بين الكلمة الأولى والثانية صلة ونسب، بل هما بمعنى واحد وبين الكلمتين الثالثة والرابعة تباعد بل هما ضدان أما الجفاف واليبس فيتمثلان في ذبول المريض وذبول الشيخوخة وتتمثل التعاسة في الشعور بالحرمان وتتمثل العادة بمشاعر الرضى.. المرض والشيخوخة لا حيلة لنا فيهما.. فقد يمرض أحرص الناس على النظافة والوقاية، وقد يسلم من المرض من لم تخطر له الوقاية على بال.. وقد يعيش المسكين المحروم حتى يبلغ المائة عام أو يزيد، وقد تخترم المنون الغني الموفور.. أما السعادة فليس المال الكثير شرطاً فيها بل ان المال كثيراً ما يكون عدواً لصاحبه يغريه بالشهوات، ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض، وقد نجد السعادة في الكوخ ونفتقدها في القصر الكبير.
السعادة حالة نفسية، نوع من الفكر والفهم والفلسفة، فكرت كثيراً في السعادة وحاولت ان أجد لها تعريفاً، فما وجدت غير القول بأنها فترات من الغبطة يشعر بها الإنسان بعد تخلصه من الشعور بالخوف والقلق.. فالمرء يشعر بالتعاسة إذا مرض، ويشعر بها إذا عضته الحاجة، ويشعر بها إذا كانت له في المحكمة خصومة.. فإذا خرج سالماً من كل هذه المضائق شعر بالراحة والرضى والانفراج.. فالسعادة بهذا لا يمكن ان توصف بالدوام، فهي تحضر وتغيب، وتطول مدتها وتقصر.. يشعر الفقير بالتعاسة عندما يعجز كسبه عن تغطية حاجاته ويذهب عنه ضيقه.. عندما يؤمل ويرجو رحمة الله، ويشعر الغني بالتعاسة عندما يجد ان ماله الكثير لا يضمن له الصحة والعافية وتهدده حركات الأسواق من رواج وكساد.. ان الغني لا يخاف شيئاً بقدر ما يخاف الفقر، وهذا الشعور وحده تنغيص.
ليس للمكثر المنغص عيش
إنما العيش عيشة في هناء
ونعود إلى المرض وإلى الشيخوخة التي لا يجب قياسها بمقدار السنين ولكن بمقياس الصحة صحة الجسم والعقل والروح. أما المرض فانه من أكبر أسباب التنغيص والحرمان من شعور السعادة، ولا يجوز الاستسلام له باسم الدين فان الله خلق الداء وخلق له الدواء.. والدين يأمر باتقاء المهالك فالوقاية بالنظافة وتجنب العدوى وإجراء التلقيحات واستشارة الأطباء كل ذلك يأمر به الدين ويحث عليه، والعلم اليوم أعني الطب يميل إلى اتهام الطعام بإحداث كثير من الأمراض إذا تناوله الإنسان بإسراف «كلوا واشربوا ولا تسرفوا» وأمراض القلب والشرايين التي تعجل بالشيخوخة وتعرض لحوادث الموت المفاجئ الكثير منها سببه الإسراف في الطعام والتهالك على جمع المال، وتسمى هذه الأمراض بأمراض الأغنياء.
ورحم الله أيام القنص والخروج إلى الصحراء للراحة والاستجمام، ورحم الليالي ليالي السمبوك على صدر البحر في جدة بل رحم الله الرحلة في كل صيف إلى الطائف ليس على الطريق الجديد الخاطف ولكن على الطريق القديم والأيام الخمسة التي نقضيها ضيوفاً على السيل الكبير.
ان التهالك على الدنيا والخوف من الفقر هما أسباب الهموم التي تنغص العيش والسلامة في العمل، والقناعة والاستقامة وحسن الظن بالله والتوكل عليه.
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن الا خالي البال
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغيّر الله من حال الى حال
|