* الرياض - شيخة القحيز
جددت رابطة العالم الاسلامي استنكارها وشجبها لأعمال التفجيرات الارهابية التي وقعت بالمملكة.. والبلدان الاسلامية وما خلفته من ضحايا بشرية بريئة. ودعوا الى عدم اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية.. واعتبرت في بيان صادر من مجلس المجمع الفقه الاسلامي في الرابطة الأعمال الارهابية عدواناً على النفس والمال وترويع الآمنين.. وفيما يلي نص البيان: إن مجلس المجمع الفقهي الاسلامي برابطة العالم الاسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19- 23/10/1424هـ الذي يوافقه 13- 17/12/2003م، قد نظر في موضوع «التفجيرات والتهديدات الارهابية: أسبابها - آثارها - حكمها الشرعي - وسائل الوقاية منها» وقد قدمت فيه أبحاث قيمة. شخصت هذا الداء الوبيل وحذرت مما ينجم عنه من الفساد العريض والشر المستطير وأوضحت حكمه في شرع الله بالقواطع من الكتاب والسنة والحكمة والتعليل، ووصفت العلاج الناجع لقطع دابره، وقلع نبتته الخبيثة من مجتمعات المسلمين. وقد عرضت ملخصات لهذه الأبحاث من قبل مقدميها، وجرت حولها مناقشات مستفيضة أكدت الحاجة الى بيان حكم الشرع المطهر فيه لعموم المسلمين أفراداً وجماعات ودولاً وشعوباً، ولغير المسلمين من مفكرين ومنظمات وهيئات ودول. والمجلس إذا يدرك - بألم بالغ وحزن عميق - خطورة آثار الأعمال الارهابية والتفجيرات التدميرية في البلدان الاسلامية بخاصة، وفي أقطار العالم وأممه بعامة، وما خلفته من ضحايا بشرية بريئة، ومآس انسانية خطيرة، واتلاف للأموال التي بها قوام حياة الانسان، ودمار في المرافق والمنشآت، وتلويث للبيئة التي ينتفع بها الانسان والحيوان والطير. وإذ يذكر المجلس ببيان مكة المكرمة بشأن الارهاب الصادر عنه في دورته السادسة عشرة التي عقدت في مكة المكرمة في الفترة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه 5-10/1/2002م. وما اشتمل عليه من بيان لتحريمه وتجريم مرتكبيه في شريعة الاسلام، وشجب واستنكار لما يلبس به المغرضون والحاقدون من ربطه بدين الاسلام واتهامه به زوراً وبهتاناً، فإنه يقرر اصدار هذا البيان باسم «بيان مكة المكرمة بشأن التفجيرات والتهديدات الارهابية». وذلك وفق ما يلي:
أولاً: إن الارهاب مصطلح، لم يتفق
دوليا على تعريف محدد له، يضبط مضمونه ويحدد مدلوله. لذا فإن مجلس المجمع يدعو رجال الفقه والقانون والسياسة في العالم الى الاتفاق على تعريف محدد للارهاب تتنزل عليه الأحكام والعقوبات، ليتحقق الأمن وتقام موازين العدالة، وتصان الحريات المشروعة للناس جميعاً، وينبه المجلس الى أن ما ورد في قول الله تعالى:{وأّعٌدٍَوا لّهٍم مَّا اسًتّطّعًتٍم مٌَن قٍوَّةُ ومٌن رٌَبّاطٌ الخّيًلٌ تٍرًهٌبٍونّ بٌهٌ عّدٍوَّ اللَّهٌ وعّدٍوَّكٍمً وآخّرٌينّ مٌن دٍونٌهٌمً لا تّعًلّمٍونّهٍمٍ اللَّهٍ يّعًلّمٍهٍمً ومّا تٍنفٌقٍوا مٌن شّيًءُ فٌي سّبٌيلٌ اللَّهٌ يٍوّفَّ إلّيًكٍمً وأّنتٍمً لا تٍظًلّمٍونّ} [الأنفال: 60] . يعني إعداد العدة للمسلمين ليخافهم عدوهم، ويمتنع عن الاعتداء عليهم، وانتهاك حرماتهم، وذلك يختلف عن معنى الارهاب الشائع في الوقت الحاضر.
ويشير المجمع في هذا الصدد الى ما ورد في بيان مكة الصادر عن المجمع بأن الارهاب: هو العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الانسان في دينه، ودمه، وعقله، وماله، وعرضه، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق، وما يتصل بصور الحرابة واخافة السبيل وقطع الطريق، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد، يقع تنفيذاً لمشروع اجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى القاء الرعب بين الناس، أو ترويعهم بايذائهم، أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر، ومن صنوفه الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة، أو تعريض أحد الموارد الوطنية، أو الطبيعية للخطر، فكل هذا من صور الفساد في الأرض التي نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عنها، قال تعالى:{ولا تّبًغٌ الفّسّادّ فٌي الأّرًضٌ إنَّ اللَّهّ لا يٍحٌبٍَ المٍفًسٌدٌينّ} [القصص: 77] .
ثانياً: إن عدم الاتفاق على تعريف
محدد للإرهاب اتخذ ذريعة الى الطعن في أحكام قطعية من أحكام الشريعة الاسلامية، كمشروعية الجهاد والعقوبات البدنية من حدود وتعزيز وقصاص، كما اتخذ ذريعة لتجريم من يدافع عن دينه وعرضه وأرضه ووطنه ضد الغاصبين والمحتلين والطامعين، وهو حق مشروع في الشرائع الإلهية، والقوانين الدولية.
ثالثاً: استنكار إلصاق تهمة الارهاب
بالدين الاسلامي الحنيف - دين الرحمة والمحبة والسلام - ووصم معتنقيه بالتطرف والعنف، فهذا افتراء ظالم تشهد بذلك تعاليم هذا الدين وأحكام شريعته الحنيفية السمحة، وتاريخ المسلمين الصادق النزيه. قال تعالى مخاطبا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {ومّا أّرًسّلًنّاكّ إلاَّ رّحًمّةْ لٌَلًعّالّمٌينّ} [الأنبياء: 107]، وقال عز من قائل: {الچـر كٌتّابِ أّنزّلًنّاهٍ إلّيًكّ لٌتٍخًرٌجّ النَّاسّ مٌنّ الظٍَلٍمّاتٌ إلّى النٍَورٌ بٌإذًنٌ رّبٌَهٌمً إلّى" صٌرّاطٌ العّزٌيزٌ الحّمٌيدٌ><ه1ه> اللَّهٌ الذٌي لّهٍ مّا فٌي السَّمّوّاتٌ ومّا فٌي الأّرًضٌ ووّيًلِ لٌَلًكّافٌرٌينّ مٌنً عّذّابُ شّدٌيدُ} [إبراهيم: 1 - 2]، وقال:{فّبٌمّا رّحًمّةُ مٌَنّ اللَّهٌ لٌنتّ لّهٍمً} [آل عمران: 159]، وقال:{خٍذٌ العّفًوّ وأًمٍرً بٌالًعٍرًفٌ وأّعًرٌضً عّنٌ الجّاهٌلٌينّ} [الأعراف: 199] ، وقال: {لّقّدً جّاءّكٍمً رّسٍولِ مٌَنً أّنفٍسٌكٍمً عّزٌيزِ عّلّيًهٌ مّا عّنٌتٍَمً حّرٌيصِ عّلّيًكٍم بٌالًمٍؤًمٌنٌينّ رّءٍوفِ رَّحٌيمِ} [التوبة: 128] . وقال صلى الله عليه وسلم:«بعثت بالحنيفية السمحة»، وقال لأصحابه:«إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين» رواه البخاري في صحيحه، وقال:«يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا» متفق عليه، وقال:«إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يعطي على ما سواه» رواه مسلم في صحيحه، وقال :«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه»، وقال:«من يحرم الرفق يحرم الخير كله» رواهما مسلم.
رابعاً: لوجود الغلو والارهاب في
بعض المجتمعات الاسلامية أسباب عديدة ومتنوعة، قد توجد جميعها في بيئة معينة أو زمن معين، وقد تختلف باختلاف البيئات والأزمان منها ما يعود الى المنهج العلمي، كالتأويل واتباع المتشابه، أو الى النهج العملي، كالتعصب ونحوه، وتحديد الأسباب ومعالجتها، عمل علمي يجب ان يتوافر عليه مختصون يدرسون الواقع عن علم، فلا تكون الأقوال ملقاة على عواهنها، وقد لحظ المجلس كثرة الخلط في الكتابات عن أسباب الغلو والارهاب، مما يستدعي دراستها بعلم ورشد ووضع السبل لمعالجتها، ويرى المجلس في مقدمة هذه الأسباب: 1- اتباع الفتاوى الشاذة والأقوال الضعيفة والواهية، وأخذ الفتاوى والتوجيهات ممن لا يوثق بعلمه أو دينه، والتعصب لها. مما يؤدي الى الاخلال بالأمن وشيوع الفوضى وتوهين أمر السلطان، الذي به قوام أمر الناس وصلاح أمور معاشهم وحفظ دينهم. 2- التطرف في محاربة الدين وتناوله بالتجريح والسخرية والاستهزاء والتصريح بابعاده عن شؤون الحياة، والتغاضي عن تهجم الملحدين والمنحرفين عليه وتنقصهم لعلمائه أو كتبه ومراجعه وتزهيدهم في تعلمه وتعليمه. 3- العوائق التي تقام في بعض المجتمعات الاسلامية في وجه الدعوة الصادقة الى الدين الصحيح النقي المستند الى الكتاب والسنة وأصول الشرع المعتبرة على وفق فهم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة المعتبرين. فإن التدين فطرة فطر الله عباده عليها، ولا غنى لهم عنه، فمتى حرموا من العلم بالدين الصحيح والعمل به تفرقت بهم السبل وتلقفوا كل خرافة وتبعوا كل هوى مطاع وشح متبع. 4- الظلم الاجتماعي في بعض المجتمعات؛ وعدم التمتع بالخدمات الأساسية، كالتعليم والعلاج، والعمل، أو انتشار البطالة وشح فرص العمل، أو تدهور الاقتصاد وتدني مداخيل الأفراد، فكل ذلك من أسباب التذمر والمعاناة، مما قد يفضي الى ما لا تحمد عقباه من أعمال اجرامية. 5- عدم تحكيم الشريعة الاسلامية في بلاد غالبية سكانها من المسلمين، واحلال قوانين وضعية محلها مع وفاء الشريعة بمصالح العباد وكمالها في تحقيق العدالة للمسلمين وغيرهم ممن يستظل بظلها، ويتمتع برعايتها، كيف لا وهي شرع الله الذي {لا يّأًتٌيهٌ البّاطٌلٍ مٌنً بّيًنٌ يّدّيًهٌ ولا مٌنً خّلًفٌهٌ تّنزٌيلِ مٌَنً حّكٌيمُ حّمٌيدُ} [فصلت: 42] . 6- نزعة التسلط وشهوة التصدر التي قد تدفع بعض المغامرين الى نشر الفوضى وزعزعة أمن البلاد، تمهيداً لتحقيق مآربهم غير آبهين بشرع الله ولا نظام ولا بيعة.
خامساً: آثار الإرهاب
إن أعمال الإرهاب عدوان على النفس والمال وقطع للطريق، وترويع للآمنين، بل وعدوان على الدين، حيث تصور الدين بأنه يستبيح حرمة الدماء والأموال، ويرفض الحوار، ولا يقبل حل المشاكل والنزاعات مع مخالفيه بالطرق السلمية، كما يصور المسلمين بأنهم دمويون ويشكلون خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وعلى القيم الحضارية وحقوق الانسان، وهذا يؤدي الى أضرار ومفاسد تنعكس على مصالح الأمة الاسلامية الأساسية، وتعوق دورها الرائد في نشر السلام والأمن وتبليغ رسالة الاسلام للناس، وحماية حقوق الانسان، ويضر في نفس الوقت بعلاقات المسلمين السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والاجتماعية مع غيرهم من الشعوب، ويضيق على الأقليات الاسلامية التي تقيم في دول غير اسلامية وتعزلهم سياسياً واجتماعياً وتضر بهم اقتصادياً، سواء أكان هؤلاء مواطنين في هذه الدول، أم وافدين اليها لدراسة أو تجارة أو سياحة أو سفارة أو مشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية.
سادساً: الحكم الشرعي في الأعمال
الارهابية من تخريب وتهديد وتفجيرات الأعمال الارهابية التخريبية من تفجير للمنشآت والجسور والمساكن الآهلة بسكانها الآمنين معصومي النفس والمال من مسلمين وغيرهم ممن أعطوا العهد والأمان من ولي الأمر بموجب مواثيق ومعاهدات دولية، وخطف الطائرات والقطارات وسائر وسائل النقل وتهديد حياة مستخدميها وترويعهم وقطع الطرق عليهم واخافتهم وافزاعهم، هذه الممارسات، تشتمل على عدد من الجرائم المحرمة التي تعتبر في شرع الاسلام من كبائر الذنوب وموبقات الأعمال، وقد رتب الشارع الحكيم على مرتكبيها المباشرين لها والمشاركين فيها تخطيطاً ودعماً ماليا وامدادا بالسلاح والعتاد وترويجا اعلاميا يزينها ويعتبرها من أعمال الجهاد وصور الاستشهاد، كل ذلك قد رتب الشارع عليه عقوبات رادعة كفيلة بدفع شرهم ودرء خطرهم، والاقتصاص العادل منهم، وردع من تسول له نفسه مسلكهم، قال تعالى:{إنَّمّا جّزّاءٍ الذٌينّ يٍحّارٌبٍونّ اللَّهّ ورّسٍولّهٍ ويّسًعّوًنّ فٌي الأّّرًضٌ فّسّادْا أّن يٍقّتَّلٍوا أّوً يٍصّلَّبٍوا أّوً تٍقّطَّعّ أّيًدٌيهٌمً وأّرًجٍلٍهٍم مٌَنً خٌلافُ أّوً يٍنفّوًا مٌنّ الأّرًضٌ ذّلٌكّ لّهٍمً خٌزًيِ فٌي الدٍَنًيّا ولّهٍمً فٌي الآخٌرّةٌ عّذّابِ عّظٌيمِ} [المائدة: 33] .
سابعاً: وسائل الوقاية من التطرف
وما ينجم عنه من أعمال الإرهاب والتخريب 1- المبادرة الى إزالة الأسباب المؤدية للجريمة، والعمل على احقاق الحق وابطال الباطل، والاحتكام الى شرع الله تعالى وتطبيقه في مختلف شؤون الحياة، فلا شرع أو في ولا أكمل منه في جلب مصالح العباد ودفع المفاسد عنهم، ولا أرفق منه ولا أقوم بالعدل ولا أرحم {ومّنً أّحًسّنٍ مٌنّ اللَّهٌ حٍكًمْا لٌَقّوًمُ يٍوقٌنٍونّ} [المائدة: 50] . 2- بيان فداحة الضرر العام والخاص الذي يصيب الدولة والأمة والمجتمع والأفراد من جراء أعمال العنف والتخريب والتدمير. 3- التربية الواعية الهادفة المخطط لها من أهل العلم والصلاح والخبرة، ووضع منهاج عملي واضح سهل ميسر لتحقيق ذلك. 4- تحرير المصطلحات الشرعية وضبطها بضوابط واضحة، وذلك كمصطلح الجهاد، ودار الحرب، وولي الأمر، ما يجب له وما يجب عليه، والعهود: عقدها ونقضها.
|