انخفض سعر صرف الدولار في الآونة الاخيرة الى مستويات قياسية والسؤال الذي يطرح نفسه بغض النظر عن تصريحات المسؤولين الامريكيين هو هل هذا الانخفاض ناتج عن الظروف التي يمر بها الاقتصاد الامريكي حاليا وما استلزمته من انتهاج سياسات معينة ام انه سياسة تنوي الحكومة الامريكية اتباعها لاستعادة التواجد القوي للمنتجات الامريكية في الاسواق العالمية التي تقلص تواجدها فيها أم ايجاد وطء قدم في تلك الأماكن التي لما تصلها بعد تستطيع من خلاله الانقضاض على الاسواق وفرض الهيمنة الامريكية عليها؟
ومن الطبيعي ان تختلف الاجابات على هذا التساؤل، وقد لا تؤيد اكثرها الخيار الثاني لعدم منطقيته لدى البعض وصعوبة فهم هذه الاستراتيجية طويلة المدى، وللتكلفة العالية لانخفاض سعر صرف الدولار لدى آخرين وللتصريحات الرسمية المؤكدة لدعم الحكومة لسياسة الدولار القوي.
لكن يمكن القول ان هذه التكلفة ربما تكون مبررة اذا كانت هذه السياسة جزءا من منظومة متكاملة من السياسات والاستراتيجيات ذات الآجال المختلفة والتي تسعى من خلالها الولايات المتحدة الامريكية الى تحقيق مجموعة من الاهداف الاقتصادية وغير الاقتصادية. وبدون شك فان تحقيق الاهداف خاصة عندما تكون على درجة عالية من الاهمية - يستلزم دفع الثمن والذي يتناسب وطبيعة الهدف والمكاسب المأمول تحقيقها.
ويمكن من واقع الدراسات الاقتصادية استنتاج ان لسعر الدولار المنخفض اثرا كبيرا في حماية الصناعات الامريكية المحلية من المنافسة الاجنبية محليا وعالميا، علاوة على قدرته على الحد من تكوين ولاءات للمنتجات الاجنبية لدى المستهلكين الامريكيين بالاضافة الى تقوية الولاء للمنتجات الامريكية او بنائه ان لم يكن موجودا من قبل سواء في الاسواق المحلية او العالمية.
وفي هذا السياق تبين الدراسات التي اجريت حول اثر التغيرات في سعر صرف الدولار على صافي الصادرات «قيمة الصادرات مطروحا منها قيمة الواردات» ان هناك علاقة عكسية بينهما فقد صاحب الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار في الفترة من عام 1980م الى عام 1985م انخفاض كبير في صافي الصادرات الامريكية، الامر الذي جعل العديد من القائمين على الشركات الامريكية يتذمرون من سياسة الدولار القوي والذي ادى الى خروج منتجاتهم من الاسواق العالمية او تقليص تواجدها، وفي نفس الوقت سمح للمنتجات المستوردة بمنافسة المنتجات الامريكية في اسواقها المحلية بشدة لكون الاولى ارخص من الثانية بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض سعر صرف العملات الاخرى تجاهه.
وقد ادى ذلك الى الاضرار بالمنتجين الامريكيين الذين وجدوا انفسهم مضطرين الى خفض الانتاج، وخسارة ولاءات سواء في السوق المحلية او العالمية استثمروا في تكوينها بلايين الدولارات وفي المقابل فان لانخفاض سعر صرف الدولار اثرا معاكسا ينطوي على آثار ايجابية على المنتجات الامريكية.
|