الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فإن قضية التكفير وما دار فيها هذه الأيام من أخذ ورد وهي مزلة أقدام، ومضلة أفهام. وقد حصل فيها الخلط واللبس من قديم بين مفرط ومفرط، بين غال وجاف من أصحاب الأفكار المنحرفة البعيدة عن فهم الكتاب والسنة. فأهل الافراط والغلو من الخوارج ومن سار في ركابهم من المعاصرين عن قصد أو عن جهل يرون أن مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك والكفر يكفر بها الكفر المخرج عن الملة بناء على أخذهم بنصوص الوعيد وتركهم لنصوص الوعد، وبناء على أن الايمان عندهم لا يتجزأ الى ايمان كامل وايمان ناقص فإذا زال بعضه زال كله عندهم. وقد سار على هذا الخط خوارج اليوم من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام الذين يكفرون بلا ضوابط شرعية. والمعتزلة قالوا: مرتكب الكبيرة التي هي دون الشرك والكفر يخرج من الايمان ولا يدخل في الكفر فهو في المنزلة بين المنزلتين، ليس بمؤمن ولا كافر معتمدين في ذلك على نصوص الوعيد وترك نصوص الوعد، شأنهم في ذلك شأن الخوارج. وقابل الفريقين فريق المرجئة على اختلاف فرقهم فقالوا: من دخل في الاسلام فإنه لا يكفر بأي فعل فعله وأي واجب تركه بناء على أن الأعمال لا تدخل عندهم في مسمى الايمان. واعتمادا منهم على نصوص الوعد وترك نصوص الوعيد عكس ما عليه الخوارج والمعتزلة. وقالوا: الايمان في القلب وهو شيء واحد لا يزيد ولا ينقص أو في القلب واللسان ولا تدخل الأعمال في مسماه فلا يضر مع الايمان معصية. كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وّيّسًتّجٌيبٍ الذٌينّ آمّنٍوا وّعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ وّيّزٌيدٍهٍم مٌَن فّضًلٌهٌ وّالًكّافٌرٍونّ لّهٍمً عّذّابِ شّدٌيدِ} وإن لم يتب وجب قتله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من بدل دينه فاقتلوه» حماية للدين من التلاعب به.
وأما الذنوب التي هي دون الكفر والشرك والردة وإن كانت كبائر وموبقات فأهل السنة والجماعة لا يحكمون على مرتكبها بالكفر والخروج من الملة كما تقوله الخوارج والمعتزلة. ولا يقولون إنها لا تضر صاحبها كما تقوله المرجئة. بل يقولون إنها تنقص الايمان وهي تحت مشيئة الله إن شاء الله غفرها لصاحبها، وإن شاء الله عذبه بقدر ذنوبه ثم يخرج من النار الى الجنة. قال تعالى:{إنَّ اللهّ لا يّغًفٌرٍ أّن يٍشًرّكّ بٌهٌ وّيّغًفٌرٍ مّا دٍونّ ذّلٌكّ لٌمّن يّشّاء}. فأهل السنة جمعوا بين نصوص الوعد ونصوص الوعيد، ولم يأخذوا بطرف منها ويتركوا الطرف الآخر كما يفعله أهل الضلال والذين في قلوبهم زيغ.
هذا ما أحببت التنبيه عليه في هذه المسألة التي أصبحت حديث المجالس وتناولها الجهال والمتعالمون بالأحكام الخاطئة الخطرة. مما زاد الشر شراً وفتح الباب لأعداء الاسلام والمغرضين.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
* عضو هيئة كبار العلماء
|