كتاب يتعلق موضوعه بأحداث الساعة، سواء في نطاق المملكة، أو في المحيط الدولي، ومؤلفه ممن كان عمله مرتبطاً بمعالجة ما يجدّ على الساحة الدولية من أمور وتقلبات: إنه معالي الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي في كتابه «موقف الإسلام من الإرهاب، وجهود المملكة العربية السعودية في معالجته».
ومع صغر حجم الكتاب، من القطع المتوسط وبصفحاته البالغة 107 مع المقدمة والفهرس، إلا أنه ثري بالمعلومات القيمة، والبسط الضافي، حيث يعتبر وافياً، كما أنه يعتبر دراسة ذات أربعة مباحث:
الأول: في مفهوم الإرهاب وتاريخه.
الثاني: في تقديم الإرهاب من وجهة نظر إسلامية.
الثالث: في جهود المملكة العربية السعودية في معالجة الإرهاب.
الرابع: في الإرهاب في العصر الحاضر (ص9).
والمؤلف يبين في المقدمة: أن هذا الموضوع في أصله كان محاضرة: حيث إنه دعي لألقاء محاضرة في مدينة تدريب الأمن العام بمنطقة مكة المكرمة يوم 23/4/1424هـ، وكانت بعنوان: «الإرهاب وموقف الإسلام منه» وقال: وقد عرضت أهم ما رأيته في هذا الموضوع، مع الإشارة إلى الحوادث المذكورة والتوجيه لكيفية التصدي لمثلها في المستقبل (ص8).
وفي المبحث الثاني بعد أن قوّم الإرهاب في نظر أعداء الإسلام، الذين وصفوه زوراً، بأن تعاليمه تحث على اعتماد منهج العنف في التغيير، وأنه يدعو أتباعه إلى استعمال أساليب إرهابية في قمع أعدائهم، وإخضاعهم لسلطانه، حيث اشتدت الحملات الإعلامية الغربية خاصة، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى جمهوريات مستقلة.
ويرى المؤلف: أن المسؤولية تقع على عاتق المسلمين لكبرها، حكومات وشعوباً ومنظمات في تبديد ضباب هذا الإعلام، وبيّن خطوات المملكة المشكورة، في هذا المجال، بما تنظّم من أعمال ثقافية وفكرية في الداخل الخارج، وأورد جزءاً من مقالة لسمو الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية في هذا الصدد، حيث قال: «ونظراً لما للمملكة من ثقل روحي وثقافي واقتصادي وحضارات، فقد بدأت في اتخاذ سياسات رصينة تهدف إلى تحسين صورة المسلم أمام العالم، عبر تأثيرها في المؤسسات الإقليمية والعالمية، ولعب سياسيوها ومفكروها وتنفيذيوها، دوراً كبيراً في اقناع دوائر السياسة الأمريكية، والأوروبية بضرورة فصل التصرفات الفردية، عن الإسلام ديناً وحضارة، كما عملت في تصحيح المفاهيم الغربية عن الإسلام، وقد كان لتلك الجهود أثرها الملحوظ في تغيير كثير من المواقف والقناعات المعادية للإسلام» (ص 32-33).
ويرى أن من شرح موقف الإسلام من الإرهاب، دحض تلك المزاعم، بشرح واقع الإسلام، وما يدعو إليه من قيم وأخلاق وحسن تعامل، ويتساءل: هل يعقل أن يكون كل مسلم إرهابياً؟، حيث يجيب مباشرة: بأن هذا ما لا يصدقه إلا جاهل بالإسلام، كيف والمسلمون أكثر ضحايا الإرهاب؟ وكيف والمسلم أول الناس اعتقاداً بحرمة الدماء والأموال، والأعراض إلاّ بحقّ بيّن يستوجب الإباحة، من حدّ أو قصاص أو غير ذلك؟
فهذه العقيدة هي الرقيب الباطنيّ، الذي يراقب المسلم على عمله في الخلوة والجلوة ويجعله يستحضر خشية الله حين يخلو بشيء من المحارم، فلا يكون أحد آمن عليها منه، فالإسلام والإرهاب لا يلتقيان على صعيد واحد (34-35).
وفي المبحث الثالث: حرص على التركيز على جهود المملكة في معالجة الإرهاب (59-93)، وهو أطولها بعد أن ختم المبحث الثاني بنظرة القرآن الكريم للإرهاب، ونظر السنة النبوية للإرهاب، وهما مصدرا شريعة الإسلام، الذي يحب الأعداء الإساءة إليه بافتراءاتهم وأكاذيبهم، لأن الإسلام الذي يصمه أعداؤه بالإرهاب، يعتبر الإرهاب جريمة من أعظم الجرائم، وما آية الحرابة التي شدد الله فيها بالعقاب الصارم، إلا نموذج قد جعلها الإسلام رادعاً يخيف عن الإقدام لمن تسوّل له نفسه إرهاب الآخرين.
وقد أفاض في جهود المملكة في معالجة الإرهاب، لأنها من أوائل الدول التي تبذل جهوداً معتبرة في معالجة الإرهاب، محلياً بتطبيق شرع الله وحدوده على المجرمين، وخارجياً بانضمامها إلى خمس عشرة اتفاقية دولية، تتصل بالإرهاب، وتدابير معالجته، أولها: الاتفاقية المتعلقة بالمخالفات، وبعض الأعمال الأخرى التي تحدث على متن الطائرات، وقد أبرمت في طوكيو بتاريخ 14/9/1963م، وآخرها الاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب وتمويله المعتمدة من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في 9/12/1999م، كما صادقت على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، المعتمدة في القاهرة، في 22/4/1998م، وعلى معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي، لمكافحة الإرهاب الدولي، في الدورة السادسة والعشرين لوزاء خارجية المنظمة المعتمدة ببوركينافاسو في 2/7/1999م، وعلى اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع الإرهاب ومكافحته المنعقدة في الجزائر في 14/7/1999م، ومثل ذلك اتفاقية آمنية بين دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب التي تمت في الرياض بتاريخ 13/3/1424هـ.
وفي مجال البحوث صدر عن معهد الدراسات العليا، ومعهد التدريب، ومركز الدراسات والبحوث، وإدارة التعاون الدوليّ إلى سنة 1422هـ 28 رسالة ماجستير حول مكافحة الإرهاب، و15 عنواناً ما بين دراسة علمية وبحث ميداني حول مكافحة الإرهاب، ونشر في المجلة العربية للدراسات الأمنية والتدريب 22 بحثاً، هذا إلى جانب ما قامت به الأكاديمية من طبع للكتب والدراسات والبحوث بهذا الموضوع.
وفي الجانب القيادي كان لتصريحات خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني الأمير عبدالله، وسمو النائب الثاني وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان، جهود موفقة في إبانة موقف المملكة من الإرهاب، حيث في كلمة سمو الأمير سلطان جاء قوله: «إن بلادي تمثل قلب العالم الإسلامي، باعتبارها منبع الإسلام، والذي يجعل السلام في مقدمة مبادئه السامية، كما ينبذ العنف والإرهاب، ومن هذا المنطلق يكرس الملك فهد، كل جهوده لكي تستمر المملكة في أداء رسالتها تجاه السلام وقضاياه، (59-62).
وفي النظرة الدينيّة، حيث مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة أصدر عدة قرارات بحسب كل مناسبة، ففي الدورة 32 للمجلس المنعقدة في مدينة الطائف من 8/1/1409هـ، إلى 12/1/1409هـ أصدر المجلس قراراً شجب فيه واستنكر الإرهاب المتمثل في نسف المساكن وإشعال الحرائق في الممتلكات العامة والخاصة ونسف الجسور والأنفاق وتفجير الطائرات أو خطفها، بأن يعاقب مرتكب ذلك وفق آية الحرابة بعد ثبوت الإدانة.
وفي الدورة 49 المنعقدة في الطائف ابتداء من تاريخ 2/4/1419هـ صدر بيان من الهيئة بتاريخ 6/4/1419هـ أعلنت فيه موقفها من تكفير الناس بغير برهان من كتاب ولا سنّة، وما ينشأ عنه من سفك الدماء وتخريب المنشآت، وإزهاق الأرواح البريئة وإتلاف الأموال المعصومة وزعزعة الأمن، وأن ذلك مما يبرأ منه الإسلام، لأنه عمل إجرامي، وتصرّف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة.. كما توالت بيانات أخرى في هذا الصدد (63-74).
وعلى العموم فالكتاب جيد في عرضه، مؤدٍّ الفائدة في موضوعه، جدير بالدراسة والعناية في هذا الوقت الذي سُلََّط فيه إعلام موجه ضد الإسلام، ونسبة الإرهاب إليه حيث أبان المؤلف البون الشاسع بين الإسلام والإرهاب. وأنهما لا يلتقيان.
المكر السيئ وعاقبته:
قال التنوخي في كتابه (الفرج بعد الشّدة): وجدت في بعض الكتب: أن البرامكة قصدت عبدالله بن مالك الخزاعي بالعداوة، وكان الرشيد حسن الرأي فيه، فكانوا يغرونه به، حتى قالوا له: لا بدّ من نكبته. فقال: ما كنت لأفعل هذا، ولكن أبعده عنكم.. قالوا: ينفى.. فقال: لا ولكن أوليه ولاية دون قدره، وأخرجه إليها.
فرضوا بذلك، فكتبوا له على حرّان والرّها فقط، وأمروه بالخروج عن الخليفة.. قال عبدالله: فودّعتهم واحداً واحداً، حتى صرت إلى جعفر لأودّعه، فقال لي: ما على الأرض عربيّ أنبل منك يا أبا العباس، يغضب عليك الخليفة فيوليّك حرّان والرّها؟!
فقلت: فما ذنبي حتى غضب عليّ، وأي شيء جرى منّي، حتى أوجب الذي أن يفعل بي هذا؟ قال: جزاؤك أن يضرب وسطك، وتصلب نصفاً في جانب، ونصفاً في جانب، فقلت: العجب منّي حيث صرت إليك، ونهضت وخرجت.
وقطعت طريقي بالهمّ والغمّ.. مما دفعت إليه، وأني لا آمنهم، مع غيبتي على النّكاية عليّ.
فبينما أنا في عشيّة يوم، على باب الدّار التي نزلتها، جالساً على كرسي، إذ اقبل إليّ مولى لي، فقال لي سراً: قد قتل جعفر بن يحيى البرمكي.
فتوسّمت أنه هو أمره بذلك ليجد عليّ، حجة ينكبني بها، فبطحته وضربته ثلثمائة مقرعة، وحبسته، وبتّ بليلة طويلة، على السطح في داري.
فلما كان في السَّحر إذا بصوت حلق البريد - وهي تتَّخذ من النحّاس إذا ضربت. سمع لها رنين خاص به يعرّف بالبريد - فارتعت ونزلت عن السطح، وقلت في نفسي: إن هجم عليّ صاحب البريد فهي بلية، وإن ترجل لي ففرج.
فلما بصر بي صاحب البريد، ترجّل لي فطابت نفسي، ودفع إليّ كتاباً من الرشيد، يخبرني فيه بقتله جعفر، وقبضه على البرامكة ويأمرني بالشخوص إليه، والمثول أمام حضرته.
فشخصت فلما وصلت إليه، عاملني من الإكرام والإنعام بما زاد على أمنيّتي، وخرجت فأتيت الجسر، فوجدت جعفراً، قد ضرب وسطه، وصلب نصفه في جانب، ونصف في الجانب الآخر. (الفرج بعد الشدة 3: 126-127).
|