* دمشق - الجزيرة: عبد الكريم العفنان:
أوضح مصدر دبلوماسي غربي في دمشق أن زيارة الرئيس السوري إلى اليونان كانت استكمالا مهماً لجولته الأوروبية، لكن المحطة الثانية التي ينتظرها معظم المراقبين هي زيارته إلى تركيا.
وقال المصدر في حديث مع الجزيرة ان مباحثاته في أنقرة هي نقطة هامة في التحول نحو علاقة إقليمية جديدة في المنطقة إجمالا. كما ركز المصدر على أن زيارة الأسد إلى تركيا هي الأولى في تاريخ سوري المعاصر، وهي لا تشكل استكمالا فقط للتوجه السوري نحو تركيز التعاون مع أوروبا، بل أيضا خروجا عن وضعية تقليدية حكمت السياسة السورية منذ الاستقلال. وقال المصدر ان التعامل الإقليمي الحالي للدبلوماسية السورية يتعامل مع توجه استراتيجي خارج عن إطار مفهوم التحالف الذي ساد طوال القرن الماضي.
والمسألة اليوم مرتبطة بمجموعة من المصالح المنسجمة بشكل عام، والخارجة عن نطاق التكوين الكلاسيكي لمسائل التحالف. فالعلاقات التي تقيمها سورية حسب نفس المصدر ليست موجهة ضد أحد، وهو ما يجعل إمكانية التعاون الإقليمي أوسع، وعلى الأخص ضمن الموضوع العراقي الذي بات اليوم حرجا اكثر من أي وقت مضى، بعد إلقاء القبض على صدام.
وركز المصدر على ان سورية ترتكز في العلاقات الإقليمية الحالية على قاعدة مبنية على أساس تقني بالدرجة الأولى، فهناك أساس فني يتم بناء العلاقات عليه، بينما يتم استبعاد البعد الإيديلوجي لمثل هذه الأمور، معتبرا ان احتفاظ سورية بعلاقات قوية مع اليونان لا يعني بالضرورة خلافا مع استنبول. حيث يتم عزل المسائل الشائكة والتعامل معها وفق الحوار المفتوح الذي لا يملك سقفا أو خطوطا حمراء. فزيارة الرئيس السوري لتركيا بعد اليونان تحمل في عمق السياسة السورية وفق ما اوضح المصدر إقصاء للمسألة القبرصية من حدود العلاقة السورية مع كل من تركيا واليونان.
فرغم ان دمشق لم تعترف بقبرص التركية، وتمتلك علاقات هامة مع قبرص اليونانية. لكنها في نفس الوقت تعتبر ان هذه القضية ليست محصورة بين أثنينا واستنبول. وان تعقيداتها تمتلك بعدا إقليميا واضحا. وقال إن دمشق تريد تصفية الحالة التاريخية القائمة منذ انهيار الدولة العثمانية، التي حكمت العلاقة بين سورية وتركيا على أساس الوضع الذي خلفته الحرب العالمية الأولى. وهي تأخذ بعين الاعتبار أن طبيعة التعامل بين تركيا واليونان تملك تأثيرات باتجاه الحوض الشرقي لحوض المتوسط.
من جانب آخر اعتبر المصدر أن التحرك السياسي السوري الحالي يسعى لتمهيد الوضع الإقليمي نحو استيعاب النتائج المترتبة عن الأوضاع السياسية الخطيرة في المنطقة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. فالطريق السالكة ما بين سورية وتركيا واليونان تشكل بوابة عبور أساسية نحو أوروبا. مما يسهل على دمشق التعامل مع اتفاقية الشراكة المزمع توقيعها خلال العام القادم. واستخدامها في عملية تعويم المسائل الناتجة عن الحرب مع العراق. فالولايات المتحدة رغم مواجهتها لمسائل حساسة في العراق، لكنها بعد القبض على صدام امتلكت مساحة جديدة للتحرك، ومن المتوقع أن تزداد الضغوط على المنطقة وعلى الأخص سورية. مما يعني أن الكثير من العمليات السياسية يمكن أن تتأجل، مثل التسوية في الشرق الأوسط. وهذا الأمر يدعو سورية لتمتين العلاقات مع كافة دول شرقي المتوسط لاستيعاب النتائج السياسية الحالية. واعتبر المصدر أن الآلية السياسية السورية الحالية تعبر عن استراتيجية واضحة المعالم بشأن الاستقرار الإقليمي.
فمنذ النصف الثاني من التسعينيات، أخذت العلاقات مع دول الجوار السوري تتحسن، فتجاوزت العلاقات السورية مع تركيا كافة حساسيتها بعد أزمة عام 1998 التي بلغت حد الحشد العسكري التركي على الحدود السورية، وتم توقيع الاتفاق الأمني السوري - التركي وترافقت هذه التحركات مع تحسن في علاقات سوريا ولبنان بالتوجه إلى «قوننة» العلاقات السورية - اللبنانية، بالاستناد إلى اتفاقية الأخوة والصداقة الموقعة بين البلدين في عام 1991م، بعد أن كانت العلاقات ذات طابع كيفي وغير «مقنَّن».
وهذا الأمر حسب ما قال المصدر انعكس سريعا نحو العلاقات السورية - الأوروبية التي اعتبر أنها تمر في خطوة جديدة وحاسمة ستظهر نتائجها العام القادم.
|