اعتقد أن قيمة الوقت (نفسية) أولاً وأخيراً، وأقصد بذلك أن أهميته - أو نقيضها - تتحدد حسب طبيعة نفسية أفراد المجتمع، فالمجمتع الذي يتمتع أفراده بحالة نفسية جيدة ومناسبة صحيا يتم منح الوقت فيه أهمية كبرى واحتراماً منقطع النظير، والعكس صحيح: فالمجتمع الذي تتسم أحوال أفراده النفسية بالسوء تقل فيه قيمة الوقت حيث لا يحظى بما يتوجب أن يحظى به من احترام وقدسية.
ألم يصف الشاعر تواتر الليالي نفسياً ويحصرها وفقاً لقاعدة (الهم والسرور) وذلك بقوله:
فقصارهن مع الهموم طويلة
وطوالهن مع السرور قصار |
أو كقول الآخر:
إن عمر المرء ما قد سره
ليس عمر المرء مر الأزمنة |
حتى الأمريكان يتفقون مع شاعرينا في تعريفهما النفسي للوقت وذلك بدليل تمثلهم بالقول: «وقت السرور سرعان ما يطير:» «Time flies when we are having fun». ومما يؤكد البعد النفسي للوقت أيضاً أن الفرد (خربان) المزاج سيتعامل مع وقته بدون أي مبالاة حيث حينئذ لن يعيره أدنى اهتمام مثلما أن صاحب المزاج المبتهج أحرى بأن يتعامل مع وقته - ووقت الآخرين - بعناية واهتمام. وهنا ما رأيكم في (نوعية) تعامل الشاعر التالي مع قيمة الوقت اشتقاقاً فقط من قوله:
صبحي أمرَّ من المساء فعيشتي
موصولة الظلماء بالظلماء؟ |
كذلك من الأدلة على حقيقة أن الوقت نفسي ما يتمثل في قدرة الوقت على قتل صاحبه حينما ينفقه فيما لا يفيد بدليل قولهم: «من راقب الناس مات هماً» فهنا تتجلى الأبعاد النفسية للوقت في أبلغ صورها من حيث إن الوقت يستهلك - حتى الموت - من يستهلكه عبثاً وبدون طائل، بل ما رأيك - أنت - في شعورك يوم الأربعاء مقارنة بشعورك غداة يوم الجمعة أو صباح يوم السبت؟
ختام
(الزبدة..!)..
من المحال أن تتشرب النفوس قيمة الوقت ما لم تشرب أولاً من معين السرور والبهجة.
|