* حوار: علي سعد القحطاني
يأتي إصدار كتاب الأستاذ محمد المشوح «عميد الرحالين محمد بن ناصر العبودي» متزامناً مع مناسبة تكريم الشيخ العبودي في مهرجان الجنادرية وكان المؤلف قد جمع مادته العلمية منذ أكثر من ثلاث سنوات وترجع علاقة المشوح بأستاذه العبودي إلى أمد بعيد حيث كان يراجعه الأول فيما يشكل عليه من مسائل علمية في التاريخ واللغة والأنساب ثم توطدت تلك العلاقة على إثر البرنامج الإذاعي «المسلمون في العالم - مشاهد ورحلات» الذي يذاع في إذاعة القرآن الكريم ويؤكد المشوح على أن العلامة يمتاز بموسوعيته فهو علم بارز كتب في جميع الفنون والعلوم ويوصم العبودي بأنه رائد تنويري متقدم، طرح آراءه المستنيرة وبحوثه الجريئة منذ زمن بعيد وقدم نموذجاً للدعوة في وجه معتدل متسامح بعيد عن الغلو والجفاء والشدة.
وقد تحدث المشوح ل«ثقافة الجزيرة» بمناسبة صدور كتابه عن سر ابتعاد الشيخ محمد العبودي عن وسائل الإعلام وشروعه في كتابة المذكرات، والكتب التي لم تطبع بعد ومدى اهتمام الدراسات الأكاديمية التي تناولت أدب الرحلة لدى العبودي.
العلاقة
* صف لنا علاقتك مع فضيلة الشيخ محمد العبودي وما هي الصفات التي شدتك في شخصيته؟
- تنزع علاقتي بشيخي العلامة محمد العبودي إلى منزعين:
أولهما بنوة وقرابة والأخرى تلمذة وطلب، ومن هنا فهي علاقة امتدت لسنوات عديدة حيث كنت أراجع الشيخ محمد العبودي فيما يشكل عليّ من مسائل علمية في التاريخ واللغة أو الأنساب أو أوضاع الأقليات المسلمة.
ثم توطدت تلك العلاقة فصارت شبه دائمة إثر البرنامج الإذاعي الذي أقدم فيه الشيخ والذي يذاع في إذاعة القرآن الكريم «المسلمون في العالم - مشاهد ورحلات» الذي حقق فيه الشيخ نجاحاً جديداً مضافاً إلى نجاحاته العلمية الرائدة العديدة.
أما أبرز صفات الشيخ العلامة التي تشد المرء إليه فتتلخص في الآتي:
أولاً: موسوعيته فهو علم بارز في كل ميدان بل كتب في غالب العلوم والفنون وألف فيها كالشريعة والأدب والتاريخ والجغرافيا والأنساب واللغة والدعوة والرحلة وهذا قل أن يجتمع لشخص في آن واحد إلا العلماء القلائل.
ثانياً: تنويره فالعلامة العبودي رائد تنويري متقدم طرح آراءه المستنيرة وبحوثه الجريئة منذ زمن بعيد وقدم نموذجاً للدعوة في وجه معتدل متسامح بعيد عن الغلو والجفاء والشدة.
وكان لمنهجه الدعوي الفريد أثره على سير الدعوة واستمرارها في الخارج وعلى علاقاته المتميزة مع كافة رجال ورموز العمل الدعوي والإسلامي في الخارج.
ثالثاً: التزامه وانضباطه في كافة أعماله فهو لا يفرط في الوقت ويحترم المواعيد أيما احترام، لا يقبل التأخير والتساهل فيها ولي معه مواقف لطيفة في ذلك.
وهو أيضاً يحمل همم العلماء الأوائل ويأخذ بالأسباب ويتوكل على رب الأرباب لا يعرف التواكل والتسويف والإحباط والتأجيل ومن هنا قدم للمكتبة هذا الكم الهائل من الكتب جزاء هذه الهمة العلمية العالية.
رابعاً: صبره الذي يعجز عنه عشرات الرجال فقد سافر إلى أصقاع الأرض ومجاهلها لا تثنيه رهبة ولا يقعده خوف ولا يرجف به قول أو وشاية منكب على التأليف والكتابة لا يجف له قلم ولا تطوى له محبرة.
صابر على القراءة يقرأ في ساعات تساوي ساعات الكتابة.
صابر على العمل أمضى فيه أكثر من ستين عاماً في الوظيفة.
الإشارة
* يلاحظ أن فضيلة الشيخ عندما يتحدث عن مؤلفاته فإنه دائماً يشير إليك؟
- الحقيقة أن هذا تفضل منه وتواضع وإحسان وهو لمّا يزل يغمرني دوماً بأفضاله وكثيراً ما يعرض عليّ بعض مؤلفاته قبل طباعتها ويقول ما رأيك في ذلك؟
أدرك أن رأيي لا يشكل شيئاً بالنسبة إلى علم بارز بقامة الشيخ ولكنه تواضع العلماء وتلطفهم مع أبنائهم وتلاميذهم وهو ما يخصني به حفظه الله وجزاه عني خيراً.
التوقيت
* لا شك أن توقيت إصدار كتابك كان موفقاً حيث جاء متزامناً مع مناسبة تكريم الشيخ العبودي في مهرجان الجنادرية؟
- الحقيقة أن تلك كانت مصادفة جميلة وإلا فالكتاب بدأت به منذ أكثر من ثلاث سنوات وجمعت مادته العلمية ثم جاءت هذه المناسبة لتؤكد فكرة الكتاب و أهلية الشيخ الحقيقية للتكريم على كافة المستويات.
الابتعاد
* ما سر ابتعاد الشيخ محمد العبودي عن وسائل الإعلام وهل النقاد مقصرون في تداول أعماله؟
- الحقيقة أستطيع أن أعزو ذلك إلى أمرين:
الأول: انشغال الشيخ بمشاريعه العلمية فهو شعلة لا تتوقف فهو كما قال المتنبي «ما حط من سفر إلا إلى السفر» أو تراه عاكفاً على مؤلف علمي يحقق فيه ويناقش ويبحث.
فليس لديه فسحة من وقت حتى المناسبات الرسمية والعائلية لا يحضر فيها إلا ما كان منه واجباً حتماً يلزم حضوره.
ثانياً: إن طبيعة الشيخ ليس محباً للحديث عن ذاته ونفسه ولو من الأقربين حتى ولو كان حقاً.
ورؤيته أن ما كان نافعاً ومفيداً لا يحتاج إلى إعلام وإبراز والزمن كفيل بإخراجه وإبرازه وإظهاره.
وهو يعيش بتواضع العلماء في حديثهم وسمتهم ووقارهم وهيبتهم.
ولا يسعك حين تراه وتتحدث معه إلا أن تتذكر ابن قتيبة وابن الأثير والخطيب البغدادي وأعلام الأمة.
وليس هناك ثمة شك أن هناك تقصيراً في حق الشيخ من قبل النقاد والإعلاميين الذين عليهم واجب نحو إبرازه وخصوصا مشاريعه وجهوده العلمية الرائدة.
مذكرات
* هل يزمع الشيخ كتابة مذكراته؟
- الحقيقة أن الشيخ بدأ بذلك فعلاً وكتب عدة كتب لم يطبع منها شيء حتى الآن ومنها ستون عاماً في الوظيفة وهذا الكتاب أبرز فيه ذكرياته العملية من خلال الوظيفة التي تنقل فيها بعدة مواقع ومناصب.
كما أن هناك كتابا لم يصدر بعد بعنوان «صور من الحياة في بريدة قبل 73 سنة» وهذا الكتاب سرد لذكريات الطفولة والصبا والشباب التي عاشها الشيخ في بريدة ودونها في سرد جميل.
كما أن هناك كتاب «يوميات نجدي» وهو عبارة عن مذكرات يومية يكتبها الشيخ يومياً حتى صارت في ثلاثة مجلدات لم يطبع حتى الآن.
تحت الطبع
* تعلم أن فضيلة الشيخ لديه أكثر من خمسين كتاباً لم تطبع حتى الآن ما مصير تلك الأعمال؟
- الحقيقة أن لدى الشيخ أكثر من خمسين كتاباً فلديه ما يقارب ستين كتاباً جاهزة للطباعة في الرحلات فقط.
ولديه أكثر من ثلاثين كتاباً آخر في علوم وفنون ومعارف أخرى وهذا الكم الهائل يحتاج إلى رعاية واهتمام.
وإني بهذه المناسبة أناشد الجهات العلمية والثقافية والخيرية بقيام مشروع يعنى بكتب الشيخ وطباعتها ونشرها ولاسيما انه يمثل قامة شامخة من رواد العلم والثقافة والأدب في بلادنا كي يتم الاستفادة من هذا الكم الهائل من الكتب التي لا تزال مخطوطة تنتظر النشر.
الرسائل العلمية
* ما مدى اهتمام الرسائل العلمية بأعمال فضيلة الشيخ العبودي المتنوعة سواء كانت معجمية أو روائية أو رحلات دعوية؟
- هناك بعض الدراسات التي تناولت جانب الرحلة لدى الشيخ العبودي مثل د. عبدالله حامد في كتبه «أدب الرحلة في المملكة العربية السعودية» ومحمود رداوي في كتاب «الرحلات - إعلامها في الأدب السعودي المعاصر» وغيرهم.
إلا أن مادة الشيخ العبودي العلمية وكتبه الكثيرة الحافلة تحتاج إلى مزيد من الدراسة المتنوعة بجانب شخصيته العلمية والثقافية والدعوية وهو ما أرجو أن تلتفت إليه الأقسام الأدبية والإسلامية والدعوية في الجامعات السعودية.
|