* استطلاع - مسلم الشمري:
في هذا اليوم تتجه أنظار أبناء الشعب الخليجي إلى قمة مجلس التعاون الخليجي الرابعة والعشرين التي تعقد في الكويت حيث تأتي في ظل أوضاع عالمية مضطربة وأوضاع إقليمية ووطنية متفجرة من إرهاب واستهداف للمصالح وتحديات الوجود.
«الجزيرة» استطلعت آراء عدد من الأكاديميين والمثقفين والكتاب حول المأمول من القمة في ظل الوضع العالمي الراهن وهل سوف تكون قراراتها تنفيدية أم أنها سوف تكون مثل القمم السابقة التي كثير من قراراتها لم تر النور، لنطرح ورقة عمل على طاولة قياديّي دول مجلس التعاون.
في البداية تحدث الدكتور إبراهيم بن عبدالله السماري كاتب صحفي حيث قال عندما نستعرض ما نأمله من القمة الخليجية يجب أن نستحضر عدة حوافز وعوامل تجعل ذلك الأمل مزهراً بالثقة في أن تحمل الخير لشعوب المنطقة:
أولها: الخلفية التاريخية؛ فهذه المنطقة تتقاسم تاريخاً واحداً يصعب بل يستحيل أن يتم تجاهل أي جزء منه وبالتالي فالتاريخ المشترك حافز للآمال المعقودة على الاجتماع المقبل.
ثانيها: التشابه الكبير في الخصوصية الثقافية في دول مجلس التعاون، حيث تجمعها عوامل الدين واللغة والعادات المتقاربة وهذا حافز آخر لإنتاج عمل موحد يحقق الخيرية المأمولة.
ثالثها: أن أمن دول القمة الخليجية مرتبط برباط وثيق، وهذا من أهم حوافز العمل الجاد دون ريب.
رابعها: أن هذا العصر هو عصر الكيانات القوية، ولاسيما في المجال السياسي عن طريق تنسيق المواقف، وفي المجال الفكري بواسطة إبراز الخصوصية الثقافية للكيان الخليجي، ومن ثمَّ فإن تقوية دعائم مجلس التعاون الخليجي ضرورة عصرية إذا أُريد له الاستمرار وليس هناك عاقل يشك في وجود النية الحسنة عند القيادات الخليجية لتفعيل هذا الكيان واستمراره.
خامسها: أن التغيرات الدولية التي ضربت أطنابها قريباً من منطقتنا تفرض على الكيان الخليجي أن يوحد سياساته ومواقفه.
سادسها: أن الشعوب هي الحارس الأمين لأوطانها ووضع آليات تجلب الرخاء والأمن لهذه الشعوب يعني تحفيزها للقيام بواجبها والالتفاف خلف قياداتها، وهذا حافز مهم لعقد الآمال للتوصل إلى ما يحقق خير ورخاء الشعوب الخليجية.
أما عن القرارات السابقة وتأخر تنفيذ بعضها فأرى أن مجرد استمرار مجلس التعاون الخليجي هو إنجاز بحد ذاته، ناهيك عن تنفيذ قرارات مهمة مثل توحيد التعرفة الجمركية وقريباً تنقل المواطنين بين دول المجلس وغير ذلك، أما القرارات التي لم تنفذ فلا ريب أنها كانت مخلصة وتهدف إلى خير شعوب دول الخليج العربي، إلا أنها كانت تفتقر في جوانب كثيرة منها إلى الدراسات العلمية الجادة لمتطلبات التطبيق ومعوقاته بالنظر إلى ظروف كل بلد على حدة في مختلف المجالات وتوجهاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأمنية، وربما كان الاستعجال بهدف تحقيق نتائج ومنجزات إيجابية هوالدافع لإصدارها قبل استكمال متطلباتها.
وباختصار يمكن القول إنه في ظل الظروف المحيطة بالمنطقة فإن القمة الخليجية القادمة مهمة ولاسيما أن دول الخليج استطاعت تأكيد استقرارها ووحدتها في ظل أحداث ومتغيرات كبيرة وخطيرة ويبقى الأهم وهو المحافظة على هذه الوحدة وهذا الاستقرار مما يعطي للاجتماع القادم أهمية خاصة واهتماماً أكبر؛ لأنها تعالج ثلاثة جوانب ذات تأثير كبير في عملية الاستقرار وهي: الجانب السياسي، والجانب الاقتصادي، والجانب الاجتماعي مما يتطلب جهداً قيادياً موحداً مدعوماً بآليات قابلة للتطبيق الفوري للوقوف في وجه التدخلات الأجنبية ولمعالجة أوجه القصور في البناء الداخلي.
من وجهة أخرى قال رئيس دار الدراسات الاقتصادية الدكتور عبدالعزيز إسماعيل داغستاني:
* قمة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في دورتها ال 24 تأتي في زمن تمر به دول الخليج العربية بظروف سياسية واقتصادية وأمنية حرجة، لعل في مقدمتها الغزو الأمريكي للعراق وحالة الفوضى التي خلفها ذلك الغزو في العراق وتداعيات وإفرازات هذه الحالة على دول المنطقة في الأجل الطويل، ناهيك عن تداعيات هذا الوضع الأمني غير المسيطر عليه على حركات الإرهاب في المنطقة، وبالتالي أثر كل ذلك على الظروف الاقتصادية.
هذا الوضع القائم يجب أن يسيطر على اهتمامات القمة لتخرج بقرارات حاسمة تتجاوز الكلمات السياسية الفضفاضة التي تغلِّف الاختلاف الملحوظ في الرؤية بين قيادات دول المجلس ولا تخدم القضايا المطروحة وتراهن على عامل الزمن الذي لم يعد يخدم المنطقة ووضعها في أزمة حقيقية. ما يجب أن تخرج منه هذه القمة هو التفكيرالجدي في توحيد موقفها حول مصير منطقة الخليج العربي برؤية استراتيجية تتجاوز الرؤية القُطْريَّة الضيقة، وأعني بذلك النظرة الأحادية التي قد لا تخدم المجموعة بالضرورة وتسبب خللاً في الأجل الطويل.
ولعل هذا ما أثر على أداء المجلس في السنوات الماضية، حيث ظلت كثير من القرارات بعيدة عن التنفيذ لأنها لم تتخذ وتعرض بشفافية واضحة تهدف إلى تحقيق مكاسب جماعية وليست فردية. ولعل هذا هو الجانب المغيب أو المسكوت عنه في منظومة المجلس، ولا أدري هل هذا الأمر طوعاً أم كرهاً، المهم أن من أصول العمل السياسي المشترك أن تكون هناك رؤية استراتيجية للمستقبل لا تعارضها دولة ضمن إطار هذه المنظومة المشتركة.
وفي هذا السياق يقول الكاتب الصحفي الأستاذ خالد بن حمد السليمان:
لا يمكن للمواطن الخليجي أن يقبل بعد اليوم أن يظل مجلس التعاون مجرد كيان رمزي للوحدة والتضامن يقتصر دوره على تحقيق دور هامشي من التقارب ووحدة المواقف بعد مرور أكثر من 23 عاماً على تأسيسه، فالمتغيرات التي قادت العالم نحو اتجاه جديد من ترتيب الأوراق وإعادة صياغة التحالفات وتوجهات المصالح في أعقاب حرب الخليج الثانية مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وانتهاء بحرب الخليج الثالثة هي متغيرات هبت رياحها من قلب الخليج وكان حقا علينا أن نكون أول المتأثرين بها لنعيد صياغة أهداف هذا المجلس وما نريده منه!!
إن مجلس التعاون الخليجي يختلف عن غيره من الكيانات والأشكال التحالفية سواء الإقليمية أو القارية أو الدولية لأنه قام على أرضية صلبة تجمع بين قواسم مشتركة كثيرة ومتينة تربط مؤسسيه وتدعم تشكيل وتحديد أهدافه وتسهل من مهمة تحقيقها، فالدول الخليجية ظلت ولعقود طويلة تعيش على أسس مشتركة من التفاهم السياسي والتناغم الاجتماعي سببه الروابط التاريخية المتينة التي تربط بين دول المنطقة بفضل الجذور المشتركة الضاربة في أعماق الطبيعة السكانية والبيئة الاجتماعية الواحدة وكل ذلك يصلح لأن يكون أرضا خصبة لتوليد كيان مؤسسي يترجم هذه العلاقات المتشابكة إلى توليفة متناسقة من العلاقات المتنامية في إطار موحد التوجه.
ولا شك أننا كنا ندرك منذ البداية إن إنشاء مجلس كمجلس التعاون سيواجه عراقيل وتحديات كبيرة بفعل عوامل خاصة وعامة كثيرة إلا أننا لم نكن لنمهله 23 عاماً لتجاوز هذه العراقيل وتخطي هذه التحديات!! فالمنظومة التعاونية الخليجية كما قلنا توفرت لها كل مقومات النجاح منذ البداية وتوفرت لها أرض صلبة تجمع جميع دول وشعوب المنطقة وكان يجب أن يستغرق ذلك وقتا أقل! وهذا لا يدفعنا للتشاؤم من قدرة المجلس على مواصلة جهوده نحو تحقيق أهدافه الأساسية فهو في أقل إيجابياته يبقى منظومة مهمة عززت مشاعرالتضامن الشعبي الخليجي وكرست الطابع الاجتماعي المشترك بين شعوب المنطقة.
إلا أن المواطن الخليجي اليوم وبعد 23 عاماً لم يعد يرغب من المجلس أن يقتصر دوره على دور المعرف والمقرب بين شعوب المنطقة بقدر ما يريد منه أن يتجاوز ذلك إلى القيام بدوره الحقيقي في فتح قنوات الاتصال المباشر بين هذه الشعوب وإزالة الحواجز وإنجاز وضع الأرضية القانونية المشتركة للأنظمة والقواعد القوانين التي تعزز التكامل بين دول المجلس وتكفل لشعوبها أن تتعامل مع بعضها وفق منظومة واحدة تترجم مشاعر التضامن والتداخل التي بقيت وقفا على الشكلين الاجتماعي والثقافي.
فالحقيقة التي يجب أن يعيها القادة في اجتماعهم في الكويت وأن تلقي بظلالها على قراراتهم أن المواطنين الخليجيين قد حققوا التضامن والتداخل والتكامل في إطارالعلاقة الشعبية الاجتماعية ما يسبق بمراحل ما تم تحقيقه وإنجازه من أنظمة وقوانين موحدة تواكب هذا التضامن الشعبي المذهل!!
المواطنون الخليجيون اليوم يتطلعون إلى قادتهم بالكثير من الرجاء والأمل بأن يواكب المجلس هذا التضامن الشعبي وترجمته إلى واقع يحيط بأنظمته وقوانينه التي يجب أن تخلق كياناً تضامنياً منسجما في كافة المجالات وخصوصاً المجالين السياسي والاقتصادي حيث يجب على الجميع أن يعي أن الموقف الدولي اليوم وطبيعة الأحداث توجب توافق الاتجاهات السياسية وتوحيد المواقف الاقتصادية الأمر الذي يتطلب توفيق الأنظمة والقوانين الاقتصادية بين دول المجلس لتكوين كيان اقتصادي قوي يكون قادراً على التعامل مع عالم امتلأ اليوم بالتحالفات والتكتلات الاقتصادية.
وليس من المهم الاسترسال كثيراً في الكتابة عما نريده من هذا المجلس فما يريده الخليجيون من مجلسهم ليس سراً وتحقيقه ليس صعباً متى ما توفرت العزيمة وتم التسلح بالإيمان بمصير هذه الأمة وحقها في أن تكون كياناً قوياً بما يتناسب مع حجمها الاقتصادي وإرثها التاريخي.
أما عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز البعيز فيقول: إنني لا أعلق آمالاً كثيرة على القمة الخليجية القادمة، وذلك من واقع المتابعة لما تم في القمم السابقة، والمستويات المتدنية للقدرة على تنسيق المواقف السياسية، حيث برزت هذه مؤخراً تجاه العدوان والاحتلال الأمريكي للعراق. فالبيانات الختامية للقمم السابقة كانت تظهر بنفس العبارات الفضفاضة. كما أن المواطن في دول المجلس لم يلحظ تغييرات جذرية تشير إلى أن قرارات القمم السابقة قد أخذت طريقها للتنفيذ.
لنكن واقعيين.. مضى ما يقرب من ربع قرن على قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبدأت وسائل الإعلام في هذه الدول ومنذ عشر سنوات تقريباً تقيّم وبقدر كبير من الوضوح والشفافية إنجازات المجلس. وظهر أن المجلس لم يحقق ما كان مأمولاً منه. المراجعة والتقييم لإنجازات المجلس لم تعد محصورة في وسائل الإعلام، فالقادة أيضاً أدركوا مظاهر هذا الإخفاق، ودعوا إلى تجاوز هذه العقبات، وما الكلمة الضافية لصاحب السمو الملكي ولي العهد في القمة السابقة إلا دليل على ذلك.
إخفاق المجلس في تحقيق الأهداف التي كان يتطلع إليها المواطن في دول الخليج العربية لم يكن متوقعاً في ظل الوعود والتصريحات التي سمعها خلال السنوات الأولى لقيام المجلس، والمظاهر الاحتفالية التي كانت تصاحب عقد كل قمة في عواصم دول المجلس.
أسباب هذا الإخفاق كثيرة ومتعددة ومتداخلة، ويجمع بينها طبيعة الثقافة السياسية للمنطقة العربية بشكل عام. هذه الثقافة لا تتوفر فيها أساسيات ومقومات التكامل والتنسيق بين الدول العربية فعلى الرغم مما مرت به دول مجلس التعاون من طفرة اقتصادية انعكست ايجابياً على الخدمات الصحية والتعليمية وماشهدته هذه الخدمات من تطور في بناها التحتية، إلا أن المؤسسات السياسية لم تشهد تطويراً أو إصلاحاً يذكر، فقد بقيت متخلفة مقارنة ببقية المؤسسات الاجتماعية، وعاجزة عن الاستجابة لطموحاتها. هذا القصور في المؤسسات السياسية للدول العربية انعكس وبشكل جلي على مشاريعها التعاونية والوحدوية، فجامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتجربة دول المغرب العربي شواهد حية على ذلك.
من جهته يقول الأستاذ المساعد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الدكتور عبدالرحمن بن صالح الشمراني.. قال تعالى {$ّتّعّاوّنٍوا عّلّى پًبٌرٌَ $ّالتَّقًوّى" } والتعاون يتطلب الاجتماع والتشاور فلا يمكن أن أتعاون معك إلا إذا التقيت بك وتبادلنا وجهات النظر وبالتالي نتفق في الأخير على وجهة نظر موحدة، فالمأمول من ولاة أمرنا في دول الخليج أن يتعاونوا ويتشاوروا وهم أمن على هذه الأماكن التي تقلدوها والظن بهم حسن وإن شاء الله يتشاورون فيما فيه مصالح شعوبهم وفي نفس الوقت هم جزء من هذا العالم ولا بد أن يراعوا ما حولهم من متغيرات ومستجدات على كافة الأوجه والموازنة بينها وبين مصلحة شعوبهم فتكون مصلحة شعوبهم في مخيلتهم وأيضاً مراعاة ما حولهم من أحداث العالم وهم خير من يقدر وأعرف الناس بهذه الأمور بحكم احتكاكهم بالعالم من جهة وبحكم احتكاكهم بشعوبهم من جهة أخرى وبحكم أنهم حريصون جداً على مصلحة الشعوب، وإن شاء الله أن مثل هذه الاجتماعات يؤمل منها الخير ولا شك أن الشعوب أولاً تريد الأمن وهو أهم مطلب، الأمن بمفهومه الشامل طبعاً الأمن الجنائي والسياسي والغذائي وجميع جوانبه وهذا هو هاجس الشعوب تقريباً ولا شك أن الأمن لا يتحقق إلا بتطبيق شرع الله عز وجل فلا شك أن الشعوب الخليجية المسلمة تأمل أن تبقى شريعة الله عز وجل هي المحكمة فيهم، مشيراً إلى أنه ليس ضرورياً أن كل الاجتماعات والقرارات تنفذ بحذافيرها وهذا قد يكون من المحال ولكن أن يتحقق منها بعض الشيء يكون بالطبع أفضل من لا شيء.
وفي هذا السياق يقول عضو مجلس الشورى الدكتور حمد بن محمد الشغرود لاشك أن هذه القمة تأتي بعد أحداث جسام وحملات صيهونية موجهة إلى العالم العربي والإسلامي بصفة عامة وإلى دول الخليج بصفة خاصة ونحن كمواطنين في دول مجلس التعاون نتجه بأنظارنا إلى قمة الكويت القادمة آملين أن تخرج بنتائج وتوصيات تتعدى ما هو مأمول به في القمم السابقة والتي كانت تنصب على هموم وشجون دول المجلس. أما هذه القمة فعلى رؤساء دول المجلس أن يرتقوا بها إلى وضع جديد وتصور أوسع بما قد يحيط بهم ودولهم في المستقبل لا سمح الله وأن توضع قراراتها قيد التنفيذ وأن تكون ملزمة لكل دولة بتنفيذ ما يخصها وما يخص دول الخليج مجتمعة، لأن الوقت ليس في صالح تأخير القرارات وشعوب المنطقة لن تسمح أن تتأخر أكثر مما تأخرت في نهج جميع الطرق المؤدية إلى تكامل التلاحم فيما بينها وبناء مجتمع خليجي متكامل.
|