Wednesday 17th december,200311402العددالاربعاء 23 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

رنية... الواحة الفيحاء في قلب الصحراء 4/6 رنية... الواحة الفيحاء في قلب الصحراء 4/6
الشعراء أبدعوا في تصوير تاريخ ومعالم رنية

حمّاد بن حامد السالمي ومحمد آل ماضي
في صبيحة اليوم الثاني من زيارتنا لمحافظة رنية، كنا على موعد مع القرى المحيطة بالمدينة، تلك الممتدة على طرفي الوادي الكبير، دور طينية قديمة تربض في هدوء وسكينة وسط غابات من نخل وهي تتابع القرى الأسمنتية التي بدأت تنمو وتكبر حولها.
في هذه المشاهد على ضفتي وادي رنية، مساحات من جمال آخاذ، بل قصص وحكايات فيها من الدروس والعبر، مثلما ما فيها من أشجار وألحان رنانة، نجدها في أشعار ابناء رنية، وفي إغانيهم وأهازيجهم، وتصورها رقصاتهم الشعبية، وقد نجدها على ألسنة من بقي من ذلك العهد الذي كان يقرب الناس بعضهم من بعض، فلا يفصل بين الأسرة والأسرة، إلا جدار من طين، بينما مورد الماء واحد، والدرب واحد، وحتى الراحلة والشجرة واحدة في كثير من الأحيان.
ولأن الشعر هو ديوان العرب في القديم من الزمان، وهو منبرهم في الجديد من الزمان، فها نحن نعود اليه اليوم، لنرى من خلاله جمال المكان في رنية، ونلمس من خلاله، إحساس الإنسان في رنية بهذا الجمال.
كان لمعالم رنية الجغرافية حضورها في الشعر الجاهلي
إن الطبيعة ملهمة، والوطن هو الوجه القريب الى الإنسان من هذا الكون كله، فهو يمنحه حبه وحنينه، ويغنيه صباح مساء انطلاقاً من هذا الشعور الجميل.
إن أبناء رنية قديماً وحديثاً، هم الذين اخذوا بلدتهم الى صدورهم، فأحبوها وأحبوها حتى فاض حبهم بشعرهم فيها، ولهذا وجدناها من أكثر البلدان احتفاءً من أهلها حتى لو جمع ما قيل فيها من شعر فصيح ونبطي، لضاقت به مجلدات مكتوبة.
الشعر يتحدث
سوف نفسح المجال هنا للشعر، فهو لديه ما يقوله عن رنية هذه، عن أرضها وجبالها وسهولها وأوديتها ونخلها وناسها.. عن كل شيء فيها.
ماذا قال الشعراء عن رنية..؟ بل ماذا قال الشعر..؟!
صَوّرَ الشعراء في العصر الجاهلي جانباً من حصانة جبالها واكنانها بأنها مأمن حصين لكل من دخلها ونذكر الشاعر الراعي النميري عندما كان يتوعده والي المدينة مروان بن الحكم من قبل معاوية بن أبي سفيان وذلك في عهد دولة بني أمية حيث ردّ عليه بقصيدة مشهورة قال فيها:


خبرت أن الفتى مروان يوعدني
فاستبق بعض وعيدي أيها الرجل
لي في تدوم اذا اغبرت مناكبه
أو دارت الكور عن مروان معتزل

فذكر الشاعر في هذه الأبيات من قصيدته الطويلة مَعْلمين بارزين في محافظة رنية وهما جبل تدوم وجبل الكور وقد وصفه بأنه مغبر الجنبات وقيل انه من كثرة ركوض الخيل فيه مما احدثت فيه محافر الخيل وكونت تراباً أغبر فيه وهو من الجبال الحصينة وهو مستدير ومجوف ويصعب الوصول اليه مما جعل النميري في مأمن حصين من مروان بن الحكم. ولهذا فإن جبال رنية تعتبر أثرية وتاريخية منذ القدم مما جعلها تكون في ذاكرة الشعراء والمهتمين بالآثار والمؤرخين إلا ان المحافظة أخذت نصيباً وافراً من الشعر لأنها تتميز بطبيعة أرضها وجبالها وأوديتها وشعابها المتناثرة على الأودية والجبال مما جعل بداخلها بعض الكنوز الأثرية التي يعود تاريخها الى العصور الجاهلية.
نسمة هواها..
كما تغنى بالمحافظة بعض من الشعراء الشباب ووصفوا رنية بأنها بلدهم ومسقط رأسهم الذي نشأوا وتربوا في احضانه ولا يمكن ان يبدلوا هذه الأرض وهذا التراب الذي عاشوا فيه طفولتهم الأولي بين آبائهم واجدادهم. الشاعر فليان بن ماضي السبيعي وصف رنية بطبيعتها وجوها الجميل وقال في هذه الأبيات:


رنية بلدنا ما تبدل بالأبدال
نرخص لهابالروح وبالعهد نافي
نسمة هواها تنعش القلب والحال
تشفي الفؤاد وللجرايح تشافي
بضفاف واديها بساتين وظلال
والجو فيها دائم الدوم صافي

صهر ونجد
كما قال الشاعر الأستاذ سعد فواز البخيت واصفاً رنية بجبالها الشامخة العالية ومن أبرزها جبل صهر الذي يطل على محافظة رنية من جهة الغرب وهو جبل أسود مليء بالكنوز والآثار القديمة ويتمنى الشاعر ان يكون مثل هذا الجبل طولاً بنجد وكم من أحداث شهدت لهذا الجبل الصلد القوي ولا تؤثر عليه العوامل الطبيعية.
ويقول الشاعر في قصيدته:


يا شامخاً من بطن رنية واعتلى
هلا بنجد كان مثلك اطولا
شهدت لك الأحداث حين تداولت
وأراك صلداً مارضيت تبدلا
يا سائلاً سل الزمان وما حوى
هل نسيت لصهر ان تتمثلا

رنية الفيحاء
وقد تطرق هؤلاء الشعراء من الشباب لذكر وتمجيد هذه المعالم الأثرية التاريخية حتى لا ينساها التاريخ والأجيال القادمة وهذا ما يرفع رؤوسهم عزاً وفخراً لبلدتهم رنية التي عاشوا وتربوا في أكنافها وربوعها وتركوا على كل مثل وبقعة ذكرى خالدة يدق جرسها في عالم النسيان ويقول الشاعر حزمي بن فراج السبيعي:


يا رنية الفيحاء سقى الله واديك
يسقيك من نو كثير الرعود
يسقي جبالك والهضاب وضواحيك
دار بها جدي وخالي سكن بيك
ذيك الغروس اللي عساها تعود

وهنا نقف قليلاً مع هذه الأبيات التي وصف بها الشاعر هذه المحافظة الواسعة والخضراء فهو يتمنى ان يعود له ما كان عليه آباؤه واجداده في ذلك الوقت ووصف رنية بالفيحاء لأنه يفوح منها العطر والروائح الزكية لكثرة النخيل والمزارع المتنوعة الغرس والزهر والخزامي، ويلح الشاعر بالطلب والدعاء من الله ان يسقي رنية وضواحيها حتى تسيل أوديتها نظراً لما مر بالمحافظة من جفاف وقلة الأمطار.
منتدى للشعر..؟
ويقول الشاعر محمد بن سعيد السّلسل وهو من شباب هذه المحافظة ومن المهتمين بتراثها ومعرفة معالمها البارزة ولا يزال يختزن في ذهنه هذه الموروثات التي ورثها عن أبيه واصفاً رنية بأنها عبارة عن روضة فيحاء لما تمتاز به من أودية وأشجار ظليلة وجو صافٍ وهي تلك البلدة التي عاش فيها مهد طفولته حيث قال فيها:


رنية الفيحاء مهد ودروب
لوحة فيها ارتسم باهي الورود
نسجها من فطرة بيضاء تلون
ولونها من مداد الوفى والصبح البلور
في ثنايا المصلوخ وفجاة صهر
منتدى للشعر واغلا الوفود
من جبال الورك لياسلي وتدوم
كم نقشنا عز ومجد بلا حدود
ومن كهف ذيبان ليا خشم السلف
كم تبادلنا الكرم أب وجدود
ومن سهول الشايل ليا الكور السنود
كم كست شعبانها روض البنود
ومن العرق مع كلاّن والحويا نزول
كم روجت سود القوايم عدود
وللوطن والشعب في عز وغلا
والمشاعر والحرم وملوكنا تاج البنود

ونذكر هنا في هذه الأبيات اضافة لما ذكره الشاعر من وصف جميل لرنية اضاف اسماء بعض الجبال التاريخية والأثرية مثل جبل كلان والحويا وجبل الشايل والكور. من دوافع قول الشعر في محافظة رنية طبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة ومعالمها الأثرية التي حركت قرائح الشعراء فأصبح الشعر فيها فطرة موروثة يتوارها الأبناء عن آبائهم واجدادهم.
بين النابغة والهمداني
ومما قاله النابغة الجعدي وهو من شعراء العصر الجاهلي:


كأن غير يراهم بجنوب سلّي
نعام فاق في ارض قفاري

وأورد أيضاً الهمداني من قول الشاعر:


يا ابلي هل تعرفين ساقاً
وضلفعان والمرتع الرقراقا

وقال غيره:


اذا ما قطعنا اليوم رحلة هاجر
فإن لنا بالضلفعين مقيلا

ذكر هؤلاء الشعراء الجاهليين بعض اسماء الجبال الأثرية التي تم ذكرها سابقاً وهي لاتزال اليوم شامخة على أطراف رنية يذهب لها كل من يريد ان يروح عن نفسه فأصبحت هذه المعالم التاريخية مقصداً للمهتمين بالآثار من أبناء المحافظة وخارجها.
عاش الوطن
وفي زيارتي لمحافظة رنية، التقيت عدداً كبيراً من المسؤولين والمشايخ والأعيان، وبأبناء رنية شباباً وكهولاً وشيوخاً، فإذا هم كما نعرف عنهم منذ زمن طويل، أهل علم وعمل وجد وكفاح، وفيهم الى جانب الكرم والشهامة والنخوة، حب كبير لوطنهم الكبير، نجد ذلك في مجالسهم وفي أشعارهم وفي أهازيجهم الشعبية.
لقد اخترت هذه الأبيات الجميلة لشاعرهم مبارك بن فلاج السبيعي، وقد نظمها بمناسبة الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس المملكة.. يقول:


عاش الوطن وعاش منهو مشى فيه
مرحوم يا شيخ حكم ذا البلادي
شيخ ولد شيخ بقوله وأسميه
عبدالعزيز اللي حكم بالزنادي
جمع شتات الناس زانت معانيه
عقب الحروب وعقب ذاك النكادي
أسس قواعدها وضح مباديه
حكم بشرع الله ولبى المنادي
لبى بلاده يوم قامت تناديه
وخلا الأمن يسود في كل وادي
وخلف شيوخ ماشين مماشيه
ريف الضعيف منزحين الحسادي
آل السعود وغيرهم مانحييه
همة هل التوحيد وأهل الجهادي
هذا الوطن يا ناس غلاه ما أحصيه
والله يحفظ ملوكنا والبلادي
واختامها مني سلام ابا اهديه
من محافظة رنية يعم البوادي

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved