في خضم الأحداث الخطيرة وموجة التفجيرات الأخيرة بالرياض يقع المرء في دهشة من امره ويصاب بصدمه في نفسه تجعلانه يتطلع هنا وهناك، ويتشوف باحثاً متسائلاً، فتلوح له في الأفق منارات الهدى، ومصابيح الدجى، التي تضيء الطريق للسالكين، وتهدي الحيارى والتائهين، إنهم العلماء الربانيون، الهادون المهديون، ورثة الأنبياء، وبقية الأصفياء، الذين مدحهم الله و بين فضلهم في كتابه فقال سبحانه:{ إنَّمّا يّخًشّى اللهّ مٌنً عٌبّادٌهٌ العلّمّاءٍ} وكذلك اثنى عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:« ان العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وانما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر».
فالعلماء إذاً هم المنوط بهم بيان احكام الشرع المطهَّر، وارشاد العباد إلى الادب القويم والصراط المستقيم، وبخاصة عند الفتن والأزمات.
وإن مما اعجبني في ذلك ما سطَّره يراع محدث المدينة وعالمها، شيخنا الفاضل العلامة عبدالمحسن بن حمد العباد البدر رئيس الجامعة الإسلامية سابقاً والمدرس بالمسجد النبوي الشريف تحت عنوان:
بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهاداً؟! ويحكم.. أفيقوا يا شباب!!
فقد جاء مؤلَّف الشيخ في هذه الظروف العصيبة، والمحن الشديدة، ليعالج ادواء عديدة، ويبين احكاماً وجوانب مهمة، قارناً ذلك بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ومن ذلك:
اولاً: التحذير من كيد الشيطان ومكره بالمسلمين، وإغوائه لهم عن طريق الافراط او التفريط.
ثانياً: بيان خطورة الغلو في الدين والانحراف عن الحق ومجانبة ما كان عليه اهل السنة والجماعة.
ثالثاً: بيان حرمة القتل العمد وتعظيم امره في الشرائع السابقة وفي الإسلام بقتل المسلم نفسه او قتل غيره من المسلمين والمعاهدين وذكر الادلة على ذلك.
رابعاً: التحذير من اتباع الهوى، وسوء الفهم في الدين بضعف الارتباط بالعلماء العارفين. حيث قال المؤلف - حفظه الله - ومن مكائد الشيطان لهؤلاء المفرطين الغالين انه يزين لهم اتباع الهوى، وركوب رؤوسهم، وسوء الفهم في الدين، ويزهدهم في الرجوع الى اهل العلم، لئلا يبصروهم ويرشدوهم الى الصواب وليبقوا في غيهم وضلالهم.. ومن سوء الفهم في الدين ما حصل للخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وقاتلوه، فانهم فهموا النصوص الشرعية فهماً خاطئاً مخالفاً لفهم الصحابة رضي الله عنهم، ولهذا لما ناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما، بين لهم الفهم الصحيح للنصوص، فرجع من رجع منهم، وبقي من لم يرجع على ضلاله، وقصة مناظرته لهم في مستدرك الحاكم «2/150/152».. في هذه القصة ان الفين من الخوارج رجعوا عن باطلهم للايضاح والبيان الذي حصل من ابن عباس رضي الله عنهما، وفي ذلك دليل على ان الرجوع الى اهل العلم فيه السلامة من الشرور والفتن، وقد قال الله عز وجل: { فّاسًأّّلٍوا أّّهًلّ الذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ } .
ثم ذكر حفظه الله ما رواه مسلم في صحيحه برقم «191» عن يزيد الفقير قال:« كنت قد شغفني رأي من رأي الخوارج، فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد ان نحج ثم نخرج على الناس». ثم ذكر ما جرى لهم من المناظرة من الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه، يقول الراوي:« فرجعنا، فلا - والله - ما خرج منا غير رجل واحد». وهو يدل على أن هذه العصابة ابتليت بالاعجاب برأي الخوارج في تكفير مرتكب الكبيرة وتخليده في النار، وانهم بلقائهم جابراً رضي الله عنه وبيانه لهم صاروا الى ما ارشدهم اليه، تركوا الباطل الذي فهموه، وانهم عدلوا عن الخروج الذي هموا به بعد الحج، وهذه من اعظم الفوائد التي يستفيدها المسلم برجوعه الى أهل العلم.
ثم قال المؤلف:« بعد هذا التمهيد اقول: ما اشبه الليلة بالبارحة! فإن ما حصل من التفجير والتدمير في مدينة الرياض، وما عثر عليه من اسلحة ومتفجرات في مكة والمدينة في اوائل هذا العام 1424هـ هو نتيجة لاغواء الشيطان وتزيينه الافراط والغلو لمن حصل منهم ذلك، وهذا الذي حصل من أقبح ما يكون في الاجرام والافساد في الارض، واقبح منه ان يزين الشيطان لمن قام به انه من الجهاد، وبأي عقل ودين يكون جهاداً قتل النفس، وتقتيل المسلمين والمعاهدين، وترويع الآمنين، وترميل النساء، وتيتيم الاطفال، وتدمير المباني على من فيها؟!» انتهى كلامه.
واني لانصح بنشر هذا الكتاب على عموم المسلمين، كما ادعو الشباب خاصة لقراءته قراءة تدبر وفهم، نفعنا الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم..
|