كنت في عجالة من أمري وأنا متوجه إلى بلدة العلم والعلماء وأهل الجود والكرم مدينة أشيقر لموضوع يتعلق بهذا الملحق وأثناء جولتي السريعة في المدينة وجدت.
أخي/ ناصر عبدالله الحميضي فكان بين مجلسها والسوابيط ونخيلها وآبارها القديمة، فاستوقفني وجوده في هذه البلدة فتبين لي أنه يقوم بتأليف كتاب باسم (مدينة أشيقر).
قلت في نفسي سبقني إليها في الوصول وسأترك مجال المقالة هذه ليفصح عبرها عن رؤيته لها وعن سر اختياره مدينة كهذه ميداناً لتأليفه فقال:
لقد كنت محظوظاً بالتأليف عن مدينة أشيقر، لأسباب أولها قربي منها أهلاً وموطناً، وثانيها احتواء مدينة أشيقر على كنوز من المعلومات الطبيعية والتاريخية والتراثية والجغرافية والاجتماعية والسياحية والأفكار الإنسانية والاقتصادية كما أنها حقيبة رصيد هائل من التجارب في ميادين عدة لا تختص بمجال واحد ولا بجانب محدد، وأخيراً وهو الأساس في كل هذا هو تعاون الجميع وسخاؤهم بطيب نفس حتى لكأنك تعطي أحدهم ما أنت سائله.
تميزوا بكرم الخصال ونبل السجايا والطباع مع تواضع وسماحة وبشاشة وجه، ولا غرابة في ذلك فأشيقر بلاد علم ومركز ثقافة في الإقليم سابقة في ميدان العارفين، من كتاتيبها أشرق العلم ومن بين المحابر والأقلام والمخطوطات النادرة والوثائق كان ذلك المعين الذي نبع وتغذى منه عدد كبير من العلماء، وشع الضياء ليشق ظلام الأمس في كل البلدان، تتبعه الدارسون ودونه المؤوخون وتتلمذ عليه مريدو طلب العلم.
أظهر ساكن أشيقر أصالته في ميدان التعاون المنقطع النظير، ولعل من يقرأ هذه السطور يظنها كلمات مبالغاً فيها، أو على أقل تقدير هو تعاون كما نشاهد نماذجاً منه هنا وهناك ولا شك أن في كل خيراً، لكن هناك ما هو ملفت للانتباه يتميز عن سواه كما تميز البدر في العلو بضياه.
ولكي أضع بعض النقاط على حروف الكرم والطيبة في بلاد من كل القلوب قريبة مدينة أشيقر أبدأ بأهلها الأوائل الذين عمروا وأجدادهم بنيان ذلك التعاون وأسسوه، ورفعوا فوق أسوار بلدتهم شعار التعاون كنموذج فريد تطبع به الأب والولد والحفيد.
بنى أجدادهم في البلدة دور الضيافة فأصبح الغريب بين أهله، وأوقفوا المدارس وخصصوا لها ما يكفل لها الاستمرار في العطاء، وغرسوا النخيل وجعلوها أوقافاً للضعفاء والفقراء واكتفت البلدة عن الحاجة، ومسحوا دمعة اليتيم وعاشت الأرملة في عزة وكرامة ما أصابتها مذلة السائلين وتعاونوا في مشاريع الري والصرف وحفر الآبار، وأسسوا للموارد المتاحة في بلدتهم نظاماً، فتعاضد الجميع على إنجاحه.
لا تنمو بينهم عوامل فرقة وتنافر، فأعشاب الفرقة بين أشجار الربيع المزدهرة نشاز، وما تبدو عليه تلك المدينة كلؤلؤة براقة إعجاز.
تحولت جوانب الجبل المسمى أشيقر وأعلاه إلى واحة خضراء تنطق بذلك التلاحم، كما تسابق الجميع في كل محفل للبذل عنواناً لذلك التكامل والترابط بشوق وشغف، ولا مكان لموطن ضعف في جدار بنيانه مثل تلك المودة، ولا طريق لفرقة في حصن من الأنسجام والمحبة.
وأخيراً أقول: