واكرر اننا مازلنا نتطلب إعادة هيكلة الإدارة بمفهومها وليس اعادة هيكلة الأجهزة.. وبحاجة لإعادة هيكلة المنهج وإعادة هندسة النظم الإدارية بما ينسجم وما وضعته الدولة من بنية تحتية أساسية قوية وما ينسجم ايضا ومعطيات العصر الحديث إذا استطعنا ان نحقق هذا فأنا أجزم ان المشاكل الذي ذكرتها في سؤالك مثل الدين والبطالة وغيرها ستزول ولكننا بحاجة إلى وقفة في هذا الجانب.
د. محمد الهذلول: نحن لسنا مسوقين جيدين وايضا ما يشكله الجهاز البيروقراطي من معوقات.
د. عبدالعزيز العريعر: قبل ان ندعو الناس للمشاركة في المعارض التجارية وبحث فرص الاستثمار علينا ان نزيل العوائق التي لدينا ومن ثم نستطيع ان ندعو الناس وعلينا ان نعترف بوجودها.
المحرر: رغم كل ما ذكرنا في سياق هذه الندوة عن الاقتصاد السعودي، إلا انه مازال اقتصاداً ريعياً برغم اسهامات القطاع الخاص في اجمالي الناتج العام الذي ذكرتم انه بلغ 40% أو اكثر، كيف لنا ان نحدث نقلة نوعية في هيكلة الاقتصاد الوطني وجعله اقتصاداً انتاجياً؟
د. الهذلول: أعتقد ان الجهاز الإداري ككل اصبح اكثر بيروقراطية حتى القطاع الخاص به نوع من البيروقراطية وعلى فكرة حتى البيروقراطية لها جوانب ايجابية ايضا.. ومع الأسف ان الذهنية الريعية ماتزال متجذرة لدينا.. هنا نحن نحتاج ان نثقف انفسنا ونؤطرها، وهذا يعود إلى الحكومة ان تفكر بالعمل بنظام الحوافز ويجب ان تحفز الناس وتركز على نظام الحوافز ولا تكون هي متدخلة في كل كبيرة وصغيرة.. وننتظر ان يأتي كل من الحكومة..
المحرر: نحن بحاجة إلى وجود خطة وطنية للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الانتاجي، أريد إضافات على هذه الجزئية؟
د. عبدالعزيز: الاقتصاد الريعي جيد إذا استثمر هذا الريع في عمليات إنتاجية وهذا ما تقوم به المملكة.. ونحن لا يجب ان نركز على السلبيات فقط.. أيضاً في المقابل لدينا ايجابيات كثيرة جدا. نحن قبل ثلاثين سنة لم يكن لدينا شبكة طرق ولا اتصالات وأيضا لم يكن لدينا موانئ كافية ونحن نذكر انه في بداية الطفرة كانت السفن تنتظر لستة أشهر حتى تستطيع افراغ حمولتها.. وهذا كان عاملاً رئيسياً لزيادة اسعار الواردات ويخفض من قيمة الصادرات.. الآن أصبح عندنا قاعدة صناعية منتجة صحيح انها لا تلبي كل طموحاتنا.. لكن نموها ممتاز وإن شاء الله في المستقبل ومع وجود استثمارات إنتاجية والتركيز على الانفاق في المجالات الانتاجية اكثر من المجالات البيروقراطية والاستهلاكية سيزيد من الاعتماد على الإنتاج الذاتي ويقلل الاعتماد على الربع وتصبح النسبة تنافسية، ولو نظرنا إلى الصناعة نجد ان مصانع سابك ليس لها مثيل في الشرق الأوسط، كذلك بنوكنا حصلت على تصنيفات عالمية وربما هي البنوك الوحيدة في العالم التي لديها معيار الملاءة المالية بنسبة أعلى من 13% التي حددتها لجنة بازل، ومن دون ذكر اسم أي بنك فإن بعض البنوك لدينا نسبة الملاءة المالية لديها في حدود 20% كل هذه ايجابيات وانجازات نفخر بها ولكن طموحنا ان يتحسن الوضع ليدفعنا إلى ما نريد.. لأننا نريد نمواً أسرع وأكثر.. ولكن الحقيقة يجب ألا نغفل هذه الايجابيات بل يجب ان نبني عليها والحمد لله المملكة لديها الآن بنية تحتية ممتازة ويجب ان نبني عليها لأنه لا يمكن ان تنتج من دون وجود طرق او اتصالات راقية ولا موانئ مجهزة ولا خدمات نقل متطورة كل هذه موجودة ولله الحمد.
د. الهذلول: القضية ليست ان الريع كان سيئاً أو سيكون سيئاً.. ولكن الموضوع مسألة تحقيق الأهداف الأمر لدينا متعلق بمسألة الاحجام فأنت تفكر في إنشاء مؤسسة كبيرة ولكن لا تفكر في نوع الخدمات التي ستقدم، فما نحتاج ان نعيد التفكير فيه دائما هو مستوى الخدمات التي نقدمها.
المحرر: تحدثنا عن الكثير من الجوانب المتعلقة بالاقتصاد الوطني، الآن سنتحدث عن عملية التخصيص واسهامه في دفع عجلة الاقتصاد وفي اطفاء الدين العام، كيف ترون الآلية المثلى للتخصيص وكيف نرى مسيرته.. وما هي ملاحظاتنا على التخصيص؟
د. العريعر: أهل القطاع الخاص يودون تخصيص كل شيء.. وأرى ان نبتدئ التخصيص بالمشاريع الناجحة والممتازة حتى يرغّب الناس في العملية والدولة قامت بتخصيص الاتصالات لأنها من أنجح الشركات واسهمت إسهاماً كبيراً في تطوير سوق الاسهم والنمو الذي حصل في السوق والتداول العالي نحن نؤمن ان التخصيص مهم والدولة لا تريد ان تتسرع في العملية لأن الخطأ إذا وقع لا سمح الله قد يكون مدمراً للعملية كلها ولهذا أرى ان يبدأ بالمشاريع الممتازة، وأيضاً حتى المشاريع غير الناجحة لأنه ربما يكون ناجحاً عند التخصيص بحسن الإدارة والتقنية الحديثة.. ولكن يجب ان تبدأ الدولة وتنجّح مفهوم التخصيص لتوجد له قبولاً لدى الناس.. والموضوع يجب ان يعالج بعناية كما ان ايرادات التخصيص لا يجب ان تذهب إلى الاستهلاك وهذا ما نخشاه فإذا كانت هذه المبالغ ستذهب إلى رواتب وغيرها من المصروفات ففي هذه الحالة لا اشجع على التخصيص أما إذا كانت الايرادات ستذهب إلى اطفاء الدين العام أو إلى إنشاء مشاريع كما حصل في سابك من قيام مشاريع ضخمة وتتطلب رأس مال كبير ويحجم عنها القطاع الخاص ثم بعد ان تنجح تتحول إلى القطاع الخاص وتستثمر الدولة الريع الذي ستحصل عليه في مجالات أخرى إذا كان هذا الهدف فأنا مع التخصيص أما إذا كان الهدف استعمال المبالغ المتحصلة للاستهلاك فهذا ليس مفهوم التخصيص الذي يجب ان نحرص عليه وليس في صالح الاقتصاد.
د. فهد السلطان: انا اتفق مع كثير مع الطرح المنطقي الذي طرحه الدكتور عبدالعزيز وان كنت اختلف معه في جزئية واحدة هي قضية تخصيص الاتصالات وسأتحدث عنها لاحقا ولكن أنا اعتقد ان التخصيص كل لا يتجزأ اما ان نأخذ التخصيص بمفهومه المهني والعلمي او نتركه، بمعنى اذا كان التخصيص سوف ينقلنا من إدارة بيروقراطية حكومية إلى احتكار قطاع خاص فأنا اعتقد انه غير موفق ولا اتفق معه. التخصيص هو اساساً ينطلق من مبدأ آلية السوق، أما لو خصصت قطاع الاتصالات أو قطاع الطيران المدني أو النقل البري أو الجوي وتركته لشركة واحدة تعمل احتكار في السوق اعتقد ان هذا يتناقض مع مبدأ التخصيص وهو مبدأ المنافسة للوصول إلى الكفاءة الإنتاجية التي تعود على الاقتصاد العام بشكل جيد ولذلك التخصيص له اسس مهنية ولا يحتاج ان نبدأ باختراع العجلة، دعنا ننظر إلى تجارب الآخرين التي بدأت من الثمانينيات فترة مارغريت تاتشر إلى فنزويلا الآن، والحمد لله نحن نسير في هذا النهج.. لكن يجب ان يقوم التخصيص على مبدأ المنافسة فعندما تطرح مشروع للتخصيص تطرحه بآلية السوق ثانيا ان يؤخذ بمعايير التخصيص المهنية كأن يكون المشروع ذا طابع تجاري أو ان لم يكن كذلك فهو يخصص بأحد الأساليب المعترف بها، وما أريد الوصول إليه ان التخصيص يجب ان ينسجم مع معطيات العصر الحديث وثانيا يجب ان نسارع في تخصيص كل مشروع ذي طابع تجاري وان تبقي الدولة على القطاعات الأساسية لكن ان تخضع لضوابط التخصيص وفي مقدمتها ضابط المنافسة وآلية السوق أو ما يسميها آدم سميث (The Invis:ble Hard) اليد الخفية التي تحرك السوق ونبقى نحن في إدارتنا التخطيطية في التخطيط التأشيري للتخطيط التوجيهي، نعطي التوجهات العامة الرئيسية ان نركز على التصدير ونركز على التجارة الخارجية ونركز على جذب الاستثمار ونترك لآلية القطاع الخاص ان يديرها والسوق بآليته وبالتأكيد هناك ضوابط عامة تضعها الدول تمنع الضرر البيئي وتمنع الضرر على الفقراء وتمنع الضرر على المحتاجين والضرر الصحي، وهذه الأمور موجودة أما اعتراضي على التخصيص يأتي في اننا عندما نخصص مشروعاً، إما نخصصه تحت ضوابط التخصيص ومفاهيمه او ندعه بيد الحكومة وأنا ميال لأن يبقى بيد الدولة أو القطاع العام كل مشروع إذا اريد له ان يخصص ويعطى للقطاع الخاص بشكل أحادي وليس تنافسي انا اعتقد ان بقاءه في هذه الحالة بيد الدولة أفضل.
د. العريعر: انا اتفق تماما مع الدكتور ولكني اود ان اذكره بأنه ليس هناك مجال للخوف من ال«Mono Poly» أو الاحتكار لأن الدولة معتمدة الاقتصاد الحر والتنافس مفتوح وهناك نظام للمنافسة ومكافحة الاحتكار سوف يصدر قريبا وهذا سوف يصدر قريبا ليضع ضوابط للمنافسة وفتح المجال أمام الجميع، حتى في الاتصالات هناك في 2004م سوف يفتح المجال لشركات أخرى وانا أرى ان التخصيص ليس مجرد نقل ملكية وهو يعني في واقعه جذب تقنيات وجذب إدارة تحسين الإنتاج وتخصيص الكلفة كل هذه فوائد للتخصيص عدا عن الايراد الذي تحصل عليه الدولة، كما سيستطيع القطاع الخاص اثبات نفسه وقدرته في ظل المنافسة فموضوع الاحتكار غير وارد، وانا اتفق مع من يقول ان التخصيص من دون منافسة لن ينجح ولن يؤتي الفائدة المرجوة منه، لأن المنافسة تجعل الجميع يبحث عن السعر والجودة والتقنية الحديثة والإدارة الحديثة علاوة على الفوائد التي تأتي نتيجة المنافسة الحرة وهذه من فوائد الاقتصاد الحر المفتوح الذي يعتمد على آلية السوق.
المحرر: هناك من يطالب بإنشاء هيئة مستقلة للتخصيص كما في الوقت نفسه هناك من يطالب بإيجاد هيئة مستقلة للصادرات وهناك من يرى بأن يعنى كل قطاع بأمور التخصيص ذاتيا تلافيا للبيروقراطية، والذين يطالبون بإنشاء هذه الهيئة أو المؤسسة يشيرون إلى كثير من الدول التي سبقتنا في هذا التوجه؟
د. محمد الهذلول: أنا لا اعتقد ان هناك ضرورة ان تنشأ وزارة للتخصيص واعتقد ان هناك لجنة للتخصيص ضمن المجلس الاقتصادي الأعلى على ما اعتقد.
د. العريعر: اعتقد ان هيئة الاستثمار هي الجهة التي يمكن ان تقوم بهذا الدور لأنها هي التي تعمل على جذب الاستثمارات من الخارج الآن نروج للمشاريع التي ستخصص.
د. فهد السلطان: بالإضافة لما تفضل به الأساتذة انا اعتقد ان المجلس الاقتصادي الأعلى كما أشار الدكتور محمد الهذلول يقوم بدور جيد لكنه تخطيطي وليس جهاز متابعة وقياس وتقييم للتجربة ويقيم ما إذا كان تخصيص ذلك المشروع ناجحا أو فاشلا، نريد جهازا أو هيئة أو وزارة أو أي كينونة لكي تطمئننا على ما يجري في هذا التوجه.
نحن نمثل ثلث قارة أوروبا حجما ونسيطر على 26 أو 30% من اقتصاد العالم، اقتصادنا قوي جدا ومسألة ان نوجد كينونة لمتابعة ما يجري في منهج وبرنامج التخصيص وان كان هذا سيشكل إضافة بيروقراطية إلا اننا نحتاج إليها، ونحن جربنا التخصيص فيما سبق فهل وقفنا وقفة فعلية تقييمية على الايجابيات والسلبيات للبرامج التي خصصت؟ أنا أريد ان أعرف أين اقف في هذه المسألة، ولهذا اطالب بجهاز يقيّم هذه التجربة وينصح المجلس الاقتصادي الأعلى فيما إذا كان من المجدي الاستمرار أو الحد أو ان يبطئ من السرعة، لأن هذا الجهاز سينفذ التوجهات ويتابعها ويقدم المعلومة للمخططين، فلذلك انا مع وجود جهاز أو هيئة مستقلة للتخصيص.
المحرر: بعد ان استعرضنا بهذا التوسع آلية وفعالية الاقتصاد السعودي في ظل مفهوم الميزانية الآن لو اردنا ان ندخل في جزئية بعض التفاصيل المتعلقة بميزانية 2004م، ما هي توقعاتنا لمستوى النمو الاقتصادي في ظل الاعتمادات التي خصصت لبعض القطاعات التنموية الأساسية مثل المشاريع الاستثمارية، التعليم، الطرق، الخدمات الأخرى، فهل هذه الاعتمادات مبشرة بأنه هناك انفراجات ستتحقق في هذه القطاعات؟
د. محمد الهذلول: الذي يفيدنا دائماً في وضع مثل وضع المملكة ان نأخذ في الحسبان الهيكل السكاني، ولأن الهيكل السكاني بوضعه الحالي يتطلب ان تمده الحكومة بجميع الخدمات.. لأنه يحتاج الى خدمات ومرافق صحية وتعليمية وغيرها من الخدمات العامة، واستطيع ان اقول ان ميزانية هذه السنة طيبة ودائما الميزانيات تحرص على توفير هذه الخدمات للوطن وللمواطنين وحتى هناك فقرة أساسية من نظام الحكم ان على الدولة ان تؤمن للمواطنين التعليم والصحة فهذه الأشياء من مسؤولية الدولة المباشرة، بقي مسألة التمويل وكيف نحل مشكلة تمويل إنشاء المدارس والمستشفيات والمستوصفات المتسأجرة وبنائها وفق المواصفات المعتمدة لمثل هذه المنشآت، هذا يتطلب اعادة التفكير في البرامج ولنقل على سبيل المثال برنامج بناء الخدمات هنا يجب ان ننشئ له برنامج تمويلي ونضع له خطة لعشرين أو ثلاثين سنة، فكون الميزانية لهذه السنة جاءت جيدة بقي علينا ان ننظر لما سيحدث في ميزانية العام القادم، والمفروض ان نركز دائماً على قضية التطورات الاقتصادية التي تحدث نتيجة لارتفاع او انخفاض اسعار النفط وبالتالي تحدث زيادة أو انخفاض في الايرادات، نحن نحتاج ان نتعامل مع هذه القضايا بشكل مستقر يراعي مسألة النمو السكاني.
د. عبدالعزيز: ميزانية هذا العام اتت توسعية وأي محلل للميزانية ينظر لها هل هي ميزانية توسعية أم انكماشية؟ ولماذا تنفق الدولة اكثر من الدخل للاستمرار في تطوير الاقتصاد وانا اعتقد انه حتى الاستثمار الاستهلاكي جزء منه سيتجه للاستثمار، حتى راتب الموظف سوف يخرج جزء منه للاستثمار بمعنى ان أي انفاق له مردود اقتصادي واعتقد ان الميزانية بهذا الحجم الضخم التي أسأل الله ان يكون صرفها فيما يوافق تطلعات المواطنين يواكبها صرف مرشّد وموجه للعوامل الانتاجية، كما ان الميزانية اهتمت بالمشاريع حيث تم تخصيص اكثر من 41 مليون ريال لها وهذه كلها تراكمات تصب في صالح الاقتصاد، والمملكة لها مورد ثابت يضيف كل سنة إلى شريان الاقتصاد، ولو نظرنا إلى دولة مثل اليابان تستورد جميع احتياجاتها من المواد الخام فلو صدّرت بما يعادل 100 بليون هي في الواقع لم تحصل إلا على 20 بليونا، لأنها اشترت واستوردت مواد بحدود 60 أو 80 بليونا، لكن في وضع المملكة فلله الحمد كل سنة يرد إليها مورد ثابت من دون تكلفة على اقتصادها، بل يضيف إلى العوامل الإنتاجية وإذا أحسن استغلاله انا متأكد إن شاء الله ان النمو سيستمر ويزيد والدولة اوضحت برنامجها في الاستمرار في تقديم الخدمات وزيادتها وزيادة البنية التحتية وتطويرها والكثير من الأنظمة التي ستساعد على استمرار النمو الاقتصادي.. لكن المهم حسن إدارة هذه الموارد وتنفيذها لانفاقها على الوجه الأكمل لتعم الفائدة منها وتتراكم فوائدها.
د. فهد السلطان: أقول ان التخصيص أمر جيد بوجه عام، ولكن هناك فرق بين التخصيص وبين الإدارة، نحن بحاجة إلى تحسين مستوى أداء الجهاز التنفيذي قبل أي شيء آخر، وما خصص في ميزانية هذا العام شيء جيد ومقبول إلى درجة كبيرة ونحن بحاجة إلى ايجاد توازن بين قطاعات التنمية مثل الصحة والتعليم والقوى العاملة وفتح جامعات جديدة والذي ينظر إلى مخصصات الميزانية العامة يرى انها خصصت بشكل جيد وخاصة القطاعات الإنتاجية، وفي تقديري الشخصي المتواضع ان هذا التخصيص جميل جدا.. لكن..!! هناك فرق كبير بين هذا التخصيص وبين إدارة هذه المخصصات.. ولهذا اكرر القول بأننا بحاجة إلى إدارة تنفيذية فاعلة تعكس هذه المخصصات وتجعلها منفذة تنفيذاً فاعلاً ليحقق التوجهات العامة.
د. عبدالعزيز العريعر: الحقيقة لدي إضافة بسيطة حول ميزانية هذا العام وهي المحاور الرئيسية التي ركزت عليها.
المحرر: ما هي هذه المحاور؟
د. العريعر: هي ثلاثة محاور: التعليم، الصحة، والخدمات البلدية.
طبعا التعليم يعتبر استثماراً في القوى البشرية الصحة وهي تعنى بصحة الإنسان ولا يستطيع ان يعمل الإنسان وينتج وصحته غير سليمة والأمر الثالث البلديات وهي التي تعنى بالخدمات الأساسية، واعتبر هذه التوجهات في الميزانية الجديدة التي نرجو إن شاء الله استثمارها بالاسلوب الحسن سوف يحقق الهدف المرجو منها وهذا ما تحتاجه البلاد.
المحرر: أخيراً.. كيف ترى المستقبل بالنسبة لاقتصادنا؟
د. فهد السلطان: بوجه عام الاقتصاد العالمي يواجه تحديات، ومع هذا اقتصادنا ليس بتلك الدرجة من السوء التي تعانيها الكثير من اقتصاديات العالم.. وهو اقتصاد واعد لعدة أسباب ذكرنا مجملها في سياق هذه الندوة، وبقي شيء مهم لكي نستطيع ان نواجه كثيراً من التحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي وهو ان يكون تركيزنا المستقبلي على التجارة الخارجية وتعزيز الصادرات والعمل على جلب الاستثمارات وجلب الأموال المهاجرة، وأخيراً العمل على تركيز وتأكيد الاستثمارات المحلية وعدم هجرتها، في تقديري اننا إذا ما ركزنا على هذه النقاط فإننا سنعيش بإذن الله اقتصاداً قوياً وواعداً، وإذا تم التركيز على هذه النقاط في خطتنا الخمسية القادمة فأعتقد انها بإذن الله سوف تساعدنا على تجاوز كثير من المشاكل ونحن لم نركز على هذه النقاط فيما سبق، وهنا اتساءل ما الذي اعطيناه لصادراتنا يا اخوان؟ هناك الكثير من الدول لديها هيئات تهتم بقضايا الصادرات وتطويرها.
د. العريعر: بودي أضيف شيئا بسيطاً.. أنا انظر للموضوع نظرة شمولية أكثر.. وان دخول المملكة إلى منظمة التجارة العالمية العام القادم 2004م سيفتح أمامها مجال أوسع للمشاركة الدولية، والحمد لله اقتصادنا يؤهلنا لذلك.. واعتقد ان أسعار البترول ستظل متماسكة لأننا شاهدنا خلال السنتين الماضيتين تماسكاً كبيراً لأسعار البترول بالرغم من انهيار البورصة العالمية، وتدني معدلات النمو الاقتصادي، فإذا تحسنت معدلات النمو خلال السنة القادمة وهذا ما يراه الاقتصاديون سيفتح مجالا أوسع للمملكة، وأيضاً الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون والاتفاقية الاقتصادية الموحدة وأيضاً منطقة التجارة الحرة العربية.
د. محمد الهذلول: أريد أن أضيف حول المحاور الرئيسية الثلاثة التي ركزت عليها الميزانية التي هي الصحة والتعليم والبلديات ويجب ان نهتم بالتعليم والبلديات أرى اننا يجب ان نهتم بالتعليم لأنه هو الاستثمار البشري، كما يجب ان نركز على نوعية الخريجين.
|