* الجنادرية - واس:
أقيمت أمس ضمن النشاط الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافةالتاسع عشر ندوة «اصلاح البيت العربي.. المحور السياسي»، وذلك بقاعةالملك فيصل للمؤتمرات بفندق الانتركونتيننتال بالرياض.
وأدار الندوة صاحب السمو الامير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية المساعد للشؤون السياسية رئيس الادارةالعامة للمنظمات الدولية بمشاركة عدنان عمران وعرفان نظام الدين.
والقيت في مستهل الندوة كلمة صاحب السمو الملكي الامير سعود الفيصل وزير الخارجية القاها سمو الامير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير.
وفيما يلي نص كلمة سمو وزير الخارجية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على أشرف الانبياء والمرسلين..
يسرني بادئ ذي بدء أن أثمن للقائمين على المهرجان الوطني للتراث والثقافة اختيارهم لقضية «اصلاح البيت العربي» لتكون هي الموضوع الرئيسي لفعاليات النشاط الثقافي للمهرجان لهذا العام.
ولعل مما يعطي لهذه القضية أهمية قصوى هو ما نلاحظه من أن هناك صمتا طال أمده وتغاضيا يصعب فهمه عما يجرى على الساحة العربية من أمور توحي بالعجز وقلة الحيلة الامر الذي جعل البعض يستمرئ التهجم على الامة العربية والحاق الضرر بمصالحها المشروعة والذي أوجد في نفس الوقت شعورا متناميا لدينا كعرب بأننا نواجه أزمة هيكلية مزمنة نعتقد أنها هي السبب في تردينا الى الواقع المرير الذي تعيشه أمتنا العربية وأنها هي الاساس في تخلفنا الحضاري الملحوظ.
واذا كنا نتفق على وجود هذه الازمة الا أننا نختلف في معرفة كنهها وفي تحليل مسبباتها وتلمس مكامنها. فمنا من يؤمن بأن جذور هذه الازمة تعود الى الاستعمار الاجنبي لمناطق واسعة من العالمين العربي والاسلامي باعتباره الاساس في كل ما أصاب الامة من تدهور وتخلف.
ومنا من يربط بين هذه الازمة وبين بعض الاحداث الفاصلة التي تعرضت لها الامة في تاريخها الحديث مثل الصراع العربي الاسرائيلي سواء بالنسبة لنكبة عام 1948م أو بالنسبة لنكسة عام 1967 م ومثل مأساة غزو الكويت في عام 1990 م ومثل كارثة 11 سبتمبر عام 2001م وما رافقها وأعقبها من أحادية قطبية وحرب على الارهاب.
ومنا من يعزو الازمة الى بعض العوامل الهيكلية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي بل وأحيانا الفكري والثقافي التي وقفت حجر عثرة في طريق قدرة العالم العربي على حل مشكلاته وتجاوز معاناته.
ورغم وجود بعض المبررات المقنعة التي قد تستند عليها هذه التحليلات الا أنها كثيرا ما تتجاوز الاهمية القصوى للعوامل الذاتية التي أوجدت لدى الامة هذه القابلية الشديدة لأن تتأثر سلبا بمجمل التطورات الخارجية بحيث تصبح مجرد متلق لفعل الاخرين وسياساتهم واستراتيجياتهم وهو ما كان يقصده المفكر الكبير«مالك بن نبي» حين أبدع مفهوم «القابلية للاستعمار».
لقد تكاثرت الخطوب على أمتنا حتى تكسرت النصال على النصال وخبأ أكثر من شعاع علقنا عليه الامال في فترة أو في أخرى وزاد بيننا الاحساس بالاحباط ولا أقول اليأس وتعددت الافكار والرؤى والتنظيرات والطروحات حول الحلول الممكنة والمخارج العملية عن الازمة التي قادتنا الى هذا المآل وأوصلتنا الى هذا الحال.
ولقد أن الاوان لأن نمتلك الشجاعة الكافية لنقرر أن الاصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية هما المنطلقان الاساسيان لتجاوز الازمة الهيكلية التي تتعرض لها دولنا العربية وهما المدخلان العمليان لبناءالنهضة العربية الشاملة والتعامل بموضوعية وواقعية مع المستجدات والمتغيرات المتلاحقة على الساحة الدولية على الصعد السياسية والاقتصادية والتقنية والمعلوماتية.
واذا كان من السهل علينا أن نلحظ ما يعتري المشاركة السياسية في العالم العربي من قصور ومحدودية وأن نعتبر ذلك من الاسباب الاساسية للازمة التي تعاني منها الأمة فإن هذا يعتبر في نظري تبسيطا مخلا لعمق الاشكالية لأن غياب المشاركة السياسية ليس عرضا قائما بذاته بقدر ما هو جزء من كل أكبر وأعمق. ذلك أن المكون السياسي ككل يعاني في عالمنا العربي من ضعف شديد وتخلف واضح.
بل يمكننا ملاحظة هذا الضعف والتخلف في المكون السياسي في جانبيه النظري والفكري من جهة والعملي المتعلق بالممارسة من جهة أخرى سواء تمحورت تلك الممارسة في اشكالية أداء النظام السياسي الداخلي في الدول العربية أو في اشكالية العلاقات البينية بين دول العالم العربي أو في اشكالية العلاقات الخارجية مع بقية العالم من حولنا نلمس هذا الضعف الشديد حتى على مستوى النخب الفكرية والسياسية والثقافية اذ كثيرا ما نجد تغييبا أو سوء فهم لمعظم المفاهيم الاساسية التي تشكل الفكر السياسي الحديث والتي تقوم عليها مفاهيم الدولة الحديثة والمجتمع الدولى المعاصر. فمن الملاحظ أن الدراسات التي تبحث في فقه السياسة في الاسلام لم تحظ بنفس القدر من الاهتمام ولم تنل ذات النصيب من العناية التي نالتها الدراسات الخاصة بالجوانب الاخرى في المنظومة الاسلامية.
عدم الاحتفاء بهذا الجانب وعدم العناية بتطويره وترسيخ وتعميق جذوره وتقنين قواعده واحياء ما أندثر من معالمه لم يقتصر على الفكر الاستشراقي بل ان المفكرين المسلمين أنفسهم أسهموا بنصيب في هذه الظاهرة وان كان لكل من الجانبين أسبابه الخاصة ودوافعه الذاتية مما يضيق المجال عن شرحه وتفسيره ولكن ما يهمنا الاشارة اليه في هذا المجال هو أن ذلك من شأنه جعل المفاهيم السياسية مجالا خصبا للمزايدة والاختلاف والتناحر.
واذا تأملنا في العوامل المؤثرة المفضية الى هذا الضعف الممتد في المكون السياسي النظري والعملي لامكننا استخلاص عوامل متعددة يمكن أن نختصرها في ثلاث مجموعات أساسية هي: المجموعة الاولى تتعلق بالجغرافيا التاريخية للعالم العربي ذاته والتي أفضت بدورها الى صراع تاريخي ممتد بين قيم البادية الراحلة غير المستقرة في اطار جغرافي محدد وغير الخاضعة لسلطة سياسية مستقرة من جهة وبين قيم الحواضر المتباعدة المتناثرة في قلب الصحارى الشاسعة والمعرضة باستمرار للغزو والاضمحلال. هذا الصراع الممتد بين نمطين مختلفين من أنماط الحياة جعل التجربة السياسية عند العرب متقطعة ومؤقتة وجزئية الامر الذي حدا بمفكرنا الكبير عبدالرحمن بن خلدون أن يلحظ في مقدمته أن «الاوطان الكثيرة القبائل والعصائب قل أن تستحكم فيها دولة وأن العرب أصعب الامم انقيادا لبعضهم البعض وأبعد الامم عن سياسة الملك» ومما يؤكد ذلك أن المفهوم اللغوي لمصطلح «دولة» ينطوى كما يبين الدكتور محمد جابر الانصاري على معنيين متصاحبين ومتلازمين.. معنى التغير والتقلب والتناوب وعدم الثبات والدوام.. ومعنى المغالبة بالقوة.
أما المجموعة الثانية.. من العوامل المؤثرة في ضعف المكون السياسي العربي فتتعلق بوجود روابط قوية تتجاوز الانتماء السياسي المباشر وتفوقه أهمية من الناحيتين النظرية والتطبيقية.
فرابط الامة الاسلامية يعلو نظريا على مستوى الدولة السياسي في حين نجد روابط العصبيات المحلية المجزأة أهم عمليا من روابط الممارسة السياسية على مستوى الدولة.
وعلى هذا الاساس لم تكن الدولة في المجتمع العربي محور تكوين العلاقات الاجتماعية وانما كانت مجرد وسيط خارجي لتحقيق المصالحة داخل الفرد بين الولاء المحلي الشخصاني والولاء الجماعي المجرد للامة.
وترتبط المجموعة الثالثة.. من العوامل المؤثرة في ضعف المكون السياسي العربي بالطابع الخارجي والمستورد لمؤسسات الحكم وأجهزة الدولة وهي الظاهرة التي بدأت تمارس تأثيرها منذ تصاعد النفوذ الاجنبي داخل بنية الدولة الاسلامية في العهد العباسي والتي استمرت الى مطلع العصرالحديث.
وحين حل المد الاستعماري الغربي تفاقمت الطبيعة الخارجية لمفهوم الدولة ومؤسساتها وأجهزتها مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف على الدول كجهاز متكامل بل كعناصر مجزأة ذلك أنه بدأ عمليا ادخال تنظيمات على فترات متباعدة ومبتورة في بعض الاحيان من جهاز الدولة المتكامل بالشكل الذي يجعل من الممكن القول بأن ما يسمى «دولة» حاليا لم يأت نتيجة تطور اجتماعي داخلي بقدر ما تم فرضه اما لمواجهة ضغط أجنبي أو من قبل قوى أجنبية متداخلة.
نخلص من كل ذلك الى الاهمية الحاسمة التي ينبغي أن نوليه لموضوع تطوير المشاركة السياسية في العالم العربي فهو السبيل الامثل نحوالبدء بتصحيح هذا الخلل العميق في حياتنا السياسية.
فالوحدات السياسية العربية التي نعبر عنها حينا بالدولة الوطنية وحينا آخر بالدولة القطرية هي الاطار الفعلي الذي يجب أن تنطلق منه عملية الاصلاح الشامل.
ولن تستقيم الدعوة الى الوحدة والتضامن والتعاون بين دول العالم العربي الا حين ننخرط جميعا في العمل الفعلي نحو بناء وانضاج وتطوير وتعميق تجربتنا السياسية داخل دولنا. ان غياب المشاركة السياسية الفاعلة هو المفضي الى توالي الازمات وهو المؤدي الى تعميق التشوهات وهو المتسبب في فقدان القدرة على مواجهة التحديات وبدون تطوير فعلي للمشاركة سيبقى العالم العربي يعيش في الماضي والتاريخ وستخسر الاجيال القادمة رهان المشاركة في صنع المستقبل.
تطوير المشاركة السياسية اذن لابد أن يندرج في اطار اصلاحي شامل وحقيقي والا لفقد معناه وأفضى الى تغيير شكلي لا يعتد به. ان المشاركةالسياسية مطلوبة لذاتها ولكن تحقيقها يتطلب اقترانها بالتنوير السياسي والتثقيف السياسي والتنشئة السياسية والمؤسسة السياسية بحيث تتعمق الوطنية وتترسخ معانيها.
يتطلب تطوير المشاركة السياسية أن نملك الجرأة اللازمة لممارسة النقد الذاتي البناء واعادة النظر في ثقافتنا السياسيةالسائدة والتغلب على العوائق التي تضعف قدرتنا على الابتكار والتكيف.
لابد أن تقترن المشاركة السياسية بتطويرآليات بناء الثقة والحوار بين كافة المجموعات ولابد من تحقيق المصالحة مع الذات داخل كل دولة من دول العالم العربي.
لابد أن يدرك الجميع أن الاستناد القديم الى مجموعات صغرى تتراوح بين القبيلة والعائلة والطائفة لتدبير شئون الحياة لم يعد يصلح لمتطلبات العصر الحديث ومستجداته وظروفه. ولابد أن يقترن الاصلاح الداخلي باصلاح الوضع العربي برمته بل واصلاح نظرتنا نحو الآخر وتصحيح التعامل معه بالتخلص من عقدة الاضطهاد من جهة وعقدة الاستعلاء من جهة أخرى.
واذا كانت العلاقة بين المشاركة السياسية والاصلاح الشامل علاقة طردية وثيقة فان هناك ثلاثة أوهام خاطئة ما تزال رائجة عند بعض العرب في هذا المجال ومن الضروري في نظري أن نتحلى بالصراحة والوضوح في مواجهتها..
الوهم الاول. . يتعلق بالخطابات المتكررة التي دأبنا على الاستماع اليها في عالمنا العربي والتي تدعو الى تأجيل المشاركة السياسية بحجة مواجهة العدوان الخارجى وأولوية متطلبات معارك تحريرالارض من محتليها واستعادة الحقوق من غاصبيها.
ومن الغريب أن تتم التضحية بالمشاركة السياسية والتي تعد مطلبا قائما بذاته بسبب هذه الحجج الواهية والاوهام الخاطئة في حين تؤكد جميع التجارب التاريخية والمعاصرة أن المشاركة الشعبية هي التي تعزز القدرة على مواجهة التحديات الخارجيةوالمطامع الاجنبية خاصة حين تكون المعارك مصيرية وموازين القوى مختلة.
وقد كان الثمن الذي دفعناه من جراء خطأ هذا الوهم ثمنا باهظا فلا الشعوب شاركت ولا الارض حررت ولا الحقوق استعيدت ولا التنمية تحققت.
ومن الاوهام الخاطئة أيضا.. والتي شاعت كثيرا في العالم العربي توهم وجود تناقض أو تعارض بين آليات المشاركة السياسية التي أبدعتها الحداثة السياسية المعاصرة من جهة وبين قيم المجتمع العربي الاساسية وفي مقدمتها هويته الاسلامية الاصلية من جهة أخرى.
وهذا وهم مركب ثلاثي الابعاد.. فمن ناحية نجد أن قيم الاسلام الخالدة تدعو الى الشورى والعدل والمساواة دون تحديد مسبق للآليات التفصيلية التي تتغير بتغير الازمنة والامكنة لكنها جميعا قيم يرتبط تحققها الفعلي في المجتمعات الحديثة بتطور المشاركة السياسية الفاعلة.
ومن ناحية ثانية نجد ان مشاركة شعوبنا العربية المؤمنة خير ضمان لترسيخ الهوية الاسلامية في مواجهة تحديات الغزو الفكري والعولمة الثقافية في حين ان محاولات فرض الوصاية الفكرية والسياسية على هذه الشعوب هي اقصر الطرق للفشل. ومن ناحية ثالثة فان الاصل في الاسلام هو الاباحة ومن ثم فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها او كما قال الامام ابن القيم رحمه الله «اذا رأيت المصلحة فثم شرع الله» ومن الطبيعي أن تنبثق الآليات التفصيلية لتحقيق المشاركة السياسية من قيم المجتمع وأن تتسق مع مبادئه العامة فالتجارب قد أثبتت أن استيراد النماذج الجاهزة المنبثقة عن تجارب الآخرين هو خيار فاشل حتما.
ومما ينبغى تأكيده في هذا الخصوص هو أن الاخذ بهذه المبادئ والافكار وايجاد الآليات المناسبة لتنفيذها من واقع ظروف مجتمعاتنا واتساقا مع قيمها وتراثها هو امر تحض عليه شريعتنا الاسلامية. لقد سبق الاسلام فكر العالم كله في اصطفاء مثل هذه المبادئ وسبق بخاصة الدول الكبرى التي كان يعاصرها بأن أضاء شموخ الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان.
فما نحن بمقلدين اذا استرجعنا ذلك كله بنظمه المعاصرة وآلياته المستخدمة.. اننا بهذا الفهم الواعي لمبدأ المشاركة السياسية وبايماننا بثماره النافعة ونتائجه الايجابية ندرك ان اسسه واصوله ليست جديدة علينا ولا دخيلة وافدة من الخارج بل انها بضاعتنا ردت الينا. ان التطبيقات المتغيرة والاشكال المتطورة انما تمثل في تغيرها وتطورها صدق المبادئ والقيم التي تعبر عنها. ولكل عصر رؤيته ورؤياه وله امكاناته وقدراته على ايجاد التطبيقات والآليات المناسبة لتلك المبادئ الخالدة.
إن تأصيل هذا التوجه هو تأكيد ان التطور الحضاري لهذه الامة ينطلق من عقيدتها ومن ذات مكوناتها واذا ما وجد ضرورة للاستفادة من الآخر رحب بتلك الاستفادة بعد ان يقومها على أسسه وثوابته التي كونت شخصيته الحضارية واكسبته ملامح هويته وسمات ذاتيته بعيدا عن الاندفاع وراء الشعارات والمصطلحات البراقة بمقدار البعد في الوقت ذاته عن التقوقع والانكفاء على الذات.
أما الوهم الثالث.. فيتعلق باساءة فهم المقصود بالمشاركة السياسية اما بتوسيع مدلولاتها توسيعا يفقدها معناها ومحتواها وإما بتقليص تلك المدلولات تقليصا مخلا فاذا كانت المشاركة السياسية هدفا مطلوبا ومرغوبا فإن من الخطأ ان نتوهمها كحل سحري لجميع المشكلات اوعلاج اسطوري لجميع التحديات. ذلك ان المشاركة السياسية مكون اساسي لأي اصلاح داخلي جاد.. لكنها ليست المكون الوحيد بل لعلها لا يمكن ان تتطور وتفعل الا باندراجها في عملية اصلاحية شاملة.. واذا كان من الخطأ ان نضحي بالمشاركة بحجة تحقيق أهداف أخرى فإن من الخطأ أيضا أن نضحي بالسيادة اوالاستقلال او ان نرحب بالغزو والاحتلال والتدخلات الخارجية بحجة فتح امكانات التغيير الذي يتوهم البعض انه قد يتيح المجال لتوسيع المشاركة السياسية.
ومن جانب آخر فإن هناك بعض الذين يقلصون معنى المشاركة السياسية المطلوبة بحيث نجدها تقتصر عندهم على انتخابات شكلية لمجالس لا تتمتع بصلاحيات فعلية او يجعلونها متماثلة مع ايديولوجيات شعبية شمولية في حين ان المشاركة السياسية الحقيقية تتطلب تعميما للحريات الفكرية والإعلامية وحفظا للحقوق الفردية وحقوق الاقليات وتأسيسا للمجتمع المدني الوطني المتجاوز للعصبيات المحلية والقبلية والطائفية.
إن من المتفق عليه ان الوضع العربي بات يحتاج الى معالجة متكاملة تحول دون المزيد من التدهور والانقسام وتنهي حالة الضعف والعجز وقلة الحيلة وتعيد للعمل العربي المشترك مقوماته الاساسية وفي مقدمتها الجدية في الطرح والمصداقية في التنفيذ. ومن المتفق عليه ايضا ان التحديات الضخمة التي تواجهها الامة العربية اليوم لم تعد تسمح بالفصل بين الشئون الداخلية والخارجية فالمعالجة المطلوبة تتطلب الجمع بين الاصلاح الاقليمي والاصلاحات الداخلية ذلك ان حشد موارد الامة وطاقاتها لمواجهة التحديات والمخاطر لن يكون ممكنا دون المبادرة باصلاح اوضاعنا الداخلية بكل جرأة وعزم وتصميم . ولقد استشعر العقلاء والحكماء في عالمنا العربي ضرورة المعالجة الشاملة للوضع العربي الاقليمي والداخلي وهو ما انعكس في مبادرات متعددةرسمية وغير رسمية لعل أبرزها وأكثرها شمولا مبادرة «اصلاح الوضع العربي» التي تقدم بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني مؤملا بحثها وتبنيها خلال مؤتمر القمة العربية القادمة في تونس. تؤكد مباردة الأمير عبدالله لاصلاح الوضع العربي على ضرورة تحلي العمل العربي المشترك بالجدية والمصداقية وذلك عبر وضع آليات محددة وبرامج واضحة ملزمة تضمن الالتزام الاكبر بأسس العمل العربي المشترك والتنفيذ الصادق والامين لمقررات القمة العربية. وتركز المبادرة على ثلاثة محاور اساسية تحتاج الى اصلاح نوعي عاجل..
المحور الاول.. يتعلق بالعلاقات العربية البينية واحياءالتضامن الفعلي في المجالات السياسية والدفاعية بدلا من ترديد الشعارات والمزايدات والانقسامات واجواء عدم الثقة وتجاوز المقررات او تفشي عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
اما المحور الثاني.. فيتعلق بالاصلاح الداخلي المرتبط بتطويرالمشاركة السياسية وتوفير شروط النهضة العربية وتلبية متطلبات الانخراط الايجابي في ميادين المنافسة العالمية وتحرير الانسان العربي من القيود المعيقة للابداع والفكر الخلاق وبناء القدرات العربية الانتاجية والتنافسية.
ويتعلق المحور الثالث.. بالسعي الجاد والعملي لتحقيق التكامل الاقتصادي من خلال تطبيق كامل خال من الاستثناءات لمنطقة التجارةالعربية الحرة الكبرى ووضع جدول زمني ملزم لاقامة الاتحاد الجمركي وصولا الى سوق عربية مشتركة وتوفير المناخ الجاذب للاستثمارات الخاصة والمشجع للمبادرات الفردية والمعزز للقدرات التنافسية.
ومن نافلة القول التأكيد على الترابط الوثيق بين هذه المحاورالثلاثة وكذلك الاقرار بأن اي معالجة جادة للوضع العربي الراهن لابد وان تشتمل على تزامن وتكامل الاصلاح فيها معا.
لكن توسيع وتفعيل وتعزيز المشاركة السياسية داخل كل بلد عربي يظل يكتسب في نظري اهمية استثنائية في الاصلاح المنشود وذلك لعدة أسباب يمكننا ايجازها في ثلاثة اعتبارات اساسية هي:
أولا: ان ما يشهده عالم اليوم من تطورات متسارعة في مجالات الاتصالات والمعلومات والعولمة الاقتصادية والفكرية يحتم الاعتراف بتأثير الثقافة العالمية السائدة وتنامي وعي الشعوب وتطور مجالات عمل مؤسسات المجتمع المدني مما يجعل المبادرة الى اصلاح أوضاعنا الداخلية أمرا حتميا والا عرضنا أنفسنا الى تهديدات وتدخلات خارجية مرفوضة وغيرمقبولة.
ثانيا: لايمكن مواجهة التحديات الخارجية والتهديدات الخطيرة التي تواجهها الأمة العربية إلا بالاعتماد على قوة الجبهة الداخلية ومتانة الوحدة الوطنية ورسوخ الشرعية السياسية داخل كل دولة عربية وهذه بدورها تعتمد اعتمادا واضحا على وجود مشاركة سياسية فاعلة ومجدية.
ثالثا: توفر المشاركة السياسية يمثل أفضل الضمانات لتوفير مايحتاج إليه العمل العربي المشترك من جدية في تحمل المسؤوليات ومصداقية في تنفيذ المقررات وتأطير للتعاون المؤسسي الذي يرسى دعائم الاستقرار والشرعية والوحدة الوطنية.
وبهذا فقط نستطيع ترميم وإصلاح بيتنا العربي وحمايته من الفتن الداخلية ومن المخاطر والتهديدات الخارجية ونتمكن بالتالي ليس من اللحاق بالركب الحضاري فحسب بل ومن اثرائه بما تزخر به عقيدتنا ويحفل به تاريخنا من قيم سامية ومعارف شتى ومن ابداعات خلاقة وانجازات مشهودة.
عقب ذلك قدم عدنان عمران ورقة عمل القى خلالها الضوء على جهود جامعة الدول العربية.
ثم قدم عرفان نظام الدين ورقة عمل طالب خلالها بالاهتمام بالجاليات العربية في أنحاء العالم من خلال جامعة الدول العربية.
وأشار الى ضرورة وجود عمل عربي مشترك والإرادة الصادقة في كثير من الدول.
بعدها فتح باب المداخلات والنقاشات والاجابة عن تساؤلات الحضور. وحضر الندوة عدد من المهتمين بالثقافة والفكر ونخبة من ضيوف المهرجان الوطني للتراث والثقافة.
|