لو عرف المحسود ما للحاسد عنده من يد. وما أسدى إليه من نعمة لأنزله من نفسه منزلة الأوفياء المخلصين ولوقف بين يديه الوقفة التي يقفها الشاكرون بين أيدي المحسنين.لا يزال صاحب النعمة ضالاً عن نعمته لا يعرف لها شأناً ولا يقيم لها وزناً حتى يدله الحاسد عليها بنكرانها ويرشده إليها بتحقيرها والغض منها، فهو صديق في ثياب عدو، والمحسن في صورة المسيء، أنا لا أعجب لشيء عجبي لهذا الحاسد ينقم على محسوده ويتمنى لو لم يبق له واحدة من النعم، وفي تلك الأمنية قد أضاف إلى محسوده نعمة هي أفضل من كل ما في يديه من النعم.
فان أردت أن تزن نعمة وافتك فارم بخبرها في فؤاد الحاسد ثم خالسه نظرة خفيفة حيث ترى الكآبة والهم فهناك جمال النعمة وسناؤها.
ليس بين النعم التي ينعم بها الله على عباده نعمة أصغر شأناً وأهون خطراً من نعمة ليس لها حاسد فان كنت تريد ان تصفو لك النعم فقف بها في سبيل الحاسدين وألقها في طريق الناقمين، فان حاولوا تحقيرها فاعلم أنهم قد منحوك لقب «المحسد» فليهنأ عيشك وليعذب موردك. إن أردت ان تعرف أي الرجلين أفضل فانظر إلى أكثرهما نقمة على صاحبه، وكلفا بالفض منه والنيل من كرامته، فاعلم انه أصغرهما شأناً وأقلهما فضلاً.
قد جعل الله لكل ذنب عقوبة مستقلة يتألم لها المذنب عند حلول أجلها، فالمقامر يتألم يوم نزول الفقر، أما الحاسد فعقوبته حاضرة دائمة لا تفارقه ساعة واحدة انه يتألم لمنظر النعمة كلما رآها، فهيهات ان يذهب ألمه أو ينقضي عذابه حتى تقر عينه التي تبصر ويسكن قلبه الذي ينبض.
الحسد مرض من الأمراض القلبية الفاتكة ولكل داء دواء ودواء الحسد أن يسلك الحاسد سبيل المحسود ليبلغ مبلغه من تلك النعمة التي يحسده عليها.
فان كان يحسده على المال فلينظر أي طريق سلك إليه فليسلكه أو العلم فليتعلم أو الأدب فليتأدب.
|