Friday 19th december,200311404العددالجمعة 25 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

د. عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي لـ « الجزيرة»: د. عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي لـ « الجزيرة»:
أعداء الإسلام يسعون للإيقاع بشباب الإسلام في الفتن والشبهات
تعظيم علوم الشريعة واحترام العلماء طوق النجاة من الزيغ والتخبط

* المدينة - خاص ب«الجزيرة»:
حذر فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم أفراد المجتمع السعودي المسلم من الهجمات الشرسة الفكرية والعقدية التي يشنها أعداء الاسلام والمسلمين لاستهداف عقول الشباب، الذين تنوعت وسائلهم؛ ليوقعوا الشباب في شركهم، وليزجوا بهم في وحل الفتن تارة، ويلقوا عليهم الشبهات تارة أخرى؛ ليردوهم ويوردوهم مستنقع الهوى والشهوات، ويغرقوهم في الملهيات والمحرمات.
وأكد الشيخ القاسم في حديث له على أنه لا أنفع - بإذن الله - للشباب من التحصن بعلم الشريعة، فهو يزيد الايمان، وينير البصيرة، ويهذب النفس، ويرفع عن دنيء الأفعال، طالبه منظوم في سلك العظماء، قال تعالى:{يّرًفّعٌ اللَّهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً والَّذٌينّ أٍوتٍوا العٌلًمّ دّرّجّاتُ}، سلوكه توفيق للخلود في الجنان، والخلق عنهم راضون، ولصنيعهم مستغفرون، والملائكة لمجالس أهله راغبون.
وقال فضيلته: إن من تعظيم الشريعة والدين تعظيم العلماء، فهم خلف أنبياء الله في دعوتهم، قال عليه الصلاة والسلام:«وإن العلماء ورثة الأنبياء»، حق علينا تبجيلهم، وتوقيرهم، وعلى هذا سار أسلاف هذا الدين، يقول الربيع بن سليمان:«ما اجترأت أن أشرب ماء والشافعي ينظر اليَّ هيبة له»، سؤالهم علم، ومجالستهم سعادة، ومخالطتهم تقويم للسلوك، وملازمتهم حفظ للشباب - بإذن الله - من الزلل، يقول ميمون بن مهران:«وجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء»، مشيراً الى أن ثمرة مجالسة العلماء ليست في التزود بالعلوم والمعارف فحسب، بل الاقتداء بهم في الهدى والسمت وعلو الهمة، ونفع الآخرين علم آخر نحتاج إليه، وبُعد ناشئة المسلمين عنهم يؤدي الى تخبط في طلب العلم، وإعجاب في الرأي، وقلة في التعبد.
ودعا الشيخ عبدالمحسن القاسم الشباب الى البعد عن مواطن الفتن والشبهات والشهوات، وقال: إن نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - تعوذ من الفتن، وأمر أصحابه بالتعوذ منها، ومن مَدَّ عينيه الى الفتن، وأرخى سمعه لها وقع فيها، يقول - صلى الله عليه وسلم - عن الفتن: «ومن استشرف إليها - أي تطلع اليها - أخذته»، والإسلام الحنيف جاء بلزوم النورين الكتاب والسنة، ونهى عن ضدهما مما يورث القلب الفساد والشبهة إذا وردت على القلب ثقل استئصالها، يقول شيخ الاسلام - رحمه الله -:«وإذا تعرض العبد بنفسه الى البلاء وكله الله الى نفسه».
وأبان إمام وخطيب المسجد النبوي ان التقصير في أداء الواجبات والوقوع في المحرمات، وتشبث الناشئ بالفضائيات، ولهثه وراء المنكرات، بوابة فساد الأخلاق، ودنس السلوك، ومرتع للأفكار المنحرفة، والقلب إذا أظلم بكثرة المعاصي ثقل عليه أداء المعروف وسهل عليه قبول المنكر، مؤكداً ان تشكيك الناشئة في المناهج الدراسية يضعف همتهم في التحصيل، وأخذ المعارف منها، ومتغيرات الزمان، وتوالي الحوادث، وحلول الفتن، يحتم تكثيف المناهج الدينية، والتوسع فيها، والبسط في شرحها، وتسهيل فهومها للناشئة مع عدم اثقال كاهل الطلاب بكثرة المواد غير الدينية التي يغني بعضها عن بعض، فالحاجة ملحة الى أمور الشريعة.
وأبرز فضيلته أنه بهذه المناهج المرتكزة على الدين والعمل بالعلم، أصبحت هذه البلاد - بحمد الله - تزخر بالعلماء الذين يفهمون أحكام الشريعة، ويرجع اليهم في الفتوى والمساءلة، واكتسبوا الثقة والتبجيل في التوجيه والارشاد والدعوة، وبفضل من الله استوزر ممن درس هذه المناهج الوزراء الناصحون، وبرع المستشارون المؤتمنون، وتأدب الأدباء والمثقفون، وبرز الصحفيون الإعلاميون، ونبغ الأطباء الحاذقون، وتألق الاقتصاديون العارفون، وتخرج منها من أسهم في بناء وتنمية الحضارة ومقومات الحياة في المجتمعات، مشيراً الى أنه من الوفاء الثناء على المناهج التي كان ثمرة علومها.
وأكد الشيخ عبدالمحسن القاسم - في سياق حديثه - على أن الاعلام نافذة واسعة على المجتمع، وأن الشباب بحاجة الى نصيب وافر منه في التوجيه والارشاد، وفي النصح والفتوى، والتعرض بالدين المتين باللمز، أو لأهله بالسخرية، والغمز يوغر الصدور، ويؤجج المكامن، والثناء على الناشئة واحتوائهم وتوجيههم إلى طريق قويم يسلك حماية للشباب لئلا يتلقفهم الأعداء بحلاوة اللسان وحسن البيان.
وأوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي ان القرآن العظيم كلام رب العالمين بتلاوته تتنزل السكينة، وبتدبره يزيد الايمان، نور يبدد الظلمات، قال الله سبحانه وتعالى:{قّدً جّاءّكٍم مٌَنّ اللَّهٌ نٍورِ وكٌتّابِ مٍَبٌينِ}، وإن انتشار حلقات تحفيظ القرآن الكريم في بيوت الله بهذه البلاد المباركة، ورعاية ولاة الأمور لها أمر يدعو الى الفخر والاعتزاز، ولقد صان الله بها كثيراً من الناشئة عن الانحراف، وحفظ الله بها الدين، كم انتفع بها من يتيم، وكم أسدت للناشئة من معروف، وكم أوصدت من أبواب الشرور، وكم وسعت من مدارك، وكم فتحت من آفاق، مشيراً الى أن القرآن الكريم أصل العلوم وأسُّها، ومنه تؤخذ الآداب والأخلاق، وتوجيه الآباء أبناءهم لحفظ كتاب الله حفظ لهم من الشرور والفتن، وحصن من توغل الأفكار المنحرفة الى عقولهم.
ونبه فضيلته من الفراغ لدى الناشئة، قائلاً: إن الفراغ عامل من عوامل الانحراف الفكري، والسلوكي، والأخلاقي، كما أن الملهيات الحضارية المحظورة، والمحطات الفضائية لها قسط مظلم في انحراف الأفكار، وتلويث المعتقدات، وتسميم العقول من المتربصين بالشباب، مبينا أن الأب الحاذق هو من يمنع دخول تلك المحطات والملهيات الى داره قبل أن تذرف منه دمعة الحزن والأسى، وقبل أن يفجع بخبر فاجع.
وحذر الشيخ القاسم المسلمين من وجود الفجوة بين الوالد والولد، لأنها عامل من عوامل حجب الابن عن اظهار مكنون صدره لوالده، فيبوح بما في سريرته الى غير والده ممن قد لا يحسن التربية والتوجيه، ولا يحمل له المودة والشفقة، وقال: إن قرب الأب من أبنائه، والتبسط معهم في الحديث، ومبادلة الرأي من غير إخلال باحترام الوالدين سلامة للأبناء، وطمأنينة للآباء، وقاعدة في تأسيس بر الوالدين، والجليس سبب في الاصلاح، أو الإفساد ورسل الله - عليهم الصلاة والسلام - عظموا شأنه، فنبي الله عيسى - عليه السلام- يقول:«من أنصاري الى الله؟» ونبي الله محمد - صلى الله عليه وسلم - اتخذ له صاحباً مُعيناً له على طريق الدعوة، يقول - صلى الله عليه وسلم -:«لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخي وصاحبي»، وعائشة - رضي الله عنها - تقول:«لم أعقل إلا وأبويّ يدينان الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا وهو بمكة أول النهار وآخره.
وأبان الشيخ عبدالمحسن القاسم أن الجليس الصالح يهديك الى الخير، يُذكرك إذا نسيت، ويحضك إذا غفلت، ويظهر ودك إذا حضرت، ويحفظك إذا غبت، منبهاً - في الوقت نفسه - من رفيق السوء الذي يجري خلف ملذاته وأهوائه، وإذا انقضت حاجته منك نبذك من كل شر يدنيك وعن كل خير ينأى بك، على أمور الدنيا لا يؤمن، وفي الآخرة تندم على مصاحبته، قال - جل وعلا -:{ويّوًمّ يّعّضٍَ الظَّالٌمٍ عّلّى" يّدّيًهٌ يّقٍولٍ يّا لّيًتّنٌي اتَّخّذًتٍ مّعّ الرَّسٍولٌ سّبٌيلاْ يّا ويًلّتّى" لّيًتّنٌي لّمً أّتَّخٌذً فٍلانْا خّلٌيلاْ}، فجالس الصالحين، وأشرف بصحبتهم، وابتعد عن مصاحبة من يسوؤك في دينك ودنياك.
كما شدد إمام وخطيب المسجد النبوي على أن للمرأة دوراً مكيناً في الرعاية والتوجيه، وقال: إذا تخلت المرأة عن دارها وعن مسؤوليتها، وأخلت مسكنها من نفسها بكثرة خروجها من المنزل، لم يجد الأبناء حنان الأمومة وعطف الحانية ولا يجدون في المسكن معهم سوى من هو من غير جنسهم من الخدم، ويفقدون عطف الوالدة، ورأفة المشفقة، فلا يمنعهم ذلك للتوجه الى من يتلقفهم بمخدوع الحديث وأماني المستقبل، والاسلام القى على الأم مسؤولية كبيرة مشرّفة، يقول عليه الصلاة والسلام:«والزوجة راعية ومسؤولة في بيت زوجها».
ولفت الشيخ القاسم النظر الى أنه من أحضان المرأة تخرج العلماء، وبرز النبلاء، وقال: ولا أعظم تكريماً للمرأة، ولا أنبل تبجيلاً لمكانتها من إسداء مسؤولية العقول إليها في دارها، فواجب عليها القيام بأعباء تكاليفه، لئلا تذرف الدمع على أولادها، وعليها عدم الإصغاء الى أبواق تدعوها الى الخروج من مملكتها وإهمال أولادها، قال الله تعالى:{مّنٌ اهًتّدّى" فّإنَّمّا يّهًتّدٌي لٌنّفًسٌهٌ ومّن ضّلَّ فّإنَّمّا يّضٌلٍَ عّلّيًهّا ولا تّزٌرٍ وازٌرّةِ وزًرّ أٍخًرّى" ومّا كٍنَّا مٍعّذٌَبٌينّ حّتَّى" نّبًعّثّ رّسٍولاْ}.
وواصل فضيلته القول: إن الأسرة مرتكز قويم بالاسلام، في ظله تلتقي النفوس على المودة والرحمة والعفو والمحبة، وقد أقسم الله في كتابه بالأولاد والآباء، فقال جل وعلا:{ووّالٌدُ ومّا ولّدّ}، والعناية بصلاحهم مسلك الأخيار، وباستقامتهم بهجة الآباء والأمهات قال المولى - جلت قدرته -:{رّبَّنّا هّبً لّنّا مٌنً أّزًوّاجٌنّا وذٍرٌَيَّاتٌنّا قٍرَّةّ أّعًيٍنُ واجًعّلًنّا لٌلًمٍتَّقٌينّ إمّامْا}، وإن أول لبنة في بناء الأبناء غرس مراقبة الله في نفوسهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس وهو غلام:«يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك»، وهم بحاجة الى التربية على المعرفة بالعلوم، واغتنام الأوقات، يقول عليه الصلاة والسلام:«احرص على ما ينفعك».
وأوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الوالد أن يسعى لجلب ما ينفع أبناءه، وإبعاد ما يضرهم، واختيار الرفقة الصالحين لهم، وأن حسن تنشئتهم مرتبط باستمساك والديهم بدينهم، وكلما استقام الوالدان اقتدى بهم الأبناء وكانوا بمنجاة من عوامل الضياع وأسباب الضلال، موجهاً فضيلته حديثه للأبناء بقوله: إنك أمل والديك وهو أن تكون ممن سيرهم فاضلة وأخلاقهم سامية مع الاستقامة، والبعد عن الرذائل والمهالك، وألا تقع فريسة للانحراف، أو أسيراً للملذات والشهوات، فلا تضيع أملك وأملهم أمام لحظة من شهوة، أو ساعة من غفلة، وعليك بانتقاء الأصحاب في المخالطة وفي المؤانسة، والزم صحبة العلماء وجالس الصالحين تجن سعادة الدنيا والآخرة.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved