عندما بدأت في كتابة هذه الحروف القابعة داخلي، أعادني شريط الذكريات إلى ذلك الفيلم القصير. لكنه كان ذا معنى.. قد يتعلم منه الإنسان درساً.. وقد يمر عليه مرور الكرام دون أن يعي القصد الذي يرمي إليه..!
لحظات في حياتنا خزنتها ذاكرتي.. وها هي اللقطات المتداخلة تعيد إلينا صوراً من الماضي..!
ذلك هو الشاب الذي جاء الى حينا ليقطن فيه مع أسرته، وكثيراً ما كان يقف مثل أي شاب في الطرقات يتحدث ويضحك.. ويعيش حياة الشباب التي يملأها الفراغ وجزء كبير من وقته ضائع.!
كان يمسك بسيجارته وينفث دخانها في الفضاء الواسع.. وينتظر أي فرصة مواتية ليفعل ما يريد.. وطال انتظاره!
إن تصرفاته تدلل على أنه شاب عابث يحيا بلا طموح أو هدف.!
فليس هناك شيء يشغله لأن رب الأسرة رجل مقتدر وميسور الحال فقد سهّل لهم جميع احتياجاتهم.!
لم ألمح شيئاً من الطموح في عينيه.. بل أجده لساعات طوال يتبادل اطراف الحديث مع أصدقائه.. وحياته يسودها الفراغ القاتل مثل غيره الكُثر.!
وأرغمتني الظروف القاهرة للسفر للخارج.. وبعد عودتي بمدة طويلة.. اختفى صاحب الدخان المتصاعد ومراقب سكنات السكان وتحركاتهم.
كذلك غابت ضحكات الأصدقاء الذين يطيلون السهر معه حتى ساعات متأخرة من الليل..!
وعلمت أن رب الأسرة قد ادخل للعلاج في أحد المستشفيات وابنه يقيم معه ويرعى شؤونه.. ومضت رحلة المرض العصيبة مع ذا*ك المريض وطالت المدة أكثر من سبعة أشهر، ولم أر ذاك الفتى الذي هدأ الحي بغيابه..!
وما أبلغ الحديث عن الفراق واللحظات العصيبة حين تلامس الفرد منا..
فقد شاء الله أن يتوفى رب الأسرة.. وتتبدل الموازين.. بشيء غير اعتيادي.. فبعد مدة طويلة من الوقت شاهدت ذاك الشاب الذي لم استطع ان اتعرف عليه بسهولة، فقد كان في المأتم الذي أقيم لوالده.. ولكنه بمظهر مختلف عن ذي قبل، فأطلق لحيته وأصبح مطأطأ الرأس.. وتبدل أسلوب حياته كلياً.. وأمسى يحمل عبء مسؤولية أسرة بأكملها.!
تعجبت من تغيره المفاجئ، وكانت قناعتي الخاصة ان المصاب الجلل في حياتنا لهو سبب كاف لأن نستيقظ من سباتنا.!
فيا ليت «تدركنا اليقظة قبل فوات الأوان»، حتى نصحح مسارات عمرنا المتبقي.!
مرفأ
الحق فلول شعاع الشمس قبل أن يتداركه المغيب.! |