Saturday 20th december,2003 11405العدد السبت 26 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المنشود المنشود
و.... وجد إنسانيته!
رقية الهويريني

ينظر لنفسه بالمرآة
السيد عصام..
يمرر أصابعه على رأسه..
صلعته تزداد اتساعاً كلما ازدادت طموحاته التي تحولت إلى أطماع لا تنتهي!
وها هو يخسر ثروته كما خسر تعرجات أضراسه الطبيعية فأضحت ملساء من عوامل الحنق الذي يعتريه حين يرى أمواله تتبدد ولا تكاد تعود!!
وهو لم يعتد الخسارة..
فهو يعمد إلى إخفاء آثارها النفسية كما اعتاد على ان يخفي طموحاته داخل هذه الصلعة فإن تحققت انفرجت شفتاه عن أسنان بيضاء، واختفت عيناه الصغيرتان في دهاليز وجهه.. الذي يحيرك كثيراً حين تنظر إليه ولا تعرف من خلاله إن كان سعيداً أو أنه صاحب معاناة!
وقد عانى كثيراً وهو يلهث خلف مكاسب دنيوية.
وتحققت كل الأماني!
فقد تزوج من أجمل فتيات العائلة، وأنجبت له أولاداً أسوياء في الخلقة ومتفوقين في الدراسة والعمل.
ها هو يسكن في حي راق تحيط به قصور الأثرياء، وتحتضن شوارعه السيارات الفارهة وتعبق من أجوائه روائح الفل والنرجس.
إلا أنه لا يكاد يعرف أهل هذا الحي..
ترى ما جدوى أن يكون له جيران بهذا المستوى.. وهو لا يعرف منهم أحداً!
هنالك تذكر أنه لم يؤد صلاة الفريضة في مسجدهم القريب منذ أمد ولم يلتق بجيرانه في أي مناسبة.. أعاد تمرير أصابعه على رأسه حتى انزلقت يده الى طرف أذنه اليمنى..
تحسسها وفطن إلى اعتياد ألم يفاجئه بين آن وآخر، ونتيجة لانشغاله الدائم لم يتمكن من علاجها.
أخذ يتفقد نفسه.. وهاله أن يرى شعيرات بيضاء تغزو معظم وجهه.
تنهد طويلاً، دلف إلى غرفته.. تصفح بعض الجرائد القابعة على إحدى الطاولات.
قرأ.. ولأول مرة يجذبه إعلان!! الاعلان يتحدث عن تطور في علاج الصلع وتساقط الشعر!! في الإطار صورتان لرجل قبل وبعد العلاج.. قبل العلاج تظهر صورة الرجل وهو متجهم وصلعته تلمع كإحدى قطع البلياردو، أما صورته بعد العلاج فهو يبتسم بكل ثقة.
ابتسم بمرارة فلا زال طعم خسارته الأخيرة يتحلب في فمه..
مرارة الهزيمة تطغى على حلاوة الانتصار، والأرباح التي طالما أفرغها من جيوب البسطاء.. يقلب صفحات الجريدة.
ويقرأ فيها مقالة لكاتب مغمور يصور اشتياق مغترب لأمه الحبيبة ولحضنها الدافىء..
ويسهب في العبارات التراجيدية..
انتبه السيد عصام وكأنه استيقظ من سبات عميق!
قام بسرعة متجها نحو الباب..
وكأنه تذكر امراً قد نسيه! أو وجد شيئاً قد فقده
خرج من منزله.. امتطى عربته.. دون أن يرتدي «شماغه» كما اعتاد!
ابتلعته الشوارع الفسيحة بعض الوقت، ثم لفظته في شارع ضيق.
يقف..
يطرق أحد الأبواب المتشابهة.
يُفتح الباب..
تخرج سيدة عجوز تتعثر في خطواتها.. تتجه نحو الشارع تردد كلمات الوداع المألوفة..
تتبعها سيدة تقف بالباب وهي تستحثها ألا تتأخر عنها في الزيارة القادمة، ويظهر انها احدى الجارات فقد اتجهت صوب الباب المقابل بنفس الشارع الضيق وهي تتمتم بأسماء الله التامات!!
ترفع العجوز الواقفة بالباب رأسها.
تتفحص وجه هذا القادم..
يحني السيد عصام قامته المديدة.. مكبّاً على يد والدته يقبلها..
تمرر أصابعها على رأسه وهي تقول: عصام ما بالك يا بني فقدت شعرك؟!
يرفع رأسه.. يقيم صلبه إلا قليلاً،
عيناه تسبحان في بركة من الدموع.. وهو يقول:
لقد فقدت ثروتي!!
وأعاني من ألم في أذني..
وقد جرح أحد أصابع يدي..
وانهمر في شكواه..
لقد عثر «عصام» على إنسانيته التي فقدها منذ أصبح ثرياً!!

ص.ب 260564 الرياض 11342

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved