Saturday 20th december,2003 11405العدد السبت 26 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
الأُسرة.. وظيفةُ التفريخ
د. عبدالله بن ناصر الحمود(*)

ربما يُلقى بالملامة على مظاهر العصرية والتمدن أنْ انخرط أبناء المجتمع للعمل في مؤسساته المتعددة بشكل قد يصعب معه تجانس تلك المؤسسات أو تقارب أهدافها ووظائفها المجتمعية، فالتعددية في المصالح الرسمية والشعبية والاحتياجات المعقدة التي تميز المجتمع الإنساني المعاصر قد ألقت بثقلها على بني البشر حتى كادت كثير من القيم الاجتماعية تذوب في ثقافة الآلة والشرائح الالكترونية وفي ذرات الهواء والفضاء المليء بموجات الأصوات والصور المتزاحمة والمتضادة في أحيان كثيرة، ومن بداهة القول إن صانع هذا الواقع التقني المعقد جداً والمتحكم فيه هو الإنسان نفسه بما آتاه الله سبحانه وتعالى من علم يسير قليل، ويلاحظ ان هذا الواقع التقني المتعدد الكيانات العضوية والأنسجة الالكترونية قد ارتد أثره على الإنسان نفسه مفرزاً كيانات مجتمعية معاصرة هي أقرب في علاقاتها التكاملية الى الآلة والالكترون منها إلى النفس البشرية البسيطة، وبدا واضحا على المجتمع الإنساني نزعته أحيانا، وحاجته أحيانا أخرى الى التفرد والتشكل بعدد أشخاصه وفق منظومة ثقافية فكرية ومهنية خاصة لا تحتمل - بالضرورة - قبول التشابه والتماثل بين الأشخاص ولا تتلاقح فيما بينها، بل تتنافس في التفرد والتمايز مع الآخر حتى لو كان هذا الآخر أقرب الآخرين إلى النفس البشرية: الأب والأم والأخوة، فتكونت بذلك أُسر معاصرة ليس لها من مفهوم الأسرة سوى المنظومة الرسمية وعقد الزوجية، إن وجد.
ومع أن هذا الواقع الإنساني يبدو أكثر ترسخا في المجتمعات الصناعية المتطورة ماديا، إلا أن مجتمعنا السعودي قد بدأ منذ عقود قليلة ينشغل بهذه الثقافة أو انها قد بدأت هي تشغله - وفق وصفة خاصة به كمجتمع مسلم محافظ - باعتبار ذلك نتيجة طبيعية لتوجه المجتمع نحو مظاهر التقنية والتحديث والتمدن، ولما ألقته هذه الثقافة على المجتمع من تمايز أبنائه، فقد كادت بعض الأسر تغيب أو هي غابت عن مسؤوليتها في مجال التربية والتنشئة الثقافية والاجتماعية، وحل محلها وسائل وقنوات عصرية فائقة القدرة والتفرد بالانسان ليتشكل هو أو لتشكله هي وفق منظومة فكرية وسلوكية خاصة.
وقد أسهم هذا الأمر - عند فقدان الوعي الذاتي أو نقصه - في إخراج منتجات بشرية غير منسجمة مع محيطها المجتمعي وبالتالي أمكن ان تتحول تلك المنتجات الى معاول إفساد وهدم لذاتها ولمن حولها، يساعدها في ذلك تردي حال الأسر في مفهومها لدورها المجتمعي بشكل أصبحت معه مجرد أدوات للانجاب والتفريخ فقط، دون دور كبير وتحمل لمسؤولية التربية والتنشئة وفق المنظومة الثقافية للمجتمع وفي ضوء أطره ومبادئه وثوابته ومصالحه العليا، ربما أُتينا من تغلغل هذه الثقافة في مجتمعنا بالقدر الذي قد يفاجأ الأب أو تفاجأ الأم فيه بأن ابنهما قد أصبح إرهابياً!!.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved