تخيل انك تحاول فتح حقيبتك اليدوية الرقمية، ولكن نسيت (جل من لا يسهو) الأرقام السرية التي تفتح بها الحقيبة، فما عساك عندئذ فاعل؟ لعل أولى المحاولات المرضية التي ربما قد تقوم بها هي ان تطرق بأذنيك قريبا من خانات الأرقام، ثم تبدأ بتحريك تلك الأرقام السرية يميناً ويساراً، محاولا ان تسمع نقرة خفيفة عند سقوط كل رقم في مكانه الصحيح، وبعدها تنتقل الى رقم آخر يليه أملا ان تفك الشفرة كلها، وهكذا تستمر في تعقب النقرات إلى ان تصل الى التوليفة الصحيحة الكاملة لكل الارقام السرية المنسية، والتي عندها ستسمع نقرة أقوى مميزة في صوتها عن باقي النقرات السابقة لها، ومع هذه النقرة الأخيرة تكون الحقيبة قد فتحت لك أبوابها، وأنت كرجل اعمال ناجح، طالما راقبت واستمعت لتوقعات المستقبل واحصائياته، فإن اعمالك تتطلب كذلك التوصل الى الأرقام السرية اللازمة لفتح المزيد من أبواب الاستثمار والابتكار والخير، هنا قد يفترض منك ان تصل في التوليفة الاستثمارية الصحيحة من المنتجات والخدمات والمهارات المهنية بحيث تستطيع ان تعزف على الأوتار الانتاجية الصحيحة التي يطرب لها العميل، فتراه معجبا بمنتجاتك وخدماتك مقبلا على شرائها واستحواذها عن مثيلاتها المتواجدات في الاسواق، ولا يكفي هنا التفكير المستقبلي للاستثمار ان يبحث رجل الاعمال عن اعجاب العملاء والمستهلكين فحسب، بل عليه ان يتطلع الى ما يمكن ان يقدمه للعملاء على المدى الطويل، ولهذا كان التفكير في احتياجات السوق المستقبلية هو ما يميز بعض المستثمرين عن بعض في عالم المال والأعمال، لما يملكوه من قوة فراسة في المعرفة المسبقة لاحتياجات العملاء وأنماطهم الاستهلاكية، وفي جذب المستهلكين وشد حواسهم لما يبتكرونه لهم، اخذين في الاعتبار ان لكل عميل كلمته وصوته المسموع، مدركين أيضا ان عميل اليوم لا يعجبه العجب، ولا يريد ان يعامل كما يعامل الجميع، فلكل واحد منهم شخصيته المختلفة وينبغي ان يعامل على هذا الأساس، وعلى ضوء هذه الاتجاهات المتوقعة يستطيع المستثمر الذكي ان يتنبأ مثلا ماذا سيشتري الناس غداً، وان يبني تصوراً قائماً على الأفكار المدروسة المستنتجة، والتي يمكن من خلالها ان يرسم معالم الطريق الذي سيسير عليه العملاء والرغبات التي سيصلون إليها في المستقبل، وان يستعد لها قبل ان يدركها العملاء أو يفصحون عنها أو يسبقه منافس آخر له في السوق.
|