توشك مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تكمل ربع قرن من العمل المثمر والتعاون بين دول الخليج العربية الست التي استطاعت أن تنجز مؤسسة إقليمية ناجحة بكل المقاييس رغم عدم تحقيق كل الآمال والطموحات التي يحلم بها قادة الخليج وأبناؤه، إلا أن الشيء الأهم، والذي تحقق، هو بروز منظمة اقليمية مؤثرة وهامة تحظى بتقدير واهتمام القوى الدولية التي وجدت بمجلس التعاون الجهة التي تتعامل معها كإطار جامع لدول الخليج العربية، مما زاد من تأثير وقوة الدول الخليجية مجتمعة وهو ما لاحظناه في المفاوضات التجارية والاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون والمفاوضات التي تجري مع منظمة التجارة الدولية والهيئات الدولية الأخرى.
هذه المكانة الدولية والاقليمية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جعل الدول المجاورة تسعى إلى توثيق علاقاتها مع المجلس سواء بطلب الانضمام إلى المجلس كالعراق واليمن، أو بطلب الحصول على صفة مراقب مثلما تريد إيران، وهذا يفرض على قادة دول المجلس أن يتعاملوا مع هذه الطلبات بحرص ودقة كبيرين، فبالرغم من الوحدة والتواصل الجغرافي والنسيج الاجتماعي بالنسبة لليمن والعراق وتشابك المصالح والتقارب الجغرافي مع إيران، إلا أن هناك الكثير من الاختلافات والتباين في الأنظمة السياسية والأوضاع الاقتصادية وحتى الاجتماعية بين دول الخليج العربي كإقليم واحد ذي طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية، وبين من يسعى للعضوية الكاملة مثل اليمن والعراق، أو المشاركة بصفة مراقب كإيران.
وبما أن دول الخليج لا تستطيع تأهيل اليمن والعراق لتصبحا بنفس الامكانات والقدرات والمناخات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تتوفر لها في دول المجلس، لذا والحالة كما هي معروفة ومع وجود تباين كبير في الأوضاع السابق ذكرها، فإنه يتوجب انتهاج التدرج واعتماد الخطوات المدروسة بإتاحة الفرصة لليمن والعراق بالمشاركة في أنشطة وفعاليات معينة مثلما كان الأمر عليه بالنسبة للعراق قبل غزو الكويت، وبالنسبة لليمن منذ العام الماضي حيث فُتح المجال للمشاركة في أنشطة الخدمات الصحية والتعليمية والرياضية، ويمكن توسيع هذه المشاركة ببحث إمكانية تفعيل التعاون الاقتصادي والاجتماعي مع تقريب النظرة السياسية ما بين دول المجلس والدول المجاورة وبخاصة بعد التوجهات التي تهبُّ على المنطقة باعتماد أساليب الاصلاح السياسي.
التدرج والهدوء والنظرة البعيدة كفيلة بالحفاظ على مجلس التعاون كمنظمة اقليمية لخدمة أبناء المنطقة، أما التسرع والتوسع الغير المدروس فإنه يُخشى منه أن يحول المجلس الى منظمة بروتوكولية لا فائدة منها ويلغي كل ما تم إنجازه.
|