Wednesday 17th december,200311402العددالاربعاء 23 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

بلا تردد بلا تردد
«ماما»
هدى بنت فهد المعجل

جبل البشر على الاستهزاء والتندر.. ونسوا الثناء والمدح والاستحسان حتى شككنا في وجود عبارات مدح أو ثناء واستحسان في المعاجم العربية، وتوقعنا أن تضيق المعاجم ذرعاً بمفردات الاستهزاء وعبارات التندر.
فلو خرجت للناس بغير لباسك الرسمي وإن يكن في اماكن التنزه والترفيه نزعوا عنك رجولتك وشبهت بشعوب أخرى كما لو ان تلك الشعوب مجردة من الرجولة لارتدائها البنطال او البدلة رغم كون هذا اللباس الزي الرسمي لها.
تشعر بتندرهم واستهزائهم في نظراتهم وابتساماتهم الخبيثة ولا تملك من أمرك سوى الصبر واللامبالاة والتجاهل.
اما من يسمع وهو ينادي والدته ب«ماما» فعليه أن يتهيأ لسماع عبارات الاستهزاء تلك ويحتمل التندر ويتغاضى عن ابتساماتهم الماكرة.. حيث لم يرد نص شرعي عن صفة بعينها تقال عند مناداة الام.. وان كنا قد اعتدنا على قول «يمه» فهي لفظة أتينا بها كتقليد ولا محاكاة ليس الا.. ولا عيب في أن ينطق أبناؤنا بعبارة غيرها يستحسنونها لإحساسهم بلطفها ورقتها وسهولتها وكونها أول كلمة يتفوه بها لسان الطفل.. فهل من خطأ في تمسكه بها وإن مضى به العمر فأصبح شاباً او رجلاً.
لا ادري.. ولكني أجد في لفظة «ماما» رقة وحنوَّاً وأتمتع بسلاستها على لسان من ينطق بها.. فنحن أمة ترفض الجديد في الغالب لمجرد الرفض دون مبرر مقنع.. ولست هنا أفرض على الآخرين لفظة خاصة ينادون بها أمهاتهم فلكل حرية الكلمة المحببة إليه وإلى «أمه» وكما نعلم أن العبارات المتبادلة بيننا تشكل جزءاً مهمَّاً في حياتنا وقد لا يدرك البعض ذلك.. لا يدركون وقع اللفظة في النفوس ودورها في تلطيف العلاقات وتحسينها وتوطيدها.. بمقدار جهلهم لوقع الملامسة الجسدية بين الآباء والأبناء رحمة ومحبة لهم وإشعاراً بالأمان والاطمئنان والتلطف معهم فقد روى لنا أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبَّل الحسن والحسين بن علي وعنده الاقرع بن حابس التميمي فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحداً قط، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: «من لا يرحم لا يُرحم».
كذلك قالت عائشة رضي الله عنها: جاء إعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنكم تقبِّلون الصبيان وما نقبِّلهم» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أو أملك لك ان نزع الله الرحمة من قلبك».
رحمة انتزعت لمجرد ترك تقبيل الأبناء.. فكم أمٍّ بيننا.. وكم أبٍ جُرِّد من الرحمة على هذا الاساس.. ونعجب ونستهزىء بفتاة تخاطب والدتها ب «ماما».
ما المانع من أن نغذي أبنائنا الرحمة والعطف واللِّين فنرضى بعبارتهم التي ينادوننا بها ولا نصرُّ على عبارة بعينها لأننا اعتدنا على سماعها أباً عن جد..!
بحواسنا نطعم أبناءنا العواطف.. كالحب والرحمة واللِّين.. وما إن يشبُّوا ونكبر حتى نجدهم «بإذن الله» يطعموننا الزاد نفسه.. ونشرب من الكأس ذاته.
تخاطبين ابنتك.. تعاتبينها.. ترد عينها بلطف قائلة: لماذا فعلت ذلك يا ماما.. لا يا ماما مش كذا، يناديك ابنك ماما.. ماما.. أين أنت؟.. فتجيبينه نعم يا بابا..!!
أليس لوقع اللفظة أثر في نفسك.. الواقع ذاته يجده الابن في نفسه.. فكيف بك وبه وأنت تضمّينه إلى صدرك طفلا ثم صبيّاً ثم شاباً ثم رجلاً وتقبِّلين جبينه.. وعينيه.. ووجنتيه.
أعرف أمهات يدفعون أبناءهم حينما يحني الابن ظهره ليقبلهن، وآباء كذلك!!
لماذا.. وهل لجهلهم بأسس التربية سبب في ذلك.. يرفضون بعض طرق التربية الحديثة بحجة عدم جدواها.. فنرشدهم الى سيرته صلى الله عليه وسلم ومنهجه في التعامل مع الاطفال والصبية، وعلى منهجه رست التربية الحديثة واعتمدت.
فقد ثبت في الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَبَّل إبراهيم و «شَمَّه».
ضعوا ما استطعتم من الخطوط تحت كلمة «شمّه» فحاسة الشم لها مفعول السحر في الجذب والنفور.. في الإقبال والإعراض.. لكنها ليست كذلك وأنت تشمِّين ابنك او ابنتك.. عاطفة سامية جذبتك نحوها وضاعفت حاسة الشم لديك من فعل الجذب حتى شعرت باختراقها لصدرك وإحداث جلبة في ضلوعك.. فهل ترفضين مناداتها لك ب«ماما»..؟!!

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved