عند الحديث عن إنجازات الأمم يجد المتفحص لمجريات الأمور بأن الإنجازات التي تغير وجه الحياة تتزامن مع تقدم الأيام وتطور الظروف المحيطة، إلا أننا نجد عند استقراء تاريخ تطور الإنسان وما يقدم له من خدمة هي في الأصل نتاج اندماج التطور العلمي مع الواقع الاقتصادي والبيئي والاجتماعي لبلد ما.
ونجد بروز أحداث مهمة في تاريخ الإنسان والبلدان هي بمثابة قفزات نوعية تتخطى حاجز الزمن وتختصر عشرات السنين لتبلغ بنا مبلغ الأمم المتطورة وتواكب الأحدث والأرقى.
وبإلقاء نظرة فاحصة على الإنجازات الصحية في هذا البلد الكريم نجد أمثلة حية على ما ذكر، وخصوصاً فيما يتعلق بالخدمة الصحية لمرضى القلب حيث برز اسم المملكة العربية السعودية بما لا يدع مجالاً للشك كأفضل دولة عربية تقدم خدمة عالمية متميزة لمرضى القلب، ومن الأبرز على مستوى العالم أجمع، بشهادة أطباء الغرب لدى زيارتهم لنا في المملكة.
وكما هي سنَّة الخالق عز وجل فإن الأحداث البارزة ترتبط برجال شهد لهم التاريخ بإنجازاتهم التي فرضت نفسها على أرض الواقع. ونحن في المملكة العربية السعودية لا نكاد نذكر خدمة القلب العالمية المقدمة لأهل هذه البلاد الكريمة إلا ويبرز اسم سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء و وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في الضمائر والأذهان لإنجازاته المشهودة في هذا المجال.
وجرياً على عادته حفظه الله في تلمُّس حوائج المواطن السعودي وجسِّ نبض آلامه وآماله كانت مكرمة سموه في هذا العيد المبارك لأهل الأحساء، مكرمة بحجم المأمول من صاحب القلب الكبير سلطان الخير حيث وجه سموه الكريم بإنشاء مركز قلب مستقل متخصص هو في الحقيقة واجهة حضارية لنا جميعاً في شرق المملكة العربية السعودية.
ومنذ تلك اللحظة المباركة اتخذت الجهات المعنية المختصة في وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة كافة التدابير لسرعة تنفيذ التوجيه الكريم. وكما قيل فإن من يرى ليس كمن يسمع. فلقد لمست بتواصلي مع اللجان المختصة مدى الاهتمام والجدية العالية والتسارع في الخطى لتنفيذ الأمر الكريم. ولقد حرص سلطان الخير على أن ينبع هذا المشروع الجبار من أهل المنطقة ومن الاحتياج الحقيقي لتقديم خدمة طبية عالمية المستوى.
وبالفعل كان ذلك حيث تمت الدراسات المبدئية وتحديد الموقع المناسب بيننا وبين اللجان المختصة، ثم قمنا - بناء على التوجيه - بإعداد التفاصيل الكاملة لما سيكون عليه «مركز الأمير سلطان لعلاج أمراض القلب وجراحته بالأحساء» وبعد اطلاع مدير الشؤون الصحية بالأحساء ومدير عام الشؤون الصحية بالمنطقة الشرقية ومباركتهم المبدئية، قمنا بإرسال المقترح إلى إدارة الخدمات الطبية بوزارة الدفاع. بعدها بدأت مرحلة من النشاط المكثف والتنسيق المتبادل للوصول إلى صيغة نهائية للمركز، وبالفعل كان حيث تمت الموافقة على المقترح الذي أعددناه بالكامل، وأعيدت صياغته بما يتناسب مع الرسوم الهندسية المتخصصة.
وخلال فترة قصيرة جداً أرسل إلينا المقترح بصيغته النهائية وتمت الموافقة ولله الحمد والمنَّة. وما هي إلا أيام حتى أُبلغنا بعدها بنية سلطان الخير للقدوم للمنطقة لوضع حجر الأساس للمركز كهدية ثمينة لأبناء المنطقة في عيد الفطر المبارك.
وفي الحقيقة فإنه بإلقاء نظرة على منطقة الأحساء يبدو جلياً الأعداد المتزايدة من مرضى القلب بقطبيه الكبيرين الأطفال والبالغين. وتبدو الحاجة ماسة لتقديم خدمة قلبية على أعلى مستوى لرفع العناء عن أهل هذه المنطقة الغالية من مملكتنا الحبيبة.
أما عن الخدمة المقدمة حالياً فإنه ينقصها عمليات التشخيص والعلاج المبضعية كما تفتقر إلى وجود جراحة القلب وجراحة القلب المفتوح. وبالرغم من امكانية التحويل إلى مراكز القلب المتقدمة في الرياض إلا أنه لا يخفى العناء الذي يتحمله المريض وذووه في عملية الانتقال وما يمثله ذلك من عبء اجتماعي وعائلي ونفسي بالدرجة الأولى. كما لا يخفى أن عدد سكان مملكتنا الحبيبة في ازدياد وهذا بلا شك يمثل ازدياداً في الاحتياج للخدمة الصحية القلبية مما يثقل كاهل قوائم الانتظار في مراكز القلب المتخصصة في الرياض.
وبالرغم من علمنا التام بأن القائمين على تلك المراكز لا يألون جهداً في استيعاب تلك الأعداد، إلا أن الأمر يخرج عن حدود الطاقة الاستيعابية في أحيان ليست بالقليلة.
ونظراً للصفة الإسعافية وضرورة التدخل في أقصر وقت التي تتميز بها الخدمة القلبية عن سواها، فإنه لا يخفى بأن حدوث وفيات أو مضاعفات لمرضى القلب كباراً وصغاراً أمر وارد.
ويزداد الوضع سوءاً في حالة أمراض القلب الخلقية الأزرقاقية المعقدة، حيث يتدهور وضع الطفل فور خروجه من رحم الأم إلى الهواء الخارجي مما يتطلب تدخلا فوريا وإلا تعرض الطفل للوفاة أو تغيرات لا رجعية في خلايا الدماغ بسبب نقص الأكسجين.
أما في حالة البالغين فإن من عايش أحد أحبته المصابين بنقص حاد للتروية الدموية القلبية والجلطات يعلم تماماً مدى الحرج لمثل هذه الأوضاع والحاجة الماسة لتوفر علاج فوري غير قابل للتأخير. كما يعلم من عاني مثل هذه الأوضاع الحرجة ما يداخل نفس المريض وأهله من ألم نتيجة فراق الأحبة ومعاناة السفر وتكاليف الإقامة.
لقد استشعر صاحب القلب الكبير هذا كله وأكثر، ومن هنا وجه حفظه الله بأمره الكريم وهو في الحقيقة تغيير لواقع مرِّ وإشراقة جميلة دافئة لفئة من الناس هي في أمسَّ الحاجة ليد سلطان الخير، وأننا مهما أوتينا من بيان لا يسعنا تفصيل الحال لما يترتب على إنشاء مركز بهذا الحجم من خير نابع من قلب الخير وسلطان السعد جعله الله في ميزان أعماله وأنعم عليه بخيري الدنيا والآخرة.
ومن المتوقع أن يقدم مركز الأمير سلطان لعلاج أمراض القلب وجراحته خدمة قلبية عالية التخصص، تشمل أدق وسائل التشخيص بالموجات فوق الصوتية بوسائلها المتطورة وكذلك بالقسطرة القلبية والتصوير باستخدام النظائر المشعة وأشعة جاما. كما سيكون المركز بإذن الله قادراً على إجراء عمليات القلب المفتوح شاملة لعمليات أمراض القلب الخلقية وإبدال الصمامات وعمليات الشرايين التاجية وخلافها وكذلك إجراء التدخلات العلاجية عن طريق القسطرة من قفل للأوعية الدموية وفتح لأخرى وإجراء القسطرة الكهربائية القلبية والتي تشمل حرق بعض الوصلات المؤدية لاضطرابات النبض. وسيكون المركز مجهزاً لخدمة زرع منظمات النبض والصدمات الكهربائية مزيلة الرجفان البطيني.
كما أن المركز وبإذن الله سيكون محطة انطلاق جهود بحثية سيستفيد منها الوطن والمواطن على النطاق المحلي والمعرفة الطبية العالمية على النطاق العالمي.
وسيكون باكورة هذه الجهود البحثية بإذن الله مشروع أمراض القلب الخلقية وأثر العوامل البيئية والجنينية للمملكة العربية السعودية التي ستقود فيه باقة من العلماء في علوم القلب والجينات وعلوم البيئة والتغذية وإدارة المعلومات من جامعة الملك سعود ووزارة الدفاع ومركز الأبحاث بمستشفى الملك فيصل التخصصي، وهم جميعاً سعوديون وعرب عدا باحثة أمريكية متخصصة في إدارة المعلومات.
ولقد أبدى سمو سيدي الأمير سلطان اهتمامه الكامل بهذا المركز كما بدا جلياً بتوجيه فرق العمل ومتابعتها حتى أثمر الجهد عن وضع حجر الأساس، الذي وجه فيه سموه بسرعة الإنجاز في وقت لم يتوقعه أكثر المتفائلين، حيث أمر سمو سيدي بإنهاء المشروع خلال سنة واحدة وحث على مواصلة العمل للتقيد بالفترة الزمنية المحددة.
نعم إن مثل هذا لا يأتي إلا من العظماء الذين قل أن يجود بهم الزمن، نصره الله وأيده ساعداً يمنى لمولاي المليك وولي عهده وذخراً للدين والوطن.
وإني حيث أجزل الثناء لسلطان الخير لعلى يقين بأننا عاجزون عن رد ذرة من فضائل هذا الرجل المعطاء ولكن لا يسعنا إلا الدعاء لسموه بالخير والمنعة والسؤدد، والشكر والثناء موصول لرجال سلطان الأشاوس سعادة الطبيب اللواء كتاب العتيبي - مدير عام إدارة الخدمات الطبية بوزارة الدفاع وكذلك سعادة المهندس سعد الرميح - مدير إدارة الأشغال العسكرية بالوزارة ورجاله المخلصين العميد مهندس أسامة منصور والعقيد مهندس خالد قباني وسعادة اللواء عبدالعزيز الماجد - مدير عام إدارة التشغيل والصيانة بالوزارة ورجاله المخلصين العقيد مهندس متعب العتيبي والنقيب مهندس سليمان السكيت الذين شرَّفنا العمل معهم في المرحلة الإعدادية للرسوم الهندسية للمشروع.
جزى الله سلطان القلوب خير الجزاء إنه سميع مجيب.
|