أيها النبع الخيِّر، كم أنت جميل في سوادك، كريم في عطائك، عرفتك العرب منذ القدم ولم تحسن استغلالك، فاستخدموك علاجاً للبهائم وكفى.
بدأ الغرب الثورة الصناعية فكانت الطاقة البخارية محركاً للآلة، وقيَّض اللَّه من رأى فيك السداد فقدَّمك مصدراً واعداً يمكن أن يخدم العالم بأسره، فكنت أهلاً لذلك، كنت قادراً على العطاء فأعطيتَ، وعلى الإثراء فأثريتَ، فلك من بني البشر كُلّ الشكر والتقدير، قرَّبتَ المسافات، وأنرتَ المصابيح، وحلَّيتَ المياه، ودفَّأتَ الأجواء وبَّردْتَها، صنعوا منك موادَّ جديدة فريدة، صلبة لينة، خشنة ناعمة، فيالك من عنصر متعدد المواهب!!
لقد ألبسوك النياشين، ونعتوك بالفتح المبين، وأطروك إطراء ابن زيدون لابن جهور، والمتنبي لأبي فراس، أغدقوا عليك الثناء إيماناً بما أنت أهلاً له، فهم في حلّ من منافقتك وكنتَ تزيدهم عطاء، ويزيدونك مدحاً وإطراء، واستمرَّت الحال هكذا عطاء وثناء، وتدفقا وبناء، استيقظوا صبيحة يوم فقلبوا لك ظهر المجن دون سابق إنذار، وتوقفوا عن الثناء مع استمرارك في العطاء والتدفق والبناء، وقالوا إنهم اكتشفوا فيك شيئا مريبا لابد من محاسبتك عليه، اتهموك بالعداء للبيئة، بعد أن كانوا يرون فيك صديقاً لها، ورموك بجريمة اختراق طبقة الأوزون، ورفع درجة حرارة الأرض، وقد تكون بريئاً منها، فسبحان مغيَّر الأحوال!!!
أيها النبع الخيِّر
كانت الجزيرة العربية مَرْتعكَ ومازالت، وستظل بإذن اللَّه، كنتَ لنا أبناء الجزيرة خلاً وفياً، أفدنا منك الكثير، فها هي الصروح قد أنشئت، والجامعات قد شيّدت، والسدود قد أقيمت، والخيرات قد تدفقت، وعشنا عيشة المترفين المرفّهين الذين ظنوا أنك لهم دائم لا تبارح في بداية الأمر محدود السعر فأعطيت بقدر ما يكفي، ثم ما لبث سعرك أن زاد وقدرك أن علا فزهونا بما قدَّمتَ.
أيها النبع الخيِّر
تسابق العالم حول مكان وجودك، وتصارعوا من أجلك، واستخدموا نفوذهم لضمان تدفقك، لعلمهم أنك سيّد الطاقة، ومسيّر الآلة، وباني الاقتصاد وبحثوا عن المزيد منك في باطن الأرض، وتحت البحر، وفوق سطح القمر، وسعى بعضهم إلى خفض سعرك، وبعضهم إلى رفعه، وبعضهم إلى تثبيته، لكنك كنت سيّد نفسك لا يحكمك سوى قانون العرض والطلب، ما يعتريه من تشوهات، ولإسقاطك والاستغناء عنك، بحثوا عن بديلك فجندوا العلماء وأنفقوا المليارات، لكنهم مازالوا عاجزين فيا ترى هل ستبقى شامخاً كما أنت أم أنهم سيطرحونك أرضاً؟ لست أدري!!!
|