أركان التعليم.. كتاب وطالب ومعلم.. وللارتقاء بالتعليم تجري وزارات التربية والتعليم في الدول الراقية تغييراً في المناهج وتدريباً للمعلم بين فترة وأخرى، لأن العلوم تتقدم، والمعلومات تزيد، والثقافات والتجارب والاكتشافات تحتاج الى تنظيم وتسجيل وتحديث..
ولكن المعلم في الدول النامية على وجه الخصوص يظل يراوح مكانه من ناحية التدريب والتثقيف ورفع مستواه العلمي، ولكي يواكب المعلم مستجدات العلم السريعة، ويسهم في رقي التعليم ويفيد الأجيال المتابعة، لابد من العناية به إلى أقصى درجة ممكنة.
والواقع أن وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية لم تكن غائبة عن مضمار التغيير الإيجابي للرقي بالتعليم والمعلم وبالمناهج، بل كان لها كامل الحضور.. حيث تقوم حالياً بتنفيذ «مشروع تطوير استراتيجيات التدريس» الذي سيكون نقلة نوعية رائعة في المجال التعليمي.. إن شاء الله.
و «مشروع تطوير استراتيجيات التدريس» الذي ترعاه وزارة التربية والتعليم في المملكة هو نتاج حقيقة ثبتت وهي أن التعليم يعاني من وجود نسبة كبيرة من المعلمين تعتمد على الالقاء الذي ينتهي بالحفظ والترديد.. مما يسهم في تكريس الدور السلبي للتلاميذ في التعليم.. ايضاً ضعف إلمام بعض المعلمين باستراتيجيات التدريس التي تجعل التلميذ هو محور العملية التربوية والتعليمية.. إضافة إلى ما يعانيه المعلم من إشكالات علمية وادائية وفكرية.. فبعض المعلمين اختلطت عليهم الرؤية فما صاروا يفرقون بين: هل الفصل فصل تدريس مادة منهج مقرر.. ام فصل وعظ؟!.
خطورة المعلم أنه يستطيع ان يغسل دماغ التلميذ خصوصاً في تلك المراحل المبكرة.. فهذا المعلم يمكنه أن يبني مستقبل تلميذ.. وان يحبط مستقبل آخر.
وزارة التربية والتعليم من خلال مشروعها، مشروع تطوير استراتيجيات التدريس تريد الانتقال بالتعليم من مرحلة التلقين إلى مرحلة التعليم.. ومن ذلك جاء شعار المشروع «علمني كيف أتعلم».
فالطالب الذي هو محور العملية التعليمية يجب أن ينشط للحصول على المعلومة بدلاً من تلقينها له.. وهذا يحول المعلومة من كلمات جامدة قد لا تعني شيئاً.. إلى معلومة حية متحركة مفيدة تمثل إضافة لرصيد الطالب المعرفي.
المشروع ايضاً يهدف إلى الرفع من المعدل التفاعلي بين الطالب والمعلم.. حيث يحفزهما «الطالب والمعلم» للتساؤل والبحث والنقد وتوليد الافكار وتوظيفها لخدمتهما وخدمة مجتمعهما.
المطلوب من المشروع كما فهمت أن يغير نمط التدريس من نظري إلى عملي.. ويمكن الطالب والطالبة من التفاعل الايجابي مع العملية التعليمية.. كما ينمي لديهما القدرة على التعلم الذاتي.. ذلك الاسلوب من التعليم الذي صنع كل رجالات التاريخ والإنسانية، فلا يوجد احد اثر في الانسانية مكتفيا بما تعلمه في مدرسته او جامعته.. ان ربط التعليم بالبحث والاستقصاء للاكتشاف.. هي النقلة المطلوبة حتى نستمر في السير حثيثاً في اتجاه المستقبل الواعد.
يجب أن يتعرض المعلم والمعلمة وبشكل دوري لدورات تدريبية قصيرة مركزة.. فهذه الدورات علاوة على انها مهمة جداً في تنمية المعلم ذاته فهي وسية لاكتشاف الموهوبين من المعلمين والاكفاء وتبنيهم.. وينتخب من بين هؤلاء من يشارك في تخطيط المشاريع التربوية والتعليمية المستقبلية.
لا شك في أن المشروع نقلة للمدرسة والمدرس والتدريس.. فما عادت المدرسة مكاناً للتلقي والتلقين.. بل هي ميدان يوفر بيئة تعليمية تنمي مهارات روح الفريق الواحد ومواجهة وحل المشكلات.. والتفكير والتعاون المتبادل.. والاعتماد على النفس وتقييم الذات وتطويرها.
وما عاد المدرس ناقل وملقن معلومة.. تلك المعلومة التي فقد الإحساس بها.. فضعفت قدرته على نقلها وتلقينها.. وعجز الطالب عن تلقيها وفهمها.
اما التدريس فما عاد عملية روتينية مملة في حين ما.. او تكتنفها الرهبة والتوتر في احيان اخرى.. وصار التدريس عملية ينشط فيها الطالب ليحصل على المعلومة من معلمه او معلم آخر او مصادر معلومات اخرى.. المهم صار التدريس عملية تجبر الطالب على استخدام كافة حواسه وقدراته للحصول على ما يريد.
مشروع تطوير استراتيجيات التدريس مشروع عملاق.. بل ان هناك من المشرفين التعليميين التربويين من يرى ان هذا هو مشروع القرن لوزارة التربية والتعليم.. انه لشرف عظيم ان يكون المرء جزءاً من مشروع القرن لوزارة التربية والتعليم.
لقد اعتدت في سلسلة مقالات مجالات التغيير المطالبة «بفعل».. وفي هذه المقالة فاني اعرض «فعل يتم».. كل املنا في الله سبحانه وتعالى ان يوفق القائمين عليه.. وان يكون هذا المشروع ناجحاً ينقلنا مما نحن فيه ونعيشه.. الى فضاءات أرحب وأكثر اشراقاً وسعة.
|