Sunday 21st december,2003 11406العدد الأحد 27 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
تشريع الإرهاب!!
د. عبدالله بن ناصر الحمود (*)

هل يمكن أن يكون ثمة أسباب لوقوع الأعمال الارهابية في المجتمع السعودي؟ عندما يطرح بعض الناس مثل هذا التساؤل تبدو عليهم علامات الرغبة في التعرف على الأسباب لتحقيق أغراض كثيرة ومتعددة، أصْلَحُها السعي للتعامل مع الأسباب وقطع دابرها لئلا تتكرر دائرة «السبب والمسبب والحدث» فينتج بذلك ارهاب جديد وهكذا، دواليك.. لكن، ربما يغفل معظم من يطرحون مثل هذا التساؤل عن أنه من غير الملائم طرح أسئلة «بريئة» «أو غير ذلك» تحاول تسبيب الأعمال الاجرامية، وتبرير العنف والغلو والتطرف للأفراد والجماعات التي تقوم بها. انني اعتقد أن محاولة البحث عن سبب مباشر يؤدي إلى وقوع العمل الإجرامي ويشيع الإرهاب والتطرف في المجتمع هو ضرب من ضروب تشريع تلك الأعمال الاجرامية وتقنينها. وكأن القائل بوجود السبب المباشر يقدم تأشيرة مرور للارهابي للقيام بعمل مشين. فمهما اتفق الناس او اختلفوا حول مركبات وعناصر المجتمع الذي يعيشون فيه، فلن يكون مقبولا أن يتاح لمن اختلف مع شيء من هذه المركبات والعناصر ان يتأبط شراً وأن يسعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل. ان العمل الارهابي جريمة منكرة، والجريمة لا تسبّب ولا تشرّع. فمهما كان لدى القاتل من سبب لارتكاب جريمة القتل، فلن تعفيه تلك الأسباب - وإن ملأت السماوات والأرضين - من أن يكون قاتلا مجرما. ولعل في ثقافة «المسببات» تلك مغالطة ظاهرة تتركز في وضع الوطن في كفة والمصالح المتوهمة والرغبات الفردية او الفئوية في الكفة الأخرى، ففي حين لا تتحقق تلك المصالح والرغبات فليذهب الوطن الى الهاوية!!
وهذا توجه خطير وأنانية مقيتة، ومقابلة بين غير متكافئتين. فالوطن له قدسيته، وله حرمته، وله في أعناق أبنائه أمانة وبيعة لا تزول الى يوم القيامة. والعبث أو محاولة العبث بتلك الحرمات مدعاة إلى مهالك لا تحمد، ولذا لم يسغ مطلقا تشييع ثقافة التشريع لأعمال العنف والجريمة الكبرى.
قد يكون منح الأعمال الارهابية الاجرامية مسببات معينة تبرر قيام القتلة والمجرمين بها، جزءا ماكراً، ومركباً مختفيا من مركبات ثقافة الاختراق، التي تسعد بوجود من يتبنون تلك الثقافة ويتغنون بها دون وعي أحيانا ودون اكتراث احيانا اخرى، وببراءة في بعض الاحيان. ولذا فمن المهم ان تتوجه كل دوائر المجتمع الرسمية والشعبية، وكذا الأفراد الى تجريم كل عمل ارهابي، وكل مظهر من مظاهر العنف والتطرف والغلو، تجريما مطلقا، ورفضه رفضا قاطعا، صريحا، بشكل لا توظف بعده عبارات الاستثناء، ولا تقبل اثره التنازلات في مصلحة الوطن العليا، الامانة في عنق كل كريم من أبنائه الكرماء.

(*)عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الامام

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved