* كتب - محمد الخضري:
يتزامن مع صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي 2004م الكثير من الآراء والتحليلات المتباينة من المهتمين والمختصين بقضايا الاقتصاد السعودي، ويغلب على معظمهم التفاؤل وهناك آراء ترى أنه لا يجب أن نكون متفائلين أكثر مما ينبغي أو بمعنى أدق ألا نغرق في التفاؤل ولا نكون أيضاً متشائمين بالقدر الذي ينشد الجميع عافية واستقرار الاقتصاد الوطني وايجاد برامج اقتصادية مدروسة ومخطط لها للارتقاء بأدائه ومحاربة أهم مشكلتين يواجههما المجتمع هما الفقر والبطالة قبل استفحالهما مما سيكون له آثار سلبية في استمرار ودفع عملية التنمية.
رجل الأعمال المعروف الأستاذ وهيب بن زقر له وجهة نظر حيال النمو الجيد الذي شهده الاقتصاد السعودي خلال العام المالي الحالي والعام المالي القادم وذلك لارتفاع عائدات البترول وتنامي الإيداعات المصرفية ولاسيما بعد عودة الكثير من الرساميل الوطنية من الخارج وتنامي حجم الاستثمار الأجنبي والوطني فيقول:
من المهم ألا ننسى أن الإنسان لا بد أن يتحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى، وإذا لم يحدث ذلك فهذا نوع من الجحود الذي يؤدي الى نتائج سلبية لكن في الوقت نفسه ليس من الفطنة خلط الأوراق وتجميع العبارات واستخدام المؤشرات المتعارف عليها كوسائل لتحديد معالم طريق أو طرق اقتصاد نام متكامل و نشاطاته واضحة وظاهرة تختلف كلية عن اقتصاد في طور النمو، ونموه مرتبط ارتباطاً مباشراً بنشاط ريعي عرضة لتقلبات خارجية وليس لها أي دخل بالأحداث الداخلية، ولا يمكن في ظرف من الظروف أو وقت من الأوقات أن نتحدث عن المخاوف التي يواجهها الاقتصاد نتيجة اتكاله على مصدر واحد من الدخل وأهمية تنويع وإيجاد نشاطات اقتصادية متنوعة وأيضاً أهمية وجود مجهودات البحث عن نشاطات دائمة ومستديمة مرتبطة بطبيعة الاقتصاد وتتدرج في النمو والعطاء وعلى مرور سنوات طويلة توفر الطمأنينة والراحة دون ترجمة هذه الأقوال والمشاعر بالأعمال التي تقلل الاتكالي الريعي، كما أن الاقتصاديات الخارجية والسعي الحثيث للجهات التي ترتكز اقتصادياتها ارتكازاً مباشرا على طاقة مستوردة تعمل على اضعاف حاجتها لنا وعلى الرغم من أنه ليس من السهل الوصول إلى هذا الهدف، يجب علينا أن لا ننسى أو لا نتناسى أنه مضى علينا أكثر من أربعين سنة ونحن نتحدث عن حساسية هذا الموضوع ومخاطره وأهمية مواجهته وتحقيقه وناهيك أنه لم يوضع برنامج يمكن من السير بخطوات حثيثة في هذا الاتجاه فنحن ما زلنا نتفنن بالتقديرات التي نتوقعها ونخلط بين التمنيات والتحديات.
اقتصادنا اليوم وأمس وغداً هو اقتصاد استهلاكي والحركة التي نعيشها هي حركة تعكس الإنفاق الذي توفره الدولة بالصرف على ارتباطاتها عن طريق الميزانية لإدارة أعمالهم عن طريق الاستفادة من هذا الإنفاق في تمويل الاستيراد والانشغال في عملية التوزيع من الوصول إلى مداخل الموانئ حتى أفواه المواطنين.
فالحمد لله نحن في نعمة اليوم وأيضاً بالأمس وإن شاء الله في الغد، لكن هذه النعمة تتطلب المقارنة بين الدخل القومي وبين الإنفاق، والفرق بين الحالتين يمثل الإضافة إلى الانقاص للثروة المتوفرة في البلاد، بينما أرصدت الأموال التي نتحدث عنها نتيجة للإحصائيات التي نقرؤها في فترات متفق عليها سواء كانت شهرية أو ربع سنوية أو سنوية هي أرقام لأموال موجودة وايداعات في البنوك والخارج وتمثل في ظاهرها ثروة قائمة لا علاقة لها بالفوائض أو المدخرات وباطنها احتمال كبير لمغالاة في الثروة.
* ممكن توضح الأمر؟
الإيضاح بسيط جداً.. أنه أي إيداعات للبنوك تفرض على البنك أن يخصص جزءاً منها احتياطياً لمواجهة أي متطلبات، وما يزيد عن ذلك للبنك كامل الحرية أن يقرضه لمن يشاء، فإذن ليست إيداعات البنوك إضافة دخل وليست مدخرات بقدر ما هي إجمالي إيداع زائد إقراض زائد احتجاز مبالغ لمواجهة أي طلبات، ونعتبر هذا الرقم عبارة عن تركيبة من عناصر مختلفة على أنه مؤشر لازدهار الاقتصاد ونموه وتوسعه ونغلط أو نغالط أنفسنا على انها مدخرات بينما هي تراكمات ثراء مثل الأراضي والعمائر.. إلخ.
* لكن ماذا عن نسب النمو التي يتوقعها الاقتصاديون التي تتراوح بين 5 - 7%؟
لا أعلم إذا كان ذلك رغبة في إسعاد النفس أو التباهي بأمر غير موجود، يا أخي الدول التي لديها نشاط اقتصادي قوي ولديها حجم إنتاج ضخم ولها دور واسع في التجارة الدولية تتحدث عن أرقام قريبة للصفر والدول الصناعية تتحدث عن 2% وعندك مثلاً الصين والهند تظهر أن نموها يرتفع إلى 7% ويقارب 10% وحتى هاتين الدولتين لو رجعنا للمنطق وقراءة كتب الاقتصاد فإننا نجد أن هذه الأرقام تعكس النشاط الرسمي والتعاملات الرسمية ولكن لا يدخل فيها النشاطات المختلفة الأخرى، فبالنسبة للصين تتحدث الإحصائيات عن الأجزاء المختارة للنمو والتنمية من الاقتصاد الصيني والاقتصاد الهندي في برامج اقتصادية محددة ومعينة، ولا يدخل في هذه الإحصائيات المناطق المتروكة (على علاتها) والمواطنين الذين ليسوا جزءاً من التركيبة التي تدخل ضمن النشاط الإنتاجي والصناعي والاقتصادي المرسَّم، فالأسلوب المتبع في الإحصائيات لا يهتم بهذا الجانب، لكن مع مرور الزمن ووفق برنامج التنمية يطولها التنامى، يضاف إلى الكلية، فإذا نحن في بلدنا نهتم ونرغب في رعاية اقتصادنا فعلينا أن نسلك ونتابع طريق العمل المنتج والفرص المتاحة للاستفادة منها في تركيز الجهود لزيادة الإنتاجية وتوسيع قاعدتها ونماء الدخل. يعني وبنظرة بسيطة لو حاولنا أن نستعرض إعلامنا المتمثل في الصحافة والتلفزيون وأقوم بحصر للموضوعات المعروضة والكتابات المقدمة والدراسات المفصلة، تجد أن الاقتصاد في مؤخرة الاهتمام، بمعنى أن أي صحيفة يومية يوجد بها قسم للاقتصاد.. لكن ليس هناك صحيفة للاقتصاد بالمعنى الذي يتابع ويعكس برنامجاً تنموياً موضوعاً واقتصاداً متضاعفاً وهذا شيء غير موجود.. لأن التفكير اقتصادياً غير متوفر والاهتمام بزيادة النشاطات الاقتصاد غير وارد.. بينما الاقتصاد في واقع الأمر هو عصب الحياة.. والحياة هي لقمة العيش.. والحمد لله أن اللقمة متوفرة في وقتنا هذا.. لكن متوفرة بدون تساو بين طبقات المجتمع وحتى لا تتماشى مع نص الآية الكريمة {وّرّفّعّ بّعًضّكٍمً فّوًقّ بّعًضُ دّرّجّاتُ} أقصد الدرجات في الثروة.. والدرجات في الكسب.. والدرجات في العمل والدرجات في الإنتاج غير متوفرة في مجتمع إسلامي. ما أود الوصول إليه أن هناك اقتصادياً حاجة ملحة للاهتمام بالنواحي المعيشية التي تتعرض لحياتنا التي هي الطريق لمحاولة إيجاد الحلول للفقر والبطالة ان أهم مشكلتين اقتصاديتين تواجههما بلادي.. هما البطالة والفقر وإذا لم أتوجه في هذا الاتجاه.. أقصد اتجاه معالجة هاتين المشكلتين فإني أعتبر أن عدم توفير متابعة اقتصادية لمتوسطي الدخل وبعضهم حتى يأخذوا حصتهم من العمل في طريق تكوين الثروات ولدخولها، هو مضيعة ولهو لا يختلف عن نشاط الكرة الذي تفرد له الصحف عدداً من الصفحات ومن التحفز والاهتمام أكثر من الاقتصاد: وأنا هنا أتحدث عن خطورة السماح بالتوسع في التزاماتنا الاجتماعية والحياتية عن طريق مصدر دخل واحد وضرورة اهتمامنا بتعدد المصادر وتوفرها، وتوسيع قاعدة الأعمال والنشاطات لتستوعب عاملين هذا في حد ذاته برنامج واسع جداً إذا التزمنا به بعد وضعه واقراره.
* نحن منذ أول خطة تنموية ونحن نتحدث عن مصادر تنويع الداخل، وأنت ذكرت في سياق طرحك السابق اننا ما زلنا نعيش على مصدر دخل واحد وهو البترول، هل خلال هذه السنوات لم تثمر الثروة المتوفرة في البلاد في إيجاد بدائل اقتصادية رديفة.. ولا نقول بالحجم نفسه وبالضخامة نفسها للبترول في دعم ومساندة الاقتصاد ثم إلى متى نظل نعيش في ظل اقتصاد ريعي؟
كمواطن أعتبر اقتصادنا ناجحاً في الاستفادة من الدخل الريعي، لأن الاستهلاك يقابل هذا الدخل الريعي، فأنا التاجر يصلني دخل متوفر عن طريق الإنفاق من الدولة على هذا الاقتصاد الريعي، وأي تاجر أو رجل أعمال أو موظف يستفيد من دخله أو مرتبه لتأمين مشترياته ومقتنياته لكن لا ننكر أنه خلال الفترة التي مضت قامت مشاريع وحدثت استثمارات، وكان بعضها بديلاً عن الاستيراد والبعض الآخر تمثل إضافة في الفرص الموجودة وتحقق دخلا حقيقيا، ومن هذه الأشياء مثلاً صناعة البتروكيماويات، فإذن هناك مشاريع إنتاجية وذات عائد ضخم وأنا لم أقل من الأساس أنه لا يوجد مثل تلك المشاريع، لكن التفاوت كبير بين النشاط الاستثماري والنشاط الاستهلاكي لدرجة أنه على الرغم من الدخل الكبير الذي يوفره الاقتصاد الريعي إلا أننا منشغلون بالكتابة والنقاش، ومهتمون بالجانب السلبي من هذا الموضوع، وهو كيف نسدد هذا الدين؟ والمهم ليس كيف نسد هذا الدين بقدر معرفة الأسباب والمبررات لقيامه حتى لا يتكرر حدوثه الاّ ضمن الاعتبارات الاقتصادية الدولية المعتمدة وهنا يحضرني مثل شعبي قديم يقول «أنت وقعت.. ولا رماك الجمل..» فليس المهم كيف وقعت بقدر ما يهم كيف تستطيع مرة أخرى الصعود على ظهر الجمل.
وإذا صعدت على ظهر الجمل مرة ثانية حاول ألا تقع. إذن المطلوب هنا، هل لدينا رغبة في أن نعمل من أجل مستقبلنا اقتصادياً أم أننا مكتفون فقط بالحديث والكلام عن الموضوع ولأن هناك من يغالي في أن الأحوال من أفضل مما يكون، وأنا أيضاً أقول بلا أدنى شك أن أحوالنا طيبة وأنها تتحسن وتسير نحو الأحسن ولكن هذا التحسن ليس كافياً لمواجهة الزيادة الحاصلة يومياً سواء في أعداد السكان أو في الطلب على السلع الاستهلاكية وانظر لما تستهلك.. فأي منتوج جديد سواء يمثل تحسيناً لما تعودت عليه أو إضافة إلى ما لم تعتد عليه.. تجد أنك تركض خلف هذا المنتج إضافة لما هو متوفر لديك وهذا شيء جيد إذا استطعت دفع ثمنه ولكن..!! نحن الآن نواجه مصاعب تحمل متطلبات الحياة في يومنا هذا فكيف يكون وضعنا ونحن مركزون كل جهودنا ورغباتنا أن نزيد من امتلاك إضافة استهلاكية جديدة.
هناك أمر ملح وهو أن توجهك ورغبتك كمواطن ومجموعة وكوطن أن تحض على الادخار والاستفادة بتشغيل ما لديك من ثروات، وأن نتعلم مبادئ الاقتصاد، الذين يتحدثون عن الاقتصاد أتمنى عليهم أن يكونوا أمناء وصادقين مع أنفسهم وأن يتأكدوا من استخدامات الكلمات و الألفاظ والمعاني الصحيحة والدقيقة في الأمور المتعلقة بالاستثمار والادخار والثروات.. والإنفاق.. إلخ، فنحن ليس لدينا ادخار.. وللأسف أننا دائماً نخلط بين المسافة والسرعة لأن المسافة شيء ثابت بينما السرعة محددة بالزمن للمسافة المتوفرة. إذا كانت المسافة إلى الثروة مقننة والسرعة إلى المدخرات متأخرة فان الوطن يعيش على ممتلكاته وهي إلى النقص لا الزيادة ناهيك عن أعباء ارتفاع الأسعار وزيادة الرغبات والسكان.
* أفهم من كلامك أننا مستهلكون ولا نجيد الادخار.. وأننا ننفق أحياناً أكثر مما نأخذ، سؤالي: كيف نوجد أوعية ادخارية للمواطنين ذي الدخول المحدودة التي بالكاد تفي باحتياجاتهم، وإن كان بعض المواطنين يستثمر فوائضه النقدية في الاستثمار بالأسهم المحلية؟
يا أخي أنت في حاجة أن تقرر ما تريد، فإن أردت أن تنفق وتقضي كل حياتك في الأكل والشرب فهذا لك.. ولكي تكون خلاف هذا لا بد من وجود برنامج وخطة، عامة تفصيلية وزمنية تضعها الجهة المسؤولة وتحدد الجوانب للمسؤولين عن تطبيقها وتكون هناك أهداف لها، أما بدون خطة نلزمك وتلزمني وتلزم كل واحد منا، فالنتيجة ستكون هي السهولة في الحياة التي من الممكن أن تستمر طالما أن الدخل الريعي متوفر ومتوفر بتزايد لأن الطلب عليه في تزايد، والموضوع ليس موضوع سن نظام ووضع قوانين فالأمر أكثر وأكبر من هذا، ثم رحم الله امرأ عرف قدر نفسه.
النظم والقوانين توضع بين يوم وليلة دون أن يسمح لها أن تبدأ صغيرة ثم تكبر ونلاحظ نقاط الضعف ونقاط القوة، إذن علينا أن نعي أن القوانين والنظم يجب أن توضع من قبل أناس لديهم العلم والخبرة بأمور الحياة المعيشية.. فإما أن يتدرج وينمو التنظيم في المجتمع وإذا جاء بصورة فرض على المجتمع فينبغي أن يكون مدروسا ومعروفا، لأن الاقتصاد متعلق بالإنسان.. والإنسان غاية لا تدرك، ولعلنا نتذكر لما يتعلق بحديثنا انه قبل أربعين سنة كان يفتح جسم الإنسان أو يفتح قلبه وتستبدل شرايينه بينما الآن أصبح بالإمكان توقيف القلب والسيطرة عليه، فمعالجة الوضع الاقتصادي لا يخرج عن معالجة تعامل الناس مع بعضها البعض، ومتابعة الأمور بشكل دوري والإنسان بطبيعته طماع - ولهذا نجد أن تكوين الاقتصاد وترتيباته في إجمالياته لا يختلف من بلد إلى بلد لكن عند تطبيقه لا بد من النظر إلى الكل.. أقصد كل أفراد المجتمع بعين الاعتبار.. ولكي تأخذهم بهذه النظرة الشاملة عليك أن تمنحهم ما يحقق الفائدة لهم جميعاً ويجب أن تعد التنظيم الذي يجعل كل واحد من هذه التركيبة ويأخذ مقابل ما يقدم من عمل، ثق تماماً أن هذا الحديث الدائر بيني وبينك نأمل أن يسهم في فتح نوافذ جديدة.
* أستاذ وهيب كيف نستطيع أن نحول اقتصادنا من اقتصاد إنفاقي إلى اقتصاد استثماري ادخاري؟
علينا أن نتدرج في الموضوع ثم علينا أن نحيد العناصر التي تعترضه، ثم نشجع المعطيات التي يحتاجها وأستطيع أن أقول لك: إن كثيرا من النظم الاقتصادية المتخصصة العالمية لا تتناسب مع الوضع الإجمالي الذي نحن فيه، بل انها تتعارض مع الأفكار التي لم تسهم في ترتيبها وتكوينها، ولا توفر الهدف المرجو والمطلوب وعلى سبيل المثال ما يتعلق بالتأمين الصحي والتأمين العام.
* كيف يا أستاذ؟
النظم التي تتعلق بمعاقبة المسيء ومكافأة المحسن الذي يقدم عملا طيبا، تختلف كثيراً عن النظم التي تتعلق بالأعمال التي توفر الترابط.. وتوفر أيضاً التعامل الصحيح مع المفردات الجديدة التي أصبح الكل يرددها مثل الشفافية، وهذه الكلمة أنا أعتقد أنها كلمة استوردناها حديثاً كما استوردنا كلمة التخصيص ونطبقها وفقا لهوانا ولا عجب لما ينتج عنها.
أعود إلى سياق الموضوع وأقول: إن أي نظام يتعلق بحياة الناس يجب أن يكون له تاريخ، فالنظم والقوانين التي تتعلق بالإنسان ومعيشته ورزقه هي مثل الشجرة، يجب أن تزرع في أرض طيبة وهذه الشجرة يجب أن يكون لها جذور وتكون في الأساس نبتة طيبة، حتى تراها تنمو وتكبر أمام عينيك، هنا الشفافية لابد أن تظهر في جميع هذه المراحل من (طق طق لسلام عليكم).
ما أود قوله: إن هناك نظما اقتصادية مهمة ومفيدة لها ما يبرر قيامها لكن المبرر لوجودها مختلف تماما عن الهدف الذي قامت من أجله، أو الطريقة والأسلوب المتبع في تنفيذها يختلف كلية عن المقصود بها.
* لماذا لم يعد الناس تهتم كثيراً بالميزانية عند صدورها كما كان يحدث في السابق، وكيف تكون الميزانية ضمن سياق المفهوم الاقتصادي الذي تحدثت عنه؟
حين كان الناس يهتمون بالميزانية ويتابعون صدورها.. كان ذلك أثناء الزيادة الكبيرة في الدخل الحكومي والتوجه في الإنفاق على الخدمات الأساسية، فاهتمام المواطن لأنه كان يلمس ويشعر بما تعطي له هذه الميزانية وهذا أمر طبيعي في الإنسان، فالكبير والصغير حين تعطيه ونمنحه يهتم بك.. وهذه هي نفس الأحوال في كثير من اقتصاديات العالم.
ولكن مع مرور السنين قل الإنفاق على الخدمات الأساسية وكان الاستثمار والإنفاق طويل الأمد كان جزءاً من الميزانية العامة بينما الآن أصبحت الميزانية في معظمها تمثل مصروفات الدولة السنوية، وهذا أمر أصبح متكرراً في ميزانيات السنوات الأخيرة، ففي العيد تفرح الناس بانتهاء صيامهم وعودة الناس إلى الخط الطبيعي للحياة.. فلم يعد هناك حفلة أو احتفال لهذه المناسبة بالنسبة لهم فالميزانية ليست إلا مجرد أداة لتوضيح الدخل والإنفاق.
لكن المؤثر هي الأعمال التي تنتج عن هذا الإنفاق، وفي الوقت الحاضر ليس هناك أعمال أو مشاريع، والإنفاق الذي يتم عن طريق الميزانية هو عامل مساعد للحركة الاستهلاكية، لكن هذا الاستهلاك ربما يعتريه الكثير من الهدر ولا يمكن إيقاف الهدر إلا بإحدى طريقتين، إما بوضع قوانين ونظم تحد من الاستيراد أو تحدد نوعية الاستيراد بالطريقة التي توقف الهدر أو تقلل منه، وهذا شيء غير وارد وغير منطقي وهو مرفوض من أساسه، والطريق الثاني هو القيام بمجهود كبير بالبحث والتقصي لإيجاد فرص تؤدي إلى إعطاء دخل إضافي للمواطنين، بتدريبهم أن يعملوا وفق خطة للنماء.
وهنا أتذكر عند ذهابي لأول مرة لبريطانيا للدراسة حينما استفسر عن إيضاح لأي عمل يحدث هناك يقولون لك.. هذه المواصفات البريطانية «British Specifications» أي المرجعية للصواب والخطأ هو المواصفات البريطانية. ونحن لدينا الآن موضوع العودة، تضمها قوانيننا وبضائعنا وإنتاجنا والكثير من الأشياء وهذا شيء جيد جداً أنك تخضع الأشياء لمواصفاتك.. لكن ما الفائدة إذا كان هذا النظام غير مبني على قاعدة معلوماتية معرفية تقنية قوية تمكنك من تطوير عمل وتحسين إنتاجك.. والمؤسف أن الوافدين أعدادهم زادت و مستوياتهم العلمية والتقنية في حدود المتوسط ومنخفضة جداً، ونحن نتحدث عن سعودة الوظائف.. لا شك أن هناك من يتوظفون ويزداد العدد لكن في المقابل هناك ازدياد في عدد الوافدين فأنا لا أعتقد أن تقييم الوضع الاقتصادي وتحديد الاتجاهات أمر ممكن تحديده في ورقة واحدة أو جلسة عمل واحدة بل يتطلب اخذه مثل الماء طوال الليل والنهار.
وكثير من الخلل الحادث في أوضاعنا الاقتصادية ومسيرتنا الاقتصادية هو من عملنا نحن وفي كثير من الأحوال ليس لها أي اتصال بالفكر الاقتصادي المتبع في كثير من الدول النامية، ونحن في حاجة أن ننسى اجتهاداتنا ونتجاهل الأمور التي تخلق لنا الكثير من الضبابية وندخل في نقاش صريح وجريء من الاقتصاد.
* معنى هذا أنك ترى أنه إذا أردنا إنعاش اقتصادنا أن نقوم بحوار ونقاش شامل لإعادة النظر في هياكلنا الاقتصادية؟
هنالك حاجة ماسة للنقاش المستمر والبحث المستديم في الأمور التي تهم معيشة المواطن.
إذا كان الاقتصاد السعودي يشكل ربع اقتصاديات الدول العربية مجتمعة وتقول أنت أننا مقصرون في التخطيط لاقتصادنا؟
من هو المخطط؟ وهل هو كفء أم غير كفء؟ وهذا هو المهم وأنا لا أختلف معك أن الاقتصاد السعودي في حجمه الإنفاقي اقتصاد كبير في المنطقة وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، لأن مساحتك الجغرافية أكبر من أي منطقة أيضاً تعداد سكانك ودخلك أكثر من أي منطقة وأيضاً احتياجاتك أكثر من أي منطقة، وبالتالي تصبح مشاكلك أكثر من أي منطقة. والموضوع ليس موضوع ما هو الخطأ وما هو الصواب بقدر ماذا تريد، لكني أعود أوقول: إن اقتصادنا هو اقتصاد إنفاقي وسهل على كل مخطط أن يحقق نجاحا كبيرا طالما أن الدخل يتخطى الإنفاق، لكن إذا كان الإنفاق يزيد عن الدخل فتلك مشكلة كبيرة جداً ولاسيما أن مصدر الدخل يتأثر بعوامل خارجية، وأعتقد أن عامل الوقت مهم جداً لأننا لا نستطيع أن نقيم وضعنا اليوم على خلفية ثلاثين أو أربعين سنة مضت، حيث اختلفت المتطلبات والاحتياجات ان اقتصادنا تتوفر له حركة استهلاكية كبيرة ويفتقد إلى حركة انتاجية فاعلة. الاقتصاد السعودي مثل المارد الساكن واذا تحرك فان كامل المنطقة ستتحرك ويلهث خلفه المستثمرون الصناعيون.
* اقتصادنا ما زال بعافيته وهناك الكثير من الأمل والتفاؤل بالنسبة للقادم إن شاء الله كيف تنظر للمستقبل؟
نحن في نعمة من الله.. ونحن في خير كثير بحمد الله، ولدينا فرص كثيرة وكبيرة وأيضاً لدينا كثير من التعقيدات التي نوجدها بأنفسنا ونتعجب لوجودها أسمع دوماً كلمة الروتين من حوالي خمسين سنة.. من أوجد الروتين؟ أو التابوت الذي نضع أنفسنا فيه خلينا نعمل بصورة مستمرة دراسة للروتين.. أعتقد أننا نحن أوجدنا هذه الكلمة منذ ذلك الوقت، كما أن أي شيء نريد عمله نشكل له لجنة.. في الوقت الذي نشتكي جميعنا من كثرة اللجان، ولو تساءلنا لماذا هذه اللجان؟ سنجد الإجابة أن بعض النظم والقوانين بحاجة إلى إعادة النظر والتقييم للكثير من هذه الأنظمة وهذه وجهة نظري بالنسبة للأمور التي أعتقد أنني أفهمها ودرستها.
أما بالنسبة للمستقبل إن شاء الله سيكون أفضل علما بأن الحاضر والماضي لم يكونا سيئين بل الأمور كانت طيبة وجيدة.
ولكن هل طموحنا في الحياة أن نجعل كل إنسان سعيداً.. هنا أعود وأكرر الآية الكريمة التي ذكرتها في أول حديثي {$ّرّفّعّ بّعًضّكٍمً فّوًقّ بّعًضُ دّرّجّاتُ}.
وأتذكر زيارة سمو ولي العهد حفظه الله للفقراء في رمضان قبل الماضي وطالب بتأمين متطلبات الفقراء للحد من هذه الظاهرة.. وأنا اطلعت على البرامج التي عملت لمعالجة الفقر وأعتبرها برامج جيدة لفترة زمنية قصيرة.. ولكن علينا أن نبحث عن حلول للمدى البعيد وذلك بإيجاد فرص عمل وأيضاً إلى خدمات إنسانية واجتماعية وتعليمية ولكي يسير الاقتصاد بالشكل والصورة المناسبة والمقبولة بحيث ان تتيح نظمك وقوانينك الفرصة لكل من يريد أن يعمل أن يجد عملا وإذا كنت ثرياً يجب أن يسمح نظامك للآخرين أن يكونوا أثرياء وتظل أنت ثريا في الوقت نفسه.. ونحمد الله أننا في بلدنا نتمتع بحرية كبيرة في النقاش والحديث في الأمور التي تعود بالفائدة على الوطن والمواطنين، أما ما يخرج عن حدود نطاق الفائدة، أو ما يجلب الضرر فنحن أبعد الناس عن ذلك، طالما أن هدفنا مصلحة واحدة.. لأن هذا الوطن وطننا جميعاً.. ونسعى جميعاً لخدمته ومصلحته ومصلحة أبنائنا وأجيالنا.
|