سَلْسَلْتُ شعري في هواكَ غماما
وسكبتُه فوقَ الثَّرى أنغاما
وطني وما زالَ الحنينُ يردُّني
طفلاً بحبِّك ما بلغتُ فطاما
كحَّلتُ بالألقِ الوهيجِ محاجري
ورعيتُ عهداً للحِمى وذِماما
حمَّلْتُ أسرابَ النخيلِ قصائداً
تُهْدِي إليكَ محبةً وسلاما
ورفعتُ حُبَّكَ في يَدَيَّ بيارقاً
وجلوتُهُ في مُقْلَتي أحلاما
ومشيتُ في أرضِ الطهارة والعلا
أَشْتَمُّ منها عَنْبراً وخُزامى
أنا كلَّما رُمْتُ السُّلوَّ رأيتُني
أزدادُ فيكَ محبةً وهُياما
لوحاتُ عزِّكَ ما يزلْنَ مناظراً
قَدْ أدهشتْ ألوانُها الرَّساما
جاوزتَ في المجدِ الكلامَ فقلْ إذاً:
من أيِّ بحرٍ أستعيرُ كلاما
وطني إذا عدَّدتُ للنعَمِ التي
أعطيتَها لم أُحْصِها أرقاما
***
بوركتَ من وطنٍ أقامَ على التُّقى
صرحاً وأحسنَ في العصور قياما
الله كرَّم بالبيان تُرابهُ
وأعزَّ فيه الحقَّ والإسلاما
وحَمى شعائرهُ ووحَّد شعبهُ
وأعدِّه للعاكفينَ مقاما
وبَنى على الدينِ الحنيفِ طريقَهُ
وأزالَ عن صحرائِهِ الأصناما
جنَّاتُه العطراتُ طرفي لم يزلْ
فيها يجولُ وينهلُ الإلهاما
أمشي وأسرابُ النخيلِ بجانبي
فوقَ الرمالِ توزِّعُ الأنساما
وحفيفُ أشجار الغضَا أُصغي لها
مُتَقَرباً فأخالهنَّ حَماما
من كلِّ وادٍ ذكرياتٌ للعلا
وحكايةٌ شَفَّتْ هوىً وغَراما
إن خطتِ الأقلامُ سِفْراً خالداً
فكتابُ مجدكَ خلَّد الأقلاما
ولأنتَ أشرفُ بقعةٍ فوقَ الثَّرى
وبنوكَ أكرمُ معشراً وأناما
بلدٌ بظلِّ الله أصبحَ آمناً
وبكلِّ ما يبغيهِ نالَ مُراما
يتنهدُ التاريخُ فوقَ ترابه
وعلى ثراهُ يُنَضِّرُ الأياما
فإذا رجالُ العزِّ ظلُّوا مثلما
كانوا على مرِّ العصورِ كراما
مصرُ الكنانةُ حدَّثتْ عن مجدهم
والشامُ تذكرُ لو سألتَ الشَّاما
منهمْ قبستُ مشاعلاً وضَّاءةً
تمحو بنورِ الكبرياءِ ظلاما
ركزوا على شُمِّ الذُّرا أعلامهم
وحَمَوا بصدقِ الموقفِ الأعلاما
عربٌ إذا استصرختهم ملؤوا الثَّرى
جُرْدَاً ضوامرَ ما عرفنَ لجاما
كفلوا لهذا الشرق عزَّته وما
زالوا به شُمَّ الأنوف عظاما
غرسوا كنخل رِمالهِمْ حُباً به
واسْتنبتوه أُخوةً تتنامى
وبنوه بيتاً بالمحبة عامراً
وشفوا نفوساً يشتكين سقاما
مدُّوا جِفانَ العزِّ ما سكبوا بها
للآكلين سوى الإباءِ طعاما
أَوْلى بحبِّ الناس في أوطانهم
مَنْ يتقونَ الله والأرحاما
وأَحبُّ خلقِ اللهِ من لم يَرْتَضُوا
لعبادِه والمؤمنينَ خِصَاما
هذي مضاربُهم يودُّ النَّجمُ لو
نصبوا له بينَ الخيامِ خياما
حكمُوا بما أمرَ الإلهُ وحرَّموا
ما كانَ في الدينِ الحنيفِ حراما
وبنوا على هديِ الشريعةِ أمةً
تَخِذتْ من الحقِّ المبينِ إماما
هي نعمةٌ لا أسألُ الرحمنَ مِنْ
شيءِ لها إلاَّ غِنىَ ودواما