ولو أن الأخطاء تعالج بالأخطاء لما بقي طالب واحد في مقاعد الدراسة، ولولد الانسان كبيرا مدركاً إذ أن الصغير يتعلم ممن يكبره في السن والجاهل يتعلم من المتعلم، والغافل ينبه، والمتجاوز يزجر، والمخطئ يعاقب، واستخلف المولى الانسان بالأرض التي لم تحملها الجبال وحملها الانسان إنه كان ظلوماً جهولاً، ومن نعم المولى جلت قدرته بأن قيض للخير والحب والمودة والرحمة أناساً قدروا الله حق قدره، وإذا قدر الله للانسان ان يبلغ من القوة ما يشبع غروره في الفتك بالبلاد والعباد، فحري به ان يتذكر قدرة الله عليه وأنه قادر سبحانه بأن يسلب هذه القوة منه في طرفة عين ويجعله بائساً وهو حسير، ومهما بلغ الظلم أوجاً، وشكل الشر فوجاً، واعتقد الظالم بأنه الوحيد في الساحة ولا أحد يراقبه أو يحاسبه فانه قطعاً مخطئ في تصوره، بل خولت له نفسه الأمّارة بالسوء هذا الامر، وقد يكون عقاب المولى عز وجل سريعاً شديداً في الوقت نفسه، وقد يتخذ العقاب اشكالاً متعددة من انتشار للأوبئة وتفجر للبراكين الغاضبة، والأعاصير العاتية، ومهما برع الإنسان في صنع آلته فإنه يقف عاجزاً وحائراً أمام زلزال يشق الأرض ليبتلعه، وآلته المزهو بها، وتباين البشر واختلافهم في معايير القوة أو العلم أو الأدب فإنها حكمة ارادها الخالق جل وعلا، ولا يقتصر الظلم على العمل بل انه يشمل القول، وقد يسوغ القول التبرير لوقوع الظلم حتى يخاله الظالم حقا ليمارس الاجحاف في حق نفسه لعدم تثبته وتحققه ويطال الآخرين وإقحامهم في دائرة شكوكه وظنونه التي لا تستند على بينة أو دليل واضح بل ما برح أعوان الشر يستميلونه شيئاً فشيئاً لتطغى العاطفة على العقل وتلحق الرعونة بالعمل ويقع في المحظور في مرحلة لن يجد اعداء الامة عناء في انتهازها، بل انه بذلك يمنحهم الهدية تلو الهدية، لينالوا من هذا الدين وأهله قبحهم الله أنى يؤفكون، والى صاحب القلم فقبل ان تملأ هذا النحيل بالحبر وهو بين اصبعيك تذكر بأن ارواح العباد بين اصبعي الخالق تبارك وتعالى يقلبها كيف يشاء، واحرص اشد الحرص قبل ان تفرغ ما في جوف قلمك من افكار تجول بذهنك، واعلم بأن الكتابة دين:
هذي الكتابة دين أنت غارمه
كل بما سطرت يمناه مرتهن |
فإذا منحك الله سبحانه المقدرة والموهبة وسخرتها في معصية الرحمن فحري بك أن تدرك بأن المولى يستطيع أن يجفف ماء عينيك قبل ان يجف حبرك، فلا تدع الغرور يملي عليك ما تشك فيه قطعاً باليقين، فإن بلغت مرحلة الشك، قف وتأمل وحق لك ان تسأل ولا تجعل زخرف القول جسراً ينحدر بك الى الهاوية، لتصل الى هدف قريب المدى وتحقيق مجد زائف لا يفتأ ان يبور، ولتكن الرفعة لبلوغ هدف اسمى هي المعيار الدقيق ويكمن تحقيق هذا الهدف في الحكمة ورأسها مخافة الله ومن نافلة القول ان التوازن الدقيق والمحكم في الطرح، امر في غاية الأهمية اذ ان مسار السفينة، يعتمد على البحارة ومدى مهارتهم وبراعتهم في قيادتها، فان هم أحسنوا القيادة والتجديف، فإنها ستبحر شامخة غير عابئة بالأمواج المتلاطمة التي تواجهها، ولن تلبث بإذن الله تعالى في أن ترسو في مرفأ الحق مرفأ الأمان والاطمئنان، والعض على هذه الثوابت النقية الصافية بالنواجذ، فان وجد السوس مجالاً لاختراقها فإنه لن يلبث مخلخلا هذه الاسنان الواحد تلو الآخر، ليضعف من تماسكها اذ ينبغي اجتثاث السوس الذي يصيب احد الاسنان لئلا يمتد تأثيره على البقية، فإذا كان السوس قد بلغ مبلغا، يصعب اجتثاثه، فان خلع هذه السن خارجا أجدى من تركه، فلا منفعة منه بل ان ضرره يمتد شيئا فشيئاً، فحري بنا ان نراجع الله سبحانه وتعالى في أمورنا كلها وان نتحقق ونتثبت، وان نحسن الظن في اتخاذ القرارات السليمة المناسبة وفقا لشريعتنا السمحة لئلا نصيب قوما بجهالة سواء بالقول او العمل ونندم بعد ذلك، ولينظر الانسان الى السماء ويتأمل قدرة الباري عز وجل وكيف يسير هذا الكون في توازن دقيق مذهل وان يحسب الأمور بمنظور العاقل المدرك، فإن قدر له ان يعيش عشرة أعوام فإنه لن يعيش عشرين وان عاش مثلها فإنه لن يعيش أكثر منها ليعود إلى خالقه.. حينئذ بأية اجابة سيقابل ربه؟
اسأل المولى ان يوفقنا الى العمل الصالح وان يحسن خواتيم أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
قال زهير بن أبي سلمى:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
ثمانين حولاً لا ابا لك يسأم
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب
تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم |
* شركة اليمنى للسيارات/الرياض ج: 054466712 |