حلقات كتبها وصورها حمّاد بن حامد السالمي ومحمد آل ماضي
في حلقة اليوم نواصل الرحلة في رنية حيث نستعرض نبذة عن التعليم كما نزور سوق الخميس ونتعرف على جهود مركز التنمية الاجتماعية وإنجازاته.
أنت في رنية
أنت في محافظة رنية.. إذن أنت تلامس الأصالة الحقيقية للشعب السعودي الأبي، الذي ما فتئ يحب أرضه ويخلص لها، فتعطيه من خيراتها ما يستحق، ومن أمنها وأمانها ما هو جدير به في كل وقت وحين.
هنا في رنية.. تتجلى صورة حقيقية من صور الوفاء المتبادل بين الإنسان والمكان.. بين المواطن ووطنه.. فعندما وقفت صباح هذا اليوم على بقايا الأمس في مدينة رنية، وعلى الدور الطينية المكونة لقرى كثيرة حولها، أدركت متانة العلاقة بين هذا الإنسان «الرنيوي».. وبين بلدته العريقة.. فيما مضى من الأزمان؛ لم يتغرب عنها، ولم يمسخ هويتها، فقد اتخذ من حجرها وطينها وخوصها بيوتاً لسكناه، وجعل من زرعها وثمرها غذاءه.. وأخذ من إبلها وأغنامها غذاء وكساء.
أما اليوم؛ فهو وإن غلبت عليه المستجلبات الكثيرة فقد حافظ على ولائه وعلاقته، فحافظ على قديمه معها ومارس عشقه لها في الصناعات الحرفية والمأدبية والفنية والتراثية.
في سوق الخميس
في صبيحة يوم الخميس، رحنا صوب السوق الشعبي الكبير الذي هو سوق أسبوعي يقام كل خميس فقط.. لقد أحسنت بلدية رنية حيث نقلت مقر السوق من وسط المدينة، إلى طرفها الشرقي، لكنها لم تُهيئ المكان كما ينبغي فالسوق يقام على أرض ترابية تعج بالأتربة والأغبرة، وتعرض فيه التمور والأعسال والأطعمة مكشوفة تحسوها الرياح بالتراب، وترتادها أرتال الذباب..!
إن اللافت في هذه السوق؛ كونها شعبية ذات طابع خاص؛ فإذا كانت الحوانيت في الداخل تبيع المصنوعات المستوردة والمستجلبة، إلا أن غالب ما يعرض هنا هو من صناعات حرفية يدوية محلية ابتداء من الملابس، وإلى مستلزمات الجمالة والخيالة، وزينة المرأة ونحو ذلك.
والمرأة ممثلة في سوق الخميس حيث تغزل وتنسج وتخيط وتصنع وتعرض إبداعاتها هنا أمام المتسوقين في سوق يعج بالبائعين والمشترين من داخل رنية ومن خارجها. وشيء آخر أود أن أشيد به وهو الحيلولة دون وجود غير السعوديين والسعوديات في تجارة هذه السوق. فهو مسعود بالكامل كما شاهدته ذات خميس ولعله يظل كذلك، ولعل البلدية تطوره فتخططه وتنظمه وتزفلت شوارعه وممراته وترصف أرضيته وتوفر له الظل الظليل والماء العليل في القريب العاجل.
حديث الكتب
إن المدن كبيرة أو صغيرة؛ مثل الرجال الذين يعيشون فيها، تبدأ صغيرة ثم تنمو وتكبر، وقد تمرض وتموت إذا فقدت الصلة مع أهلها، ولكنها تظل سامقة مع أحفادهم جيلاً بعد جيل متى ما أخلصوا لها وأوفوها حقها.
رنية بدأت واحة زراعية في قلب الصحراء قبل مئات السنين.. إنها هبة الماء والنخل معاً. فوجود موارد الماء على واديها. ووجود النخيل على جنباته، جعل أفئدة الظامئين إلى الماء والتمر تأوي إليها، فيعمرونها ويبنونها ويصلون بها عبر القرون إلى محافظة ذات مراكز وقرى وهجر وموارد وتراث إنساني عريق.
جاء ذكر رنية، عند ياقوت الحموي في معجمه الكبير «معجم البلدان» فقال: رنية قرية في حد تبالة، عن أبي الأشعث الكندي، ويسكنها بنو عقيل، وهي قرب بيشة وتثليث وعقيق ثمرة، وكلها لبني عقيل، ومياهها بثور.
وإذا عرفنا أن ياقوت هو من أعيان القرن السابع الهجري «ت 626هـ»، وأنه سماها قرية أدركنا أنها كانت حاضرة من حواضر الجزيرة العربية في القرنين السادس والسابع الهجريين، فهي إذن من الحواضر المعروفة قبل تسعة قرون.
ثم يذكرها الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - فيقول: رنية واد واسع، له روافد كثيرة، وفيه قرى ومزارع وسكان كثيرون.
ثم يقول ابن بليهد - رحمه الله - رنية باقية بهذا الاسم إلى هذا العهد، وأهلها سبيع، وهم بطن من بني عقيل.
وفي كتابه «بلادنا آثار وتراث»، يقول الأستاذ المؤرخ عبدالله الحضبي السبيعي ما نصه: ويخترق رنية وادي رنية الكبير الذي يقدر طوله بأكثر من 300 كم.
وإلى جانب ياقوت والجاسر وابن بليهد والحضبي، الذين أرخوا وجغرفوا لرنية، فإن عدداً من الرحالة الأوروبيين زاروها وذكروها في كتبهم، منهم عبدالله فيلبي في كتابه «بنات سبأ»، ونويمر في «موسوعة الخليج»، و«مانجان» و «كاسكل» وغيرهم.
كما تكلم على رنية الشيخ عبدالله بن خميس وخير الدين الزركلي، وكتب عنها كثير من أبنائها في عدد من المصادر.
حديث الذكريات
وإلى جانب حديث الكتب، فإن للذكريات حديثاً شائقاً لا يمل، فيه تصوير لماضي رنية، ماضي الزراعة والرعي والتعليم ونحوها.
مثل هذه الذكريات، وجدناها عند الشيخ محمد بن مسلم آل عثيمين وأخيه الشيخ سعد وكذلك عند الشيخ سعد بن فهد بن كلة وغيرهم.
ومن رواد التعليم كذلك في رنية، الأستاذ فيحان بن فيحان بن صامل الشريف، زرته في داره وتناول حديثنا بدايات التعليم هنا في السبعينيات الهجرية. قال «التحقت بالتعليم معلماً عام 1377هـ. في مدرسة رنية العزيزية، كان التعليم مبسطاً وليس هناك منهج محدد، ولا تحضير للدروس. وكنا نلاقي صعوبات جمة فإدارة التعليم في الطائف، والطرق ترابية، وعرة والمفتشون يزوروننا مرتين أو مرة في العام. والمفتش لجميع المواد، والمعلم يعلم المواد كافة والمواد الدراسية في تلك الفترة كانت الدين والقراءة والكتابة والحساب فقط».
ثم يقول: كانت المدارس في بيوت من الطين مستأجرة ولا يوجد كراسي بل يجلس الطلاب على فرش من الحصير والحنابل، وكان المعلم يعاني من صعوبة الحصول على أدوات تساعده في تحضير مادته وتقريبها إلى الطلاب، ولم يكن هناك وسائل إيضاح، ومع ذلك، كان الطالب يتسم بالجد والمثابرة والصدق حتى رأيناهم في مراكز ومناصب متقدمة.
مركز التنمية الاجتماعية
مما لفت نظري هنا في رنية، حيوية الشباب وإيثارهم أنفسهم من أجل الكل، فهناك تعاون أهلي كبير في جميع المجالات الاجتماعية والرياضية والفنية والتراثية وغيرها.
من هذه الصور الجميلة، في رنية، مركز التنمية الاجتماعية. زرت المركز وقابلت رئيسه الشيخ ناصر بن سعيد السبيعي وكذلك نائب رئيس نادي الأغر الرياضي وقد أطلعني رئيس المركز على برامج طموحة وأنشطة حية لمركزهم هذا ضمن تلك البرامج مثلاً:
- تجهيز معمل للتطريز والتريكو.
- وضع خطة لتكوين ودعم الأسر المنتجة.
- الاستمرار في دعم مركز الكلى بمستشفى رنية.
- الحصول على منحة أرض حكومية لإقامة مقر عام للجنة التنمية الاجتماعية.
أما الامكانات الحالية التي يعمل بها المركز فهي:
- معمل خياطة وتفصيل سعة 18 دارسة.
- معمل حاسب آلي رجال سعة 10 أجهزة.
- معمل حاسب آلي نسوي سعة 10 أجهزة.
وفي تقارير ختامية صادرة في أعوام سابقة، لحظت نتائج جيدة على صعد مختلفة، منها عدة دورات في الحاسب الآلي، ومساعدات عينية تمثلت في حقائب مدرسية ومواد غذائية وبطانيات شتاء وإفطار طلاب.. إلى غير ذلك من أعمال تشهد لأعضاء المركز والجمعية التعاونية بالفضل.
ولقد لحظت كذلك، وجود دعم أهلي واضح لبرامج وأنشطة المركز إلى جانب دعم الدولة ومؤازرتها له الأمر الذي جعله يخطط ليمتد بنشاطه إلى توفير مكائن ضخ للبادية، وتقديم أجهزة كهربائية لبعض الأسر.
مقترحات من رنية
ولأن أبناء رنية بالعموم، هم ممن يحملون هم الوطن، ويحلمون بما هو أفضل وجيد دائماً، فهذا الشاب إبراهيم بن مشعي آل كله يرسم برنامجاً في شكل مقترح إلى المجالس المحلية في محافظات المملكة فيرى تكوين هيئة تطوير، وكذلك لجنة سياحية بكل مجلس محلي لغرض تفعيل دور المجالس في محافظاتها.
ويرى أن من مهام الهيئة، دراسة مشاريع المحافظة ومتابعة تنفيذها، وكذلك مراقبة مستوى التنظيم في الأحياء والنظافة والتنسيق مع رجال الأعمال عند إنشاء مشاريع تجارية.
أما لجنة السياحة التي يقترح قيامها، فإن من مهامها ووظائفها: تفعيل الإجازات الصيفية بطرح برامج ترفيهية، وعرض فنون شعبية، وغيرها وكذلك تحريك النوادي الأدبية، والرياضية، وتفعيل أنشطتها لتستوعب جميع الشباب وتوفير متنزهات ومتنفسات راقية إلى جانب الاستفادة من الحدائق العامة والأسواق الرئيسية، وهذه في الحقيقة مقترحات وجيهة، نترك أمرها لمن يعنيهم الأمر في المحافظات وفي مجالها.
أجهزة ومرافق
المقترحات السابقة حول المجالس المحلية، أعادتني إلى اليوم الأول الذي زرنا فيه محافظ رنية في مكتبه، وشاهدنا صالة الاجتماعات الجميلة التي خصصت لمجلس المحافظة.. لقد عرفنا آنذاك، أن في رنية 31 إدارة حكومية، وفيها مستشفيان وأربعة مراكز صحية، وكذلك فرع للبنك الأهلي وآخر للراجحي وبنك زراعي كما فيها جمعية بر خيرية، وجمعية لتحفيظ القرآن، وكذلك جمعية للتنمية الاجتماعية.
وفي هذه المحافظة نادٍ رياضي هو نادي الأغر وبيت تراثي شعبي وفرقة للفنون الشعبية، إلى جانب عديد من المدارس للبنين والبنات.
لكن لا نادي أدبي ولا جمعية للفنون؟!
|