* عمان - الجزيرة - خاص:
قالت مصادر فلسطينية وثيقة الاطلاع ل«الجزيرة» إن القيادة الفلسطينية وحكومة أحمد قريع أبو علاء تقوم بمحاولة استغلال الظروف الدولية المواتية والحاجة الأمريكية إلى تحريك المسار الفلسطيني-الإسرائيلي والتفاوض على ضوء التراجع الكبير في التأييد لحملتها في العراق والخسائر الكبيرة التي تكبدتها هناك بالدفع نحو الضغط على حكومة ارئيل شارون لوقف بناء جدار الفصل العنصري وخاصة الجدار الشرقي على طول غور الأردن لتأثيراته المدمرة على سلة الغذاء والخضار في الضفة الغربية إلا ان هذه الجهود لم تثمر.
وأضافت المصادر أن أبوعلاء ربط عقد اللقاء مع شارون ببوادر حسن نية في مقدمتها وقف أو تجميد بناء الجدار الشرقي للضفة الغربية إلا ان الاجتماع مع المبعوث الأمريكي وليام بيرنز الأسبوع الماضي بدد هذا الربط وحلل الجانب الإسرائيلي من أي ضغوط أميركية أو شروط فلسطينية.
وأضافت المصادر: أن الخلاف الظاهر في العلاقات بين حكومة شارون والولايات المتحدة بخصوص الجدار لايتجاوز التصريحات حيث هناك تفهم وقبول للرواية الإسرائيلية الرسمية في كافة دوائر صنع القرار في واشنطن.
وللوقوف على تأثير بناء الجدار في الواجهة الشرقية للضفة الغربية في منطقة الأغوار التقت «الجزيرة» عدداً من المواطنين والمختصين.
وزارة الزراعة الفلسطينية تشير إلى ان منطقة الغور كانت حتى اشهر قليلة تعتبر سلة الغذاء والخضار للضفة الغربية بأسرها بيد ان الكثير من الحقول الزراعية في الغور اليوم مهجورة بسبب الممارسات والإجراءات العسكرية الإسرائيلية.
وقالت الوزارة ان انتاج منطقة الغور قد انخفض من 60% إلى14% وان هذا التراجع لم يتوقف وهو يواصل انخفاضه مشيرة إلى ان بناء جدار الفصل العنصري الشرقي في منطقة الغور سيقضي على معظم الإنتاج الزراعي.
وعزت الأسباب إلى انعدام التواصل بين القرى والمدن الفلسطينية بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي تمنع انتقال المنتجات الزراعية من الحقول إلى الأسواق ومراكز التسويق في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.
وقال نعيم مريش الخبير الزراعي ل«الجزيرة»: إن بقاء المحاصيل الزراعية مثل البندورة أو الخيار على حالها أفضل من ان ينتظر المزارع أسبوعاً أو أسبوعين للسماح له بدخول أرضه وقطف المحصول ثم الانتظار شهراً للحصول على تصريح لنقلها من الغور إلى رام الله أو طولكرم ونابلس.
وأضاف: أن المنتجات الزراعية لا تحتمل البقاء في الصناديق والشاحنات الصغيرة والكبيرة في الشمس ودرجة الحرارة العالية والطقس المتقلب فقسم كبير منها يتلف ويضيع مجهود المزارعين الذين قسم كبير منهم لا يملكون المال والوقت للمخاطرة.
وأشار مريش إلى ان الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المزارعون عموماً ومزارعو الغور بشكل خاص بدأ يتفاقم ويهدد مستقبل عشرات القرى الزراعية الفلسطينية التي تعيش منذ مئات السنين على طول الغور من بيسان حتى جبال الخليل في الجنوب على الزراعة وخيرات هذه الارض المباركة.
وقال عزيز عبد الرحمن فقهاء أحد مزارعي بلدة عين البيضاء في شمال الأغوار: «لقد مرت علينا أوضاع صعبة وتجاوزناها أنا وإخواني المزارعين في المنطقة سواء في الانتفاضة الأولى أو في مرحلة العمليات التي كانت تستهدف مستوطنين والدوريات العسكرية الإسرائيلية يعبرون طريق الغور شمالاً أو جنوباً ولكن مثل هذه الظروف الصعبة لم نر».
وروى فقهاء ل«الجزيرة»: كيف دخلت الجرافات الإسرائيلية دون سبب إلى أرض شقيقه ودمرت نحو 15 دونماً لتمهيد الطريق والأرض المجاورة له لتقف الدوريات الإسرائيلية على طرف الشارع لتأمين الحماية للجيش والمستوطنين في المنطقة.
ووصف معاناة المزارعين في المنطقة بأنها متواصلة ومتنوعة من جراء اعتداءات أفراد الجيش والمستوطنين المتطرفين الذين لا يتورعون عن إطلاق النار على كل من يشاهدونه يعمل في أرضه أو يحاولون دهسه ان كان على حافة الطريق وقال إن الشواهد كثيرة ولكن من يهتم بنا.
وتابع قائلاً: نأتي تهريباً إلى أراضينا عبر الجبال فالطرق سدتها الجرافات الإسرائيلية بالسواتر الترابية والحجارة الضخمة كي تمنع سياراتنا من الوصول من قرانا إلى هنا كما أننا نضطر إلى العمل ليلاً في أراضينا خوفاً من عدوان المستوطنين الذين يهاجموننا ويستولون على المحاصيل الزراعية و يسرقونها أو يدمرونها..؟!
وقالت الحاجة نعمة حسين البواب (أم أيوب) من قرية كردله وسط الأغوار: طول عمري وأنا في هذه الأرض سنين وأيام ما شفت مثل هذه الأيام معقول يضطر المزارع ان ينقل صناديق الخيار كيلو متراً من أجل نقلها إلى سيارة الشحن وكذلك السماد.
الله بقول نتسلل لأراضينا مثل الحرامية حتى نحافظ عليها؟ وتنهدت أم أيوب وقالت: زوجي استدان من أجل ان يزرع الأرض وسمدها حتى نستطيع العيش دون ان نحتاج أحدا ولكن كما ترى تعذب حتى حرثها وزرعها ولما حاول بيع المحصول ما في سيارة قادرة على الوصول إلى الأرض وان وصلت السيارة لن تتمكن من الوصول إلى طوباس أو نابلس.
ويذكر ان الغور كان حتى اندلاع الانتفاضة ينتج نحو 60% من الخضروات في الضفة الغربية وحوالي 15% من مجمل الناتج الزراعي الفلسطيني في الضفة وذلك نظراً للجو الدافئ والمناسب والتربة الخصبة الغنية الصالحة للزراعة والمياه المتوفرة بكميات كبيرة حيث تشكل أراضى الأغوار أكبر منطقة مروية في فلسطين.
وقال المهندس الزراعي تحسين أبو الرب: إن قوات الاحتلال الإسرائيلي انتبهت لأهمية الغور منذ سنوات قبل الانتفاضة وخاصة عندما كان ارئيل شارون يشغل منصب وزير البنى التحتية حيث عمل على مصادرة مساحات واسعة من الأراضي في الغور لبناء المستوطنات وال(موشفوات) أي المستوطنات الزراعية كما تم الإعلان عن مناطق واسعة كمناطق عسكرية مغلقة يمنع دخولها وخاصة المناطق المرتفعة والمطلة على نهر الأردن.
وأردف قائلاً: انه تم اتخاذ سلسلة خطوات سياسية وعسكرية إسرائيلية في السنوات الماضية تعزل الغور عن باقي مدن وقرى الضفة الغربية بعمق يتراوح بين 10 إلى 20 كيلومتراً وربط الدخول اليها بتصاريح خاصة الأمر الذي دمر جزءاً كبيراً من أراضيها الزراعية وحال دون تمكين ما تبقى منها من تمرير الخضار إلى مراكز التسويق الزراعي في نابلس ورام الله وأريحا وغزة في الجنوب.
وأكد أبو الرب: ان قسماً من المزارعين أحجموا بسبب الإجراءات الإسرائيلية التعسفية وتركوا الزراعة وقسم استعاض عن فلاحة أرضه بالعمل في المستوطنات الإسرائيلية الزراعية المنتشرة على امتداد الغور تحت اغراءات الرواتب الكبيرة وتصاريح الدخول وتحت ضغط لقمة العيش.
أما نزار عبد الصوافطة أحد مزارعي قرية العوجه فقال: لقد حولت عشرة دونمات من حقول البندورة إلى مراع للماشية وذلك لتوفير النفقات في المياه والأسمدة وأجور العمال والنقل وتلافياً لعجز تسويق الناتج.
وأكد ان ناتج البندورة عندما يباع بسعر منخفض يحرم المزارع تكرار الزراعة في الموسم الذي يليه وحسب الصوافطة لا فائدة من الزراعة في هذه الظروف كما قال.
وقال مازن عز الدين سدر أحد مزارعي أريحا: إن إغلاق مدينة أريحا المتواصل وسيطرة الجيش الإسرائيلي على مداخل الغور والقرى والبلدات وتحويل الشارع الالتفافي لتجاوز مدينة أريحا تسبب بخسائر زراعية واقتصادية كبيرة لمنطقة الغور بأسرها ولمدينة أريحا الزراعية السياحية التي كانت تعتمد على المتسوقين عبر الشارع الرئيسي الذي يربط شمال الضفة بجنوبها من الشرق.
وقدر سدر حجم خسائر مزارعي الأغوار بنحو 50 مليون دولار في السنتين الأخيرتين فقط .ويذكر ان شارون كان قد قدم في العام 1997 وكذلك خلال اجتماعه مع رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمود عباس أبو مازن تصوراً للحل النهائي مع القيادة الفلسطينية باسم (خريطة المصالح الإسرائيلية الحيوية) والتي نصت على ضرورة احتفاظ إسرائيل بالواجهة الشرقية للأغوار على طول خط وقف إطلاق النار مع الأردن.
وجاء في تلك الخريطة ضرورة بناء حزام أو جدار على طول الحدود مع الأردن أي مصادرة وضم أكثر من 420 ألف دونم من افضل الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، بالإضافة إلى حرمان أكثر من 100 ألف مزارع وعامل في قطاع الزراعة ومستفيد من هذه العملية سواء في مجال النقل والبناء والصناعة وغيرها من القطاعات الأخرى من مصدر رزقهم.وختاماً أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارئيل شارون يوم الجمعة الماضية انه بصدد تطبيق هذه الرؤية من خلال بناء الجدار الذي حسب قوله سيتيح المجال لإسرائيلي الدفاع عن نفسها بضم أجزاء واسعة من شرقي الضفة الغربية.
|