Tuesday 16th december,2003 11401العدد الثلاثاء 22 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حال المؤمن وقت الفتن حال المؤمن وقت الفتن

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد..
لا يخفى على الناس ما يدور في المجتمع، وما كان يظن المؤمن أن تصل الأمور الى هذا فالله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فلقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح الناس يسيرون على القيل والقال، وقليل من الناس من يسير بعقل وحكمة إلا من رحم المولى جل وعلا، ووالله إن ما يجري في المجتمع ليندى له الجبين، ويتمعر له الوجه وتسكب العين دمعها، حيث نرى الفتن قد عصفت بالناس ولم ينج منها إلا الخلص الموفقون، ولقد كان للناس غنية عن ذلك لو كانوا يعقلون ولكن أمر الله نافذ وقضاءه كائن، فنسأل الله حسن العاقبة.
إن المسلم في خضم هذه الأحداث يجب أن يكون فطناً لبيباً، وأن يوازن بين المصالح والمفاسد، وأن يعلم المسلم الضار من النافع، وما يجوز له الخوض فيه مما لا يجوز له، فالسلامة لا يعدلها شيء وفوات الشيء خير من إدراكه على غير الهدى والرشاد.
وفي الحقيقة أننا لم نستفد من تلك الفتن التي مرت بالأمة الاسلامية من قبل، وإننا لنلحظ ارتسام أحاديث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم علينا تماما ولكن قد صرفت قلوب الناس عن الاتعاظ بما يمر بها وللأسف وكأنهم يقادون الى قدر الله أعلم به إن لم يتنبهوا كان فيه هلاكهم.
الكل متفق على ان ما نحن فيه بداية لفتن عظيمة يجب تدارك الوضع فيها، والعودة الى طريق الحق والصواب.
ولا يمكن للمسلم معرفة ذلك أو الوصول اليه إلا عن طريق الهدي النبوي وهذا ما سنتعرض له في هذه الكلمة بإذن الله.
فلقد حذر المصطفى صلى الله عليه وسلم في وقت الفتن من أمور وحث على أمور فمن ذلك: أن هذه الفتن إنما هي من أجل التمحيص والابتلاء، قال تعالى:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ } فالتضرع الى الله وقت الفتن من أسباب النجاة، ويقصد بالتضرع الرجوع الى الله، والتوبة والاقلاع عن الذنوب صغيرها وكبيرها، والاكثار من الصالحات قال تعالى:{ فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ)
فأخبر المولى أنهم لم ينجهم من العذاب إلا ايمانهم.
فانظروا رحمكم الله الى أحوال الناس فيما نحن فيه هل تضرعوا ورجعوا الى ربهم وأصلحوا من أحوالهم وتركوا المنكرات والمعاصي، واقبلوا على الطاعات؟.
ولنتكلم بصراحة فهذا واقعنا جميعا!!!.
فإن حالنا هو الخوض في غمرة الأحداث ورمي الناس بالأخطاء ولومهم، واصدار الأحكام على الخلق، والسقوط في أعراضهم، فضلا عن الغرق في الذنوب والمعاصي والبعد عن اصلاح النفس والتهيؤ لما يمليه عليك الواقع.
ومما يؤمر به وقت الفتن: عدم الانشغال فيما لا فائدة من الخبط واللبط الذي يؤجج الفتنة ولا يخمدها، فإن القيل والقال من أسباب انتشار الفتن وتأججها، ولا تعمل في جلب المصالح ودفع المضار، لأنها مبنية على الظن والتشفي، واتباع الهوى، فمن رأيته يقع فيما تمليه عليه نفسه، منشغلاً بذلك عن ذكر ربه فاعلم أنه ممن أمرنا بالاعراض عنه {وّلا تٍطٌعً مّنً أّغًفّلًنّا قّلًبّهٍ عّن ذٌكًرٌنّا وّاتَّبّعّ هّوّاهٍ وّكّانّ أّمًرٍهٍ فٍرٍطْا}، ولو نظرنا الى كلام الناس لوجدناه مبنياً على النقل العاري عن الدليل والبرهان، وهذه الأمور التي تخص العامة يجب أن تبنى على اليقين والتثبت، أو السكوت، فإن هذه المسائل لا يخوض فيها إلا أهل الخبرة والعلم، والبقية من الناس عليهم خاصة أنفسهم فقط.
ومما يؤمر به وقت الفتن، الالتفاف حول العلماء والسير بسيرهم والأخذ بمشورتهم، وعدم نزع الثقة بهم، فإن أول أعمال الفتن هو زعزعة الثقة بأهل الحل والعقد، لأن الفتنة لا تبدو للصغير علما، حتى يخوض في غمارها، والعالم يعرفها قبل أن تقع، فإذا رأى الصغير علما أن الصواب خلاف ما عليه العالم قدح في العالم وسفهه، ولهذا لا ترى الواقعين في الفتن إلا من هؤلاء، ولو أننا معاشر المسلمين أتبعنا أقوال العلماء لما كان علينا ملام ولا ذنب، ولم يحاسبنا الله على ذلك ولو كان العلماء خالفوا الصواب فالله جل وعلا يقول:{فّاسًأّلٍوا أّهًلّ الذٌَكًرٌ إن كٍنتٍمً لا تّعًلّمٍونّ}، ويقول:{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً }.
ومما يؤمر به وقت الفتن: اتهام الرأي في الدين، وألا يعجب المرء برأيه، ويسعى في تخطئة غيره، أخرج البخاري في صحيحه من قول سهل بن حنيف «اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو استطيع ان أرد أمر النبي صلى الله عليه وسلم لرددته».
ولنعتبر أيها الإخوة بآرائنا السابقة التي خطأنا غيرّنا فيها ثم كُشفت الغمة، تبين لنا خطؤنا وكذلك الفتن تعمي عن الحق، وتصم.
وأخرج الدارمي في سننه قال حدثنا عبد الملك بن سليمان حدثنا عباد بن عباد الخواص رحمه الله قال: اتهموا رأكيم ورأى زمانكم وتثبتوا قبل أن تكلموا وتعلموا قبل أن تعملوا فإنه يأتي زمان يشتبه فيه الحق والباطل ويكون المعروف فيه منكراً والمنكر فيه معروفا فكم من متقرب الى الله بما يباعده ومتحبب اليه بما يغضبه عليه قال الله تعالى:{أّفّمّن زٍيٌَنّ لّهٍ سٍوءٍ عّمّلٌهٌ فّرّآهٍ حّسّنْا} الآية فعليكم بالوقوف عند الشبهات حتى يبرز لكم واضح الحق بالبينة فإن الداخل فيما لا يعلم بغير علم آثم ومن نظر لله نظر الله له»أ.هـ.
أيها القارئ الكريم: إن الخائض في غمار هذه الفتن التي تمر بالأمة، إما أن يكون من الثرثارين الذي يحبون الخوض في الكلام بلا هدف، أو أن يكون من المفتونين المشتغلين بمالا يعنيهم، ولمثل هذا نقول هل كلامك هذا يقدم أو يؤخر في القضية شيئا، وإما أن يكون من المغرضين الذين يعلمون ان هذه الفتن تخدم أغراضهم، وتوصل الى أهدافهم.
إن الواجب على الأمة أن تستفيد مما يجري حولها في المجتمعات الأخرى فما نحن فيه قد سبقنا اليه، فلماذا نسير في نفس الطريق بلا ترو ولا دراية.
ومما ينبغي أن يعلم أن ما يحصل إنما هو حوادث فردية، ولا ينبغي التعميم على الوسط كله فإن هذا من الظلم، وهذه تيارات وأفكار تربو أحيانا، وتخبو أخرى، فلا تحرم أبناءك من الخير، كحلق الذكر وصحبة الأخيار وعليك بالحيطة والتثبت، والصاق ابنك بأهل العلم والنهل منهم.
فكما ان الخطر محدق بهم من جهة الشبهات فهو محدق بهم من جهة الشهوات أكثر وأكثر.
ولنعلم ان العاقل الذي إذا رأى هذه الأمور قد أقبلت تمسكن لها لم يستشرف، وأعرض عنها ولم يخض فيها، وانقطع لربه متوسلا اليه ان يصرف عنه شررها وخطرها.
ولنعلم جميعاً ان العلاج إنما هو بالعلم، فمن علم نجا ومن جهل سقط والعلم المقصود هو العلم الشرعي لا الدنيوي، ولنعلم كذلك ان هذا الحاصل في المجتمع إنما هو إنذار ويتبعه نذر أخرى وعقوبات إن لم يرجع المجتمع ويبدل من حاله،{إنَّ اللّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً}.
(81) الذٌينّ آمّنٍوا وّلّمً يّلًبٌسٍوا إيمّانّهٍم بٌظٍلًمُ أٍوًلّئٌكّ لّهٍمٍ الأّمًنٍ وّهٍم مٍَهًتّدٍونّ}.
وختاما أيها الاخوة: علينا جميعا بلا استثناء المبادرة بالعمل الصالح قبل فوات الأوان، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم «بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافراً يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل».
وعلينا جميعا ان نطبق الوصية النبوية العظيمة التي أوصى بها أصحابه فإن القاعدة المستمرة في الفتن هي إمساك اللسان وعدم الخوض فيه فإن المسلم مأمور بأن يكف لسانه على الدوام ويزداد الأمر عندما تمرج عهود الناس وتخسف أماناتهم، أخرج أبو داود في سننه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص قال فبينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر الفتنة فقال إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم وكانوا هكذا وشبك بين أصابعه قال فقمت اليه فقلت كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك قال الزم بيتك وأملك عليك لسانك وخذ بما تعرف ودع ما تنكر وعليك بأمر خاصة نفسك ودع عنك أمر العامة».
هذا الحديث عصمة للمسلم وقت الفتنة، نسأل الله العظيم أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اجعل لنا من كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية ومن كل فتنة نورا يهدي للحق.

خالد بن عبدالله بن محمد الشايع
إمام وخطيب جامع الحقباني بالبديعة

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved