انه لحدث عظيم فعلا أن يحل «بيلى» بمكان ما بفرنسا، وقد كان قدوم بيلى وفريقه سانطوس إلى باريس مناسبة مكنت الصحفيين من أن يكتبوا مقالات عديدة حول ملك كرة القدم، معتمدين على انطباعاتهم الشخصية وعلى ما كتبه «الاخصائيون» في بيلى. وقد خصصت باريس لبيلى استقبالا منقطع النظير، وغص ملعب كمولب بآلاف المتفرجين لمشاهدة هذا الرجل الذي هزمهم وحده منذ ثلاث سنوات.
وقدم الفرنسيون فريقا يتمنى الناخب الوطني الفرنسي لو كان هو فريقه الرسمي، فهو مكون من أجود لاعبي أجود فرق فرنسا سالت ايتيين ومرسيليا، ويضم إلى جانب العناصر الوطنية، عناصر أجنبية، كما ديسون السويدي، وسكويلار اليوغسلافي، والنجم اللامع المالي. جاء الفرنسيون اذن لمشاهدة بيلى ورفاقه.. في سانطوس، ولكنهم في الواقع تحفوا من الجانب الفرنسي، لا من الجانب البرازيلي، فقد كان الفرنسيون متفوقون في سائر الخطوط، كان الانسجام باديا على هذه المجموع المكونة من عناصر فرقتين استحكم بينهما العداء، وكانت الروح الجماعية تحرك هذه المجموعة، فكانت الحملات منسقة، وكانت فرص الاصابات كثيرة، وكان تجلى الكفاءة الفردية لبعض لاعبي هذه المجموعة، ككيتا - الذي صاح له الجمهور من الأعماق، وقد جاء في الواقع ليصيح لبيلى، وليهتف لبيلى، حتى المعلق الرياضي الذي كان يسبق الأحداث والذي لم يخف تعاطفه مع بيلى، والذي كان يرفع صوته كلما أمسك بيلى الكرة، فيبدي اعجابه بتمريراته وبطريقة ضبطه للكرة، فاذا ما أساء التمرير أو اساء التسلل (فبيلى في نظره لم يسعفه الحظ) أو انه مراقب بشدة من طرف خصومه أو أنه «مشى» على الكرة، حتى هذا المعلق، لم يستطع اخفاء هذه الحقيقة وهي ان المجموعة الفرنسية كانت متفوقه، على صعيد الافراد والجماعة، فهل من سبب لذلك؟
علي أي، لم يكن خافيا على احد ان الفريق الفرنسي هو الذي كان يلعب وحده بحرارة، وان الفريق البرازيلي جاء ليقدم عرضا يظهر فيه كل لاعب مهارته الفردية، ولكن الذي حدث ان الفرنسيين لم يكونوا ينظرون إلى المسألة بنفس المنظار، اذ أفسدت جديتهم على البرازيليين هذه الرغبة في استعراض مهارتهم الفردية، ويكفي دليلا على ذلك ان بيلى ولنأخذه كمثال، قام بعملية خطيرة واحدة داخل المربع الفرنسي، فقد احتفظ بالكرة في رجله يوهم المدافعين انه سيقذفها، فاذا ارتفعوا لحركته، مرر الكرة إلى رجله الأخرى وأعاد العملية ثلاث أو أربع مرات، ثم مكنها إلى زميله الذي قام بنفس العملية، الى أن أبعد المدافعون الكرة.
كانت العملية رائعة جداً، من حيث ان لاعبا يستطيع التلاعب بالكرة بهذه الطريقة وسط غابة من الأرجل. تأتي بعد هذه العملية، القذفة القوية التي مرت على بعد بضعة سنتمترات من الخشبة العمودية اليمنى للحارس، ثم ضربة الجزاء التي كانت غاية في الروعة، الى جانب بعض التمريرات الكلاسيكية. فهل هذا وحده كفى آلاف الفرنسيين الذين أموا الملعب؟ أعتقد أن نعم فان هذا اللقاء لم يكن مباراة من النوع العادي، لقد كانت مهرجانا رياضيا لمشاهدة ملك كرة القدم شاهدتها في تلفزيون تونس في الأسبوع الماضي عندما كنت في زيارتها في جولة استطلاعية استغرقت عشرة ايام.
هكذا فلتكونوا:
.. ليعلم الذين لا يعلمون ان اللاعب الرياضي هو الذي لا يعرف الا انه خلق للرياضة.. ومن اجل الرياضة.. ولا يترك مجالا لنفسه في ان يستغل لقبه كلاعب رياضي.. ولا يترك مجالا لنفسه وكذلك لشهرته.. لينبسط على حسابها.. ولينال كل ما تشتهيه نفسه وأهواؤه.. وانما يتحلى بقيم اخلاقية ومثل عليا.. واللاعب الرياضي.. انسان.. يمارس انسانيته في ابعادها الكاملة وعمقها الاصيل.. وما أحلاها من ممارسة.
حاول أن تفهم!!
* موهبة رياضية ثقافة رياضية = صفر!
* موهبة رياضية + ثقافة رياضية = فن!
وقفة..
ناس لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب.
مالك ناصر درار |