انتقيت في رمضان، هذا العام، أربع مسلسلات لمشاهدتها، وقد ساهم في هذا الانتقاء، إلى حد كبير، الوقت الذي أتواجد فيه، في المنزل، وكانت هذه المسلسلات تضم: طاش ما طاش، الحيالة، عمرو بن العاص، الليل وآخره، وانضم لها بعد ذلك مسلسل الحجاج.. ولن أتردد في القول، إنني ندمت لعدم متابعتي للمسلسل الأخير، فما شاهدته من حلقات قليلة منه، جعلني أتلهف، لإعادة عرضه، في أي قناة فضائية، ليس حباً، في الحجاج نفسه، ولكن حباً، في الأداء الجيد، والمتدفق والتقمص الجيد، للأدوار، وفوق ذلك كله التصوير، والاكسسوارات، والإضاءة، كافة هذه العوامل، جعلتنا نعيش فعلاً في عصر الحجاج، ذلك العصر الحافل بقطع الرقاب، وسمل الأعين، وتكميم الأفواه، والروح الانتهازية!
إن عدم حبي للحجاج، هو الذي جعلني، لا أحرص على مشاهدة مسلسل، يصور حياته «ضعفه وقوته وإخلاصه لبني مروان» لكن ما سمعته، عن المسلسل، من أسرتي، جعلني أتابعه، إن عدم حبي أو تعاطفي مع الحجاج، نابع أولاً وأخيراً من حبي للإنسان، مهما كانت عقيدته أو عرقه، هذا الإنسان، كان الحجاج يطارده في كل مكان، حتى يأتيه، مقبوضاً عليه، فيتولى جلاوزته قطع رأسه، ليقدم إليه على طبق من فضة، وليتملى في ملامحه، ثم يبعث بالرأس، وكله فخر إلى ولي نعمته، في الشام، لا فرق في ذلك، بين ابن الزبير، وعبدالرحمن الأشعث، وسعيد بن جبير، أو أي مواطن عادي، أو قاطع طريق..هذه الأمور كلها، جرت في عصر الحجاج، ومع ذلك فإننا نرى عبدالملك بن مروان، يوصي أبناءه، به خيراً وهو على فراش الموت، فهو الذي وسّع الملك، وسنّ القوانين، والأنظمة، وهوفي نفس الوقت الذي قتل خصوم بني مروان!
ما نفع القوانين، والأنظمة، والفتوحات، وزيادة العمران، وتشجيع العلم والعلماء، إذا كانت لا تقوم إلا على رقاب العباد.. لكن رغم كل الرقاب، التي تدحرجت، والدماء التي سالت، فإن المرأة وحدها، كانت المعادل الموضوعي، لنفسية الحجاج، قوي وباطش وخطيب، مفوه، وقائد استراتيجي، لكنه في البيت، أمام امرأته التي أخذها كما تؤخذ السبايا، كان مجرد عاشق بائس لبنت الأصهب، يحبها من طرف واحد، كلما همّ بها، صدته، وكلما رفع يده لتأديبها، تراجعت يده.. وفي النهاية تطلق منه رغم إرادته، وتخرج من بيته، رافعة الرأس إلى حيث تريد.. إنه الإنسان في داخله التوت والنبوت، وما يقدر عليه يستخدمه، وما لا يقدر عليه يكسره ويحطمه، وهذا هو الحجاج!!
أما المسلسل الكويتي «الحيالة» فقد كان بسمة من بسمات رمضان، قدمها لنا مجموعة من الفنانين بقيادة عبدالحسين عبدالرضا وخالد النفيسي، ورغم أن هذا المسلسل بدون قصة وبدون هدف، إلا أننا افترضنا، أن هدفه الأول والأخير، أن يبعد الإنسان عن الهم والغم، وجعله شاهداً على الحيل والمفارقات التي تحفل بها حياتنا، من هذا الذي يضع يده في جيب غيره، ليأكل ويشرب ويتزوج، وهو بعد ذلك، وقبله يخرج من مأزق، ليدخل مأزقاً آخر، دون أن يتعظ، أو يرف له رمش، إنه المحتال أو الحيال، قديماً وحديثاً.. ومازال الفنان الخليجي بدائياً، في اتقان الصنعة، رغم أن الخامة الرئيسية «الفنان والفنانة» موجودة لدينا، إلا أن ما ينقصنا، لنكون في قامة نجوم مصر أو سوريا والعراق ولبنان والمغرب، هو الدراسة، دراسة التمثيل والإخراج والسيناريو والحوار والاضاءة والمونتاج إلخ..
وما ينطبق على «الحيالة» ينطبق على «طاش ما طاش»، وإن كان الذي قبله، يتفوق عليه بترابط الحلقات، والخط الدرامي، حتى وإن كان بدائياً.. «طاش ما طاش» اسكتشات، سوف تتحول مع الأيام إلى لوحات دعائية، مستغلاً حب الناس، وإقبالهم عليه، حتى إنني فكرت، بأن أقدم لفريق هذا المسلسل اقتراحاً لتسميته في الحلقات القادمة: «طاش ما طاش» للدعاية والإعلان!
إنه المسلسل الوحيد الذي بات يضحك علينا، عياناً بياناً، بتقديم منتجات معينة في كافة الحلقات تتضمن: مستلزمات المائدة، السيارات، الصحف، الألبان، وغيرها.. إن المنتج الذي يحترم جمهوره، قبل أن يحترم اسمه، يحرص على وجود لوحة، في آخر المسلسل، يثبت فيها أن ما قدم في صلب عمله، للشركات التالية، هو عبارة عن إعلانات، مدفوعة الأجر، وبشرط أن تكون بشكل رمزي، وليس طاغياً كما في «طاش ما طاش».. أما الإعلان الذي يطل علينا،في بداية ونهاية المسلسل، فهذا هو وقود أي عمل فني ولا اعتراض عليه..
إن مستحقات «طاش ما طاش» وحده من التلفزيون قد تصل إلى ستة ملايين ريال، فكم يربح المنتج، من الإعلانات الموجودة في صلب البرنامج.. إنه كعكة من ذهب، يأكلها السدحان والقصبي، وما نرجو أن ينوبنا ولو قطعة من هذه الكعكة وهذه القطعة نريدها في تقديم نصوص متماسكة، وفاعلة، لا مجرد اسكتشات لم تتطور للأسف، على مدى أحد عشر عاماً.. مثلها مثل شراب التوت، الذي مازلنا نشربه كل رمضان، وننساه فيما عداه من الشهور!
وفي الأسبوع القادم لنا وقفة مع عمرو بن العاص والوجه الآخر..
فاكس: 4533173 |