Tuesday 16th december,2003 11401العدد الثلاثاء 22 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في دراسة قانونية نقدية غير مسبوقة: في دراسة قانونية نقدية غير مسبوقة:
السيف يقدم مشروعاً في حقوق المعاق بالقانون السعودي

* بريدة - محمد الحنايا:
الإعاقة ربما تكون دافعاً أحياناً للبحث عن الذات، والنمو المعرفي وتحقيق الإنجاز على المسار الشخصي والحضور المعنوي الذي يلغي كل حسابات الإعاقة وأبعادها ليثبت أن الإرادة القوية والاعتزاز بالدور، و الثقة بالنفس هي وحدها من يصنع الإنجاز والإعجاز بعيداً عن إسقاطات الفشل والانهزام.
الأستاذ أحمد بن صالح السيف أحد الشباب الذين فجعتهم الإعاقة في مقتبل العمر إثر حادث مروري مؤلم.
ومع ذلك واصل مسيرته الإبداعية بنفس طموحة وثابة متجاوزا بنظرته التفاؤلية تداعيات تلك الإعاقة..
ولأنه بدأ ينظر إلى الإعاقة من داخل الدائرة فقط طرح مشروعاً رائداً تحت مسمى «حقوق المعاق والتمييز في القانون السعودي» وهي دراسة قانونية تحليلية نقدية مقارنة بالقانون الأمريكي والأوروبي حيث تكمن هذه الدراسة في حقل «قانون الإعاقة والتمييز» والذي يعد من القوانين الحديثة المصنفة كقانون لوحده، فأساسه القوانين الدستورية، والحقوق المدنية، ومن مبادئ حقوق الإنسان، وقوانين الأسرة وغيرها.. في السنوات الأخيرة انبعثت حركات عالمية ودعوات تنادي بحقوق المعاق وتحريم التمييز ضده في قطاع التعليم، والوظيفة، والخدمات العامة وإيجاد الفرص المتكافئة له في جميع البرامج المتاحة، وحقه في المشاركة باتخاذ القرار الذي يخصه.
حول هذه الدراسة كان ل«الجزيرة» لقاء مع صاحبها الأستاذ أحمد بن صالح السيف:
* ما طبيعة مثل هذه الدراسات الحقوقية وهل ورد ذكرها في التشريع الإسلامي؟
- إن مثل هذا النوع من الدراسات القانونية لحقوق المعوق وتشريعات الإعاقة والتمييز تعد من الدراسات القانونية الحديثة النشأة والتي تجمع بين حقوق الإنسان والحقوق المدنية وقوانين الأسرة وغيرها مما يعرف بالقوانين الاجتماعية والتي بمجملها تهدف إلى رد الاعتبار للمعوق من ممارسة التمييز ضده في ميادين العمل والتوكيد على حقه في التعليم وإزالة العراقيل المعمارية والتي تحول من مشاركته الاجتماعية والاستفادة من المرافق العامة، وأيضا إتاحة الفرصة له بالمشاركة في اتخاذ القرارات التي تخصه وتمكينه من الوظائف العليا، فهي تصب في مصلحة المعوق كإنسان له حقوق وعليه واجبات حقوق تكفل له السعادة والحياة الكريمة المستقلة كغيره من الأسوياء.
هذه الدراسات في الحقيقة تأتي وفق منظومة القيم الإنسانية المشتركة التي تتساوى فيها المسائل العلمية والمعرفية التي في حقيقتها ثقافة إنسانية تدعو إلى تكريم الإنسان وحقه في المساواة والعدل استمدت جذورها من المعطيات المعرفية والأخلاقية الإنسانية على امتداد التاريخ في إطار وحدة النشأة والطبيعة.
أما النص على مثل هذه الحقوق في التشريع الإسلامي فكما هو معلوم أنه لم ينص عليها مباشرة في أي مصدر من مصادر التشريع الإسلامي وإنما جاءت في كتب بعض الفقهاء وممكن كتبوا في السياسة الشرعية استنتاجاً أو استرشادا مما جاء في الكتاب والسنة وتطبيقا لما وقع مثلا أيام الخلفاء الراشدين - رضوان الله عليهم - وممن جاء بعدهم من الولاة، فكان عمل هؤلاء الأئمة المجتهدين عمل إحصاء من جهة وتفسير وتأكيد من جهة أخرى من خلال العمل وفق كليات الشريعة في التأكيد على مسألة الحقوق وحتمية تعيينها وحمايتها وردها إلى أصحابها.
* هل فكر الغرب في مثل هذه الحقوق كان متأثرا بالفكر الإسلامي؟
- هذه الحقوق شأنها شأن كافة المسائل القانونية والفكرية كانت بلا شك متأثرة بالعطاء والفكر الإسلامي في الجانب الحقوقي على امتداد العصور والذي يمثل أعظم نظام قانوني في تاريخ البشرية قبل ظهور الحضارة الغربية الحديثة، ويمكن التدليل على ذلك بالحجم غير العادي من الكتابات القانونية في جميع عهود الحضارة الإسلامية، وكذلك الحيوية والإبداع في النظرية القانونية الإسلامية، وهذا الإسهام الضخم في النظرية العامة للقانون لا يزال ذا اعتبار كبير في المجال النظري المجرد حتى مقارنة بآخر الإسهامات الغربية القانونية كالحقوق الإنسانية وقوانين البيئة وقوانين الإعاقة وحماية الملكية الفكرية وغيرها والتي تجد قبولاً طوعياً من شتى الاتجاهات.
* وماذا عن حقوق المعوق في الإسلام؟
- أما ما يخص دراسات حقوق المعوق في الإسلام والتي نجدها نثاراً في الكتب الفقهية أو متفرقات هنا وهناك على صفقة كتيبات أو مقالات فهي لا تعدو أن تكون ذات طابع واحد متكرر، و أعظم من كتب في التكافل الاجتماعي والضمان الاجتماعي نقله عن بعض لا يتجاوزون أمثلة معروفة محددة، فما كتب لقرون ماضية تجده في عصرنا هذا يعاد، فالأمر هنا يحتاج إلى إعادة وقراءة جديدة لنصوص الشريعة ووقائع التاريخ ولكتب وتراث الفقهاء ومحاولة إنزالها بالنصوص الكلية الشرعية على الوقائع مقارنة بما عند الآخرين واستكشاف واستخراج اللفتات القيمة التي يزخر بها تراثنا ومحاولة الإفادة منها من خلال قراءة جديدة لثقافة الإعاقة فيما يعود على حياة المعوق والرفع من قيمته كإنسان والسعي إلى اندماجه في المجتمع.
* إذن هل هناك حاجة إلى تأصيل هذه الحقوق على أنها شيء مستحدث أو كشيء مستقدم ومقارنتها مع ما عند الآخرين؟
- لا شك أن الأمر كما أشرنا يحتاج إلى قراءة جديدة للتاريخ الاجتماعي الحقوقي لتراثنا فيما يتعلق بالتكافل والكفالة الاجتماعية للمعوق وفق معطيات العصر وتأصيلها التأصيل الشرعي وفقا للكليات الشرعية وأن نقرأ الثقافات الأخرى لنرى إسهاماتها وفهمها لمثل هذه الحقوق بدءاً من الأفكار والاتجاهات الخاصة بها وانتهاء بالتطبيق ومتابعة التنفيذ، حيث ان عموم مكامن هذه الدراسات تدعو إلى إسعاد المعوق وتسويته مع الآخر السوي في حفظ حقوقه وهو ما يدعو إليه الشرع والأديان السماوية بمجملها لحفظ الضرورية الإنسانية.
* ما الذي دفعك إلى مثل هذه الدراسات القانونية والاهتمامات جنبا إلى اهتماماتك الفنية؟ وهل كان للإعاقة دور؟
في الحقيقة أن الإعاقة لا تولد ولا تنشئ الميول الفكرية أو المواهب لدى المعوق فقد وجدت عندي الموهبة الفنية والتخصص في القانون قبل الإعاقة إلا أن الإعاقة كانت محفزا ودافعا لي لمواصلة التحصيل والتفوق - ولله الحمد - على امتداد رحلتي مع الإعاقة «من يرد الله به خيرا يصب منه» ثم رأيتني منحازا إلى التخصص والبحث في قوانين الإعاقة والتمييز أملته عليّ الحاجة التي أعيش وحالة الشح في تشريعات الإعاقة وشروحها وحاجتها إلى القوانين التنفيذية في المنطقة العربية والإسلامية، كذلك لما شاهدته عند المجتمعات الأخرى من تفعيل لدور المعوق وتمكينه من الحصول على حقوقه وإتاحة الفرص له بصورة كاملة للمشاركة في المسيرة الاجتماعية وأيضا إيجاد التسهيلات وإزالة العقبات لتمكينه من الحصول على حقوقه في البرامج الخدمية والإعانات المادية الكافية والمعدة والمقولبة بصورة اقتصادية تأمينية أصبحت معه صناعة كفالة المعوق من العمليات التجارية المربحة، هذا مما ساعد المعوق هناك إلى أن يتجاوز الإشكالية التي يعيش ليصبح إنساناً محمياً ومحترماً ينظر إليه بعين الغبطة، كل ذلك رأيت انه أتى في البدء من إثارة مبدأ حقوق المعوق المدنية وواجب منحها كافة بالتساوي وإلزامية تضمين الدساتير التأكيد عليها من خلال مدونات قانونية تحرم التمييز ضد المعوق في ميادين العمل في القطاعين الأهلي والحكومي، إلا أن هذه الإنجازات والسبق في الغرب جاءت نتاج جملة من المطالبات والاحتجاجات والمسيرات الغاضبة والاعتصامات لأيام وأشهر طوال للمطالبة برد الاعتبار للمعوق ورفع التمييز الذي يعيشه - أخذت نفس إجراءات وطابع احتجاجات السوق في أمريكا مثلا لمطالبتهم بالمساواة بحقوقهم المدنية - وهي ما يسمى ويعرف (بحركة حقوق المعوقين).
* إذن هل الأمر عندنا يحتاج إلى مثل هذه الأساليب لرد الاعتبار للمعوق؟
- أعتقد أن الأمر عندنا يختلف اختلافاً جذرياً إذ اننا لسنا بحاجة لتلك المسيرات والاحتجاجات لأن الأمر هنا يرتبط بناحية أخلاقية تنطلق من خلفية ومبدأ شرعي تمليه رسالة نبيلة في كيفية التعامل الإنساني ليتحقق بذلك الأجر الأخروي والتمكين الدنيوي «إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم» إلا أن المسألة عندنا تحتاج إلى تنظيم وإعادة ترتيب وهيكلة قانونية شاملة لقوانين الإعاقة في المملكة وتضمينها قوانين وآليات لتفعيل النظام مع زيادة الجرعة القانونية لمتابعة ومساءلة منتهكي القانون وغالباً ما تكون المساءلة هذه نتيجة للترتيب القانوني السليم الذي يبدأ من التنظير والتأكيد على الحق وتعيينه وانتهاء بالحماية ورد الحق لصاحبه.
بالإضافة إلى أن القضية تحتاج إلى تكاتف من الجهات ذات الاختصاص وخاصة النواحي الإعلامية ومحاولة بث الوعي الحقوقي للمعوق وترسية مبادئ التعامل الإنساني وإيجاد آلية لضبط الخيط الدقيق بين العاطفة الدينية وطريقة دفع المعوق للاندماج والتفاعل الاجتماعي، كل هذه الأشياء وإثارتها عامل رئيس في عملية دمج المعوق في المجتمع، هي بحق ما أرغمني على التخصص والتفرغ لمثل هذه الدراسة وتبني الدعوة إليها وتمثلها!
* ما معالم هذه الدعوة؟
- في الحقيقة هي الدعوة إلى تفعيل دور الإعاقة فكريا وحقوقيا، أي كيف نحيل الإعاقة بكونها إشكالية إلى إنجاز تتضاعف من خلالها عوامل البناء الحضاري لأمتنا، مع تقديم الصورة المثلى لرعاية حقوق المعوق وكيفية تفعيلها حضارياً وتحقيق النصرة من خلالها تمثلاً بخيرية قدر الله، لينظر إلى الإعاقة على أنها عامل بناء لا كما يثيره كثير من المختصين في التأهيل والإعاقة على أن المعوق دائما ما يكون عالة على المجتمع، إلى جانب أن تداول مظاهر ترفع من الشأن الإنساني وترديد مصطلحات كالتمييز والتحيز في الحقوق يعد مقياسا يعكس حضارية الأمة وتقدمها.
* قد يثور تساؤل هنا عن مصطلح التمييز هذا وهل هو فعلا حاضر بيننا؟ وما الحاجة إليه؟
- في الحقيقة انني دائماً ما أواجه بمثل هذا التساؤل حول التمييز، فإشكالية التمييز كمصطلح معروف في الدراسات الأدبية والنقدية والقضايا الاجتماعية والعلمية وغيرها إلا أن التمييز في قضايا الحقوق يعني التفضيل والأفضلية فيذهب إلى كونه إما تمييزاً إيجابياً أو سلبياً تجاه المعوق، فمثلا التمييز الإيجابي عندما يكون هناك تعذر من كسب المعوق بنفسه ودفعه للاندماج، كإصابته بإعاقة عقلية كان حقا على الدولة - عن طريق الكفالة الاجتماعية أو الضمان الاجتماعي - تخصيص عطايا دورية تكفي حاجته، إقامة دور لرعاية مثله، هذا بحد ذاته تمييز بوجهه الإيجابي عندما تميز الدولة المعوق الذي لا يستطيع الكسب بنفسه عن غيره من الأسوياء لتكفيه حاجته.
أما التمييز بوجهه الآخر، فعندما يكون المعوق ذا كفاءة ومؤهلا تأهيلا وظيفيا مثلا ويتقدم للوظيفة ولا يجد فرصة له كغيره من الأسوياء فهذا هو التمييز بعينه، أو أن يذهب المعوق - من يستخدم الكرسي المحرك - إلى أي مرفق عام أو مسجد ولا يجد ممراً أو تسهيلاً لدخوله أو استخدامه، أليس هذا أيضاً تمييز؟ وقس على هذا أن كل ما يعد لإنسان السوي ويحرم منه المعوق فهو تمييز! فالمعوق ما زال في دائرة الإنسانية والإنسان هو الإنسان.
* ما الفائدة المرجوة من التوكيد على هذه المصطلحات في وقتنا هذا؟
- إن إثارة المصطلحات وإشكاليات «كالتمييز في النواحي الاجتماعية والتحيز في الحقوق» أصبح معيارا يقاس به مدى تقدم الأمم ومراعاتها لقيم الإنسان، وإشاعة رؤى وأفكار كإتاحة الفرص المتكافئة ومساواتها غدا من أدبيات العولمة والتي دوما ما نراها تتردد في المحافل واللقاءات الحقوقية الدولية والذي يجب معه أن نقرر ونوضح الرؤى الحضارية الإسلامية حيالها، وذلك بالتأصيل الشرعي لتلك الحقوق وبيانها والتأكيد على تعيينها وفق قراءة جديدة لثقافة الإعاقة، فكما هو معلوم أن بيان الحق وتعيين مستحقه من أهم أصول نظام الاجتماع الإسلامي، وجمع شتات قوانين الإعاقة وقولبتها وفق نظرة حقوقية تحرم التمييز ضد المعوق مع تضمينها قوانين وتشريعات تحمي تلك الحقوق عن طريق تشريع آليات للتنفيذ تنتهي بمساءلة منتهكي القانون لهي وسيلة ناجعة لحماية حقوق المعوق ورد الاعتبار له باندماجه الاجتماعي.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved