عندما سمعت بفاجعة فقدان ابن هذا الوطن الكبير الشاعر، الإنسان، الخلوق، الطيب، الشهم، الصدوق، الوفي طلال بن عبدالعزيز الرشيد اقشعر لذلك قلبي وابكى عيني وكأنني في أضغاث أحلام وكوابيس عندما سمعت بهذا النبأ العظيم، ولكن هذه إرادة الله جل جلاله ومشيئته، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، والله تعالى أشفق وأرحم حتى من الأم بولدها، ونحن رغم المصاب الجلل ولوعة الفراق ينبغي لنا أن نزيد في الحمد والثناء على الله تعالى. فهذا نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فهو قدوتنا ومثلنا الأعلى وشفيعنا يقول في الحديث الشريف «إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان ثم تلا قوله تعالى {إنَّمّا يٍوّفَّى الصَّابٌرٍونّ أّجًرّهٍم بٌغّيًرٌ حٌسّابُ}. وقال عليه الصلاة والسلام «قال الله تعالى ما من عبد أريد أن أدخله الجنة إلا ابتليته في جسده فان كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيقت عليه في رزقه فان كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا شددت عليه الموت حتى يأتيني ولا ذنب له ثم أدخله الجنة»..
وأخيرا ينبغي لنا أن لا ننساه من أفعال الخير فهي الباقيات الصالحات فان ابن آدم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له.
اللهم ياربنا ويا مولانا لارب لنا سواك ندعوه، ولارب لنا سواك نرجوه ونتوسل إليه اللهم اشمله برحمتك التي وسعت كل شي واجعل قبره روضة من رياض الجنة، اللهم انقله من ضيق القبور إلى سعة الدور والقصور في سدر مخضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا...
قبل الختام ثلاث رسائل لوالدة الفقيد متعها الله بالصحة والعافية ولزوجة الفقيد وولديه «نواف وعبدالعزيز»
* الرسالة الأولى: والدة الفقيد لتسمحي لي بأن أقول والدتي فأنت أُم لمن أحب طلال..
والدتي حفظك الله تعالى ومتعكِ الله بالصحة والعافية: أعرف مدى الحزن الكبير، والقلب المكلوم بفراق حشاشة الجوف، ومُهجة الفؤاد، إنها عاطفة الأمومة والحب الذي يسكن في كل أنحاء الجسد، فأي مُصيبة أعظم من فقدان الأم لولدها، فياليت شعري، ما أعظمها من فاجعة..
*155* الّذٌينّ إذّا أّّصّابّتًهٍم مٍَصٌيبّةِ قّالٍوا إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ **156* أٍوًلّئٌكّ عّلّيًهٌمً صّلّوّاتِ مٌَن رَّبٌَهٌمً وّرّحًمّةِ وّأٍوًلّئٌكّ هٍمٍ المٍهًتّدٍونّ}.
والدتي الكريمة: أبشري بالخير إن شاء الله تبارك وتعالى لابنك الغالي فطاعته لربّ العالمين وملازمته فعل الخيرات في كل وقتٍ وحين راجياً بذلك المثوبة والأجر من أكرم الأكرمين، فهو الابن البّار بوالدته فأي أجرٍ عظيم سيناله، وهو الابن الذي لم يتأخر أو يتهاون في مساعدة من احتاج للمساعدة، هو الابن الذي يشفع للضعفاء والفقراء شفاعة الخير عند أهل الخير، وهو الابن الذي يُنفق بيمينه ما لا تعلم شِماله هذا هو ولدك يا والدتي فهنيئاً وطوبى لمن كانت هذه صِفاته، فوالله الذي لا إله إلا هو ما ذُكر اسمه في كُل مجلس إلا وتتفق القلوب على محبته وذكر خِصاله الطيبة..
والدتي الكريمة: لم يبق سوى أن نقول من كانت هذه صفاته «يُرجى له الخير العظيم» بمشيئته تبارك وتعالى.
* الرسالة الثانية: أُختي الكريمة أُم نواف أيتها الزوجة المُصابة بفقدان زوجها، اصبري واحتسبي واسأليه تبارك وتعالى أن يجمعكِ به في جنات النعيم كما جمعكِ به في الدنيا، فوالله أعلم كم هي حجم مُصيبتك ولكن أختي الكريمة تذكري أن أخي طلال رحل عند ربِ غفور رحيم وسعت رحمته كل شي، رحل وقلبه مؤمن مُطمئن بالإيمان، رحل وكانت آخر كلماته في هذه الدنيا «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله» فيالها من خاتمة يتمناها كل مسلم..
بقي أن ترفعي يديك عقِب كل فريضة وفي كل سجدة بالدعاء له..
* الرسالة الثالثة: «نواف وعبدالعزيز» أبشروا فوالدكم أجمع الكل على حُبه ولعلكم شاهدتم الكثير ممن سار خلف جنازته ولسانه يلهج بالدعاء له وهو لا يعرفونه ولكنهم يعرفون أعماله الخيرة التي لاتُحصى.. وتذكروا حديث نبينا وقدوتنا بأبي هو وأُمي صلى الله عليه وسلم القائل «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له».
ختاماً نرفع أكُفنا داعين الله تبارك وتعالى أن يتغمد أخي طلال الرشيد بواسع رحمته وعظيم مغفرته وكريم عفوه وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة وأن يجمعنا به وبكل مُسلم في جنات النعيم مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسُن أُولئك رفيقا..
وصلِ اللهم وسلم على أشرف خلقه محمد النبي الهادي الأمين وعلى صحابته رضوان الله عليهم أجمعين..
عبدالعزيز بن صالح الحقباني
الرياض |