في ظل الظروف الساخنة من الصعب ان يتبين المرء الفرق بين رجل السياسة وبين رجل العصابة. فالقدرة على القيادة والمناورة عند كلا الشخصين تخفي كثيراً من معالم الفرق. ففي العالم الثالث تكاد تنطمس الفروق، فعملية اغتصاب السلطة والتربع عليها والسيطرة الفورية على وسائل الإعلام ووجود الأفكار الخرافية في أوساط الناس تربك المراقبين وتحتاج عملية الاكتشاف إلى سنوات ولا تتم إلا بعد فوات الأوان عندما تصبح الأمور في حاجة إلى رجل عصابة أكثر من رجل السياسة. فعندما تتورط الأمة وتدخل في متاهات تصبح الخطط الاستراتيجية عديمة الفائدة، فالنجاة مرهونة بالقدرة على المراوغة والذكاء المرحلي وهو ما يتمتع به رجل العصابة. ولذلك يتحول كثير من مغتصبي السلطة إلى أبطال قوميين؛ فالناس من طبيعتها تنسى، لا تتذكر كيف تم تأسيس هذه المشكلة ولكنها تصفق لقدرة الزعيم على إخراجهم منها أو تخفيف الخسائر التي كانوا سيمنون بها أو تصفق لقدرة القائد على تبريرها.
كثير منا قرأ عن رجال العصابات في شيكاغو، وبعض المدن الأمريكية الأخرى في بداية القرن الماضي، كانوا يعملون بطريقة تثير إعجاب حتى اعدائهم من رجال الشرطة والقانونيين ولكنهم في النهاية يسقطون بسبب ذكائهم الذي صنع منهم أبطالاً. لم يكن الواحد منهم قادرا على تصور عدد من العمليات في منظومة واحدة وإنما يخطط لكل عملية بمعزل عن العملية التالية لأنه أساسا لا يعرف ما هي العملية التالية. فمثلاً يخطط للسطو على بنك ويظهر في ذلك ذكاء لا مثيل له. إلا أن هذه العملية تبقى معزولة عن عملياته السابقة واللاحقة. ولا يعرف من رجاله سوى أنهم قادرون أو غير قادرين على تنفيذ هذه العملية التي يخطط لها. أما رجل السياسة فلا يظهر ذلك الذكاء في العمليات المرحلية لأنه مضطر دائماً إلى أن يربطها بعواملها كاملة وبالعمليات التي سوف ينفذها مستقبلا. يعني ما يسمى الاستراتيجية، فيبدو في بعض الأحيان بصورة الجبان أو قليل الحيلة... الخ.
مع الأسف حكم كثيراً من دول العالم الثالث كثير من رجال العصابات في ثوب زعماء سياسيين. وأظن أن هذا يعود إلى أسلوب تداول السلطة في هذا العالم، فالسلطة لا تنتقل بطريقة تكشف قدرات الرجال ولكن عبر فوهة المسدس.
أتذكر عبارة كانت تثير إعجابنا أطلقها أحد زعماء اليمن الجنوبي الثوري أظنه عبدالفتاح اسماعيل في السبعينيات من القرن الماضي عندما قال: رصاصة واحدة تنهي المشكلة. وبالفعل لقد أنهت رصاصة حياته كما أنهت حياة كثير من رفاقه. انتهوا كلهم كما انتهى كثير من رجال العصابات في أمريكا العشرينيات والثلاثينيات، لم يخرج منهم واحد من المعركة في صورة البطل التي صور نفسه بها.
لقد سقطوا عندما فشل إعلامهم في النهاية في تبرير ما جرى من تصارع على السلطة.
عندما يستولي هؤلاء الأبطال على السلطة يتجهون فوراً إلى وزارة الإعلام ويحكمون سيطرتهم عليها ويضمونها إلى جهاز المخابرات الذي اسهم في وصولهم الى السلطة وتتأكد سلطاتهم من تآخي هذين الجهازين وتداخلهما في جهاز واحد. لا يعمل رجل العصابة المستولي على السلطة إلا على رعاية هذين الجهازين، لذا لا استغرب هذه العاطفة الجياشة التي اجتاحت العالم العربي بعد سقوط صدام حسين بهذه الطريقة المهينة، فالاعلام والمخابرات صنعا صورة البطل، علماً بأن كل رجال العصابات يسقطون بهذه الطريقة.
فاكس: 4702162
|