|
|
ربما يُلقى بالملامة على مظاهر العصرية والتمدن أنْ انخرط أبناء المجتمع للعمل في مؤسساته المتعددة بشكل قد يصعب معه تجانس تلك المؤسسات أو تقارب أهدافها ووظائفها المجتمعية، فالتعددية في المصالح الرسمية والشعبية والاحتياجات المعقدة التي تميز المجتمع الإنساني المعاصر قد ألقت بثقلها على بني البشر حتى كادت كثير من القيم الاجتماعية تذوب في ثقافة الآلة والشرائح الالكترونية وفي ذرات الهواء والفضاء المليء بموجات الأصوات والصور المتزاحمة والمتضادة في أحيان كثيرة، ومن بداهة القول إن صانع هذا الواقع التقني المعقد جداً والمتحكم فيه هو الإنسان نفسه بما آتاه الله سبحانه وتعالى من علم يسير قليل، ويلاحظ ان هذا الواقع التقني المتعدد الكيانات العضوية والأنسجة الالكترونية قد ارتد أثره على الإنسان نفسه مفرزاً كيانات مجتمعية معاصرة هي أقرب في علاقاتها التكاملية الى الآلة والالكترون منها إلى النفس البشرية البسيطة، وبدا واضحا على المجتمع الإنساني نزعته أحيانا، وحاجته أحيانا أخرى الى التفرد والتشكل بعدد أشخاصه وفق منظومة ثقافية فكرية ومهنية خاصة لا تحتمل - بالضرورة - قبول التشابه والتماثل بين الأشخاص ولا تتلاقح فيما بينها، بل تتنافس في التفرد والتمايز مع الآخر حتى لو كان هذا الآخر أقرب الآخرين إلى النفس البشرية: الأب والأم والأخوة، فتكونت بذلك أُسر معاصرة ليس لها من مفهوم الأسرة سوى المنظومة الرسمية وعقد الزوجية، إن وجد. |
[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة] |