تحقيق ماجد التويجري
الحرف اليدوية بشتى أنواعها تراث قديم مارسها آباؤنا وأجدادنا حتى أصبحت سمة بارزة في حياتهم اليومية.. واختلفت فمنها النجارة.. الندافة.. الخرازة.. الحجامة.. الخياطة.. الصناعة. واشتهر كل أب أو جد بحرفة من هذه الحرف حتى بات يطلق عليه اسم هذه الحرفة.. فلان «النجار».. فلان «الخراز»..
وفي القديم كان الآباء والأجداد يقضون جلّ وقتهم كل في عمله وصنعته، العرق يتصبب من جباههم طلبا للرزق، واخلاصا في العمل حتى أخذت الشيخوخة تداهمهم مما كان له الأثر الكبير في انهاكهم وبالتالي قل عطاؤهم في عملهم وأخذت هذه الحرف تتلاشى من أيديهم رويدا رويدا.
إلا ان أبناء المستقبل وشباب اليوم «رموا» هذه الحرف اليدوية جانباً ولم يمتهنوها بل سلموها إلى الأيدي العاملة.
«الجزيرة» استطلعت الآراء حول امتناع الشباب عن ممارسة الحرف اليدوية وعدم خلافة آبائهم وأجدادهم في رعاية هذا التراث حيث جاءت الإجابة على النحو التالي:
في البداية تحدث «النّجار» محمد المزيني والذي يعمل حاليا بحرفته وبحيوية الشباب فقال: حقيقة في بادئ الأمر أحب أن أقدم لكم الشكر على طرح مثل هذا الموضوع والذي يعتبر هاما نظرا لأنه تاريخ الآباء والأجداد، كما أحب أن أوضح الامتعاض الشديد الذي نعاني منه جراء ما آلت إليه الحرف اليدوية القديمة والتي أصبحت في أيدي الأجانب الذين جلسوا ردحاً من الزمن يتعلمون عليها في ظل تستر تام من كفلائهم الذين يهدمون تراث آبائهم وأجدادهم بأيديهم وهذا الأمر يفزعنا ونتذمر منه. فبعدما كان الآباء والأجداد يقضون جلّ وقتهم أمام هذه الحرف يمتهنوها بجد واخلاص نجد في الوقت الحاضر عمالة أجنبية تستلم هذه الأعمال اليدوية في وقت كنا ننتظر شبابنا وفلذات أكبادنا يكونون خير خلف لخير سلف ويقومون بمزاولة هذه المهن واكمال ما صنعه آباؤهم وأجدادهم ولكن للأسف الشديد أصبح هؤلاء الشباب يرفضون العمل لمحدودية الفائدة فيه و«التقليل» من أهمية هذه الحرف من جهة أخرى.
وأضاف انه مع محدودية الوظائف في الوقت الحالي ومداهمة الفراغ لكثير من الشباب إلا انهم لم يكلفوا أنفسهم العمل بإحدى هذه الحرف.
وأوضح المزيني انه يتمنى من كل قلبه ان يرى غالبية الشباب يزاولون مهن آبائهم وأجدادهم، مؤكدا انه على استعداد كامل لمساعدة أي شاب يريد العمل في الحرف اليدوية القديمة.
كلهم أجانب
«الخراز» علي الدوسري صادق على ما قاله المزيني في حديثه مضيفا ان المهن والحرف اليدوية القديمة استغلت حاليا بشكل آخر حيث ان غالبية مزاوليها من العمالة الأجنبية في ظل غياب شبه تام من قبل أبنائنا الشباب والذين كنا نطمح فيهم خلافة لآبائهم وأجدادهم ومزاولة هذه الحرف بكل جد ونشاط وحيوية ولكن يبدو انه وفي الوقت الحاضر مع التطورات أصبح الأمر مستحيلا.
وأوضح انه بالإضافة إلى ان هذه الحرف والمهن اليدوية هي تراث مجيد كذلك فهي مربحة ماديا خصوصا إذا كان العمل جادا.
وأكد انهم اعتادوا على مزاولة هذه الأعمال لما فيها من أصالة وتراث إضافة إلى انها مصدر رزقهم بعد الله سبحانه.ودعا في ختام حديثه الشباب إلى امتهان هذه المهن ذلك انها لن تضيرهم بل ستكون مصدراً لرزقهم بعد الله خاصة وان هذا الوقت يبحث بعض الشباب عن أعمال يسدون بها فراغهم وتكون عونا لهم في المستقبل.
شباب يرفضون هذه المهن
ورغم عدم توفر الفرص الوظيفية أمام الشباب إلا ان غالبيتهم بعيدون كل البعد عن الأعمال والحرف اليدوية القديمة كالنجارة والندافة والخرازة وغيرها بل ان هذه الأعمال تكون للعمالة الأجنبية الذين استغلوا قصور كفلائهم وتسترهم عليهم من جهة وابتعاد الشباب من جهة أخرى رغم انها تمثل ذكريات أثرية وأعمالاً ومهناً شريفة لآبائهم وأجدادهم كذلك مصدر رزق مربح لهم.
عدد من الشباب «المعنيين» تحدثوا ل«الجزيرة»: حول هذا الموضوع وأوضحوا ان الزمن وتغيراته هو السبب وراء هجرهم وابتعادهم عن هذه الأعمال، حيث أكد الشاب صالح عبدالعزيز المحسن انه يعتز بتاريخ آبائه وأجداده ويفتخر بالعمل بها إلا ان الظروف الحالية المتمثلة بالتطورات كالوظائف الحكومية والمؤسسات تحتم على الشاب أياً كان التوجه إلى العمل بها وكذلك المحلات التجارية كل هذه تكون عائقاً وراء العمل بالحرف اليدوية.
وعن انتشار العمالة الأجنبية في العمل بهذه المهن قال: للأسف الشديد بعض المواطنين تجده يجلب «عمالاً» أجانب يعملون بهذه المهن وفي آخر الشهر يأخذ المبلغ المتفق عليه بلا رقيب ولا حسيب وهذا شيء مؤسف ان تستغل هذه المهن عن طريق عمالة أجنبية جاءوا ليتعلموها هنا، صحيح انه يجب علينا نحن الشباب العمل بهذه الأعمال ولكن صعوبة الحياة وراء ابتعادنا إضافة إلى ان تعلمها يحتاج إلى وقت خلاف الأعمال الأخرى ولا ننسى أيضاً استيلاء العمالة الأجنبية على هذه الأعمال.
ابتعدوا عنها
كما أوضح الشاب خالد محمد السعوي ان الأعمال اليدوية القديمة في الوقت الحالي أصبحت تحت أيدي العمالة الأجنبية وهذا شيء مؤسف نظرا لأنها تمثل تاريخ الآباء والأجداد وهذا باعتقادي ناتج عن الطريقة التي تدار بها هذه الأعمال حيث تجد ان صاحب محلات النجارة والندافة وغيرها بعيد كل البعد عن هذه الأعمال تاركين الأمر برمته إلى الأجانب الذين تحت كفالتهم وفي آخر الشهر تجده يقبض المتفق عليه.
وأكد ان غالبية الشباب يرفضون امتهان هذه الحرف خصوصا في الوقت الحالي نظرا لأن الأمور تغيرت عن السابق حيث توسعت الأعمال وانتشرت القطاعات سواء الحكومية أو الخاصة.وطالب السعوي وضع معامل للتراث القديم حتى لا تندثر هذه الحرف بعدما اندثرت حاليا في أيدي العمالة الأجنبية.
السبب كفلاؤهم
الشابان عبدالحكيم وعبدالملك عبدالله الدخيل أوضحا في الوقت نفسه ان غالبية الأجانب سيطروا على بعض الحرف وذلك بتشجيع من كفلائهم.
وأوضحا انهما على استعداد كامل للعمل بهذه المهن.
استفدنا من هذه المهن
وفي ظل رفض الشباب العمل بالحرف اليدوية القديمة أصبح الأمر مفتوحا للعمالة الأجنبية والطريق ممهدا لهم «للتعلّم» ومزاولة مهنة الآباء والأجداد.
حيث أكد عدد من العمالة الأجنبية انهم استفادوا كثيرا من دخولهم هذا المجال بعد ان هجرها أصحابها وأصبح الطريق لهم مفتوحا لمزاولتها مؤكدين في الوقت نفسه رفضهم التام لتستر مكفوليهم عليهم بل العكس يتابعون أعمالهم باستمرار!!
وأوضح عدد آخر ان هذه المهن رغم قدمها إلا انهم يتقنونها نظرا لأن أغلبها تمثل أيضاً تاريخ آبائهم وأجدادهم.
وعن قلة الشباب السعودي في العمل بهذا المجال قال أحدهم: قلّما تجد شاباً سعودياً يعمل بهذا المجال ويشغل وقته باحتراف هذه المهن والحرف نظرا لأن الأمور تغيرت عن السابق.
وعن الاستفادة المادية ذكر أحد الأجانب العاملين في مهنة النجارة انه يعمل بالراتب فقط وليس هناك أي فوائد أخرى.
|