Tuesday 16th december,2003 11401العدد الثلاثاء 22 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

صدام من أحلام العظمة إلى سقوط مهين صدام من أحلام العظمة إلى سقوط مهين
نواف مشعل المتعب

سقط صدام باستسلام أبسط ما يقال عنه إنه مفاجأة غير متوقعة لشخص عاش في جبروت كبريائه وأوهامه التي تقوده على أنه منقذ العرب. هذا السقوط السهل والشبيه بسقوط بغداد في أيدي قوات الاحتلال سقط معه الفكر البعثي الطوباوي والحلم الذي كان سبباً في رعب الغالبية من الشعب العراقي بإرهابه ومجازره وبطشه وتشريده وسلبه واغتصابه.
ثلاثة عقود في السلطة شهدت نموذجاً لقائد وحشي عديم الاخلاق تفنن في شخصنة النظام بذاته فقد تحدث المقربون من دوائر القيادة العراقية في بغداد عن ولعه بالسلطة ورغبته العارمة في أن يتحدث عنه التاريخ بوصفه زعيما جاء في مرحلة خارقة لذلك لم يغادرالعراق إلا نادرا وأمضى السنوات الاخيرة في عالم من الخيال.
وأحاط نفسه بقادة عسكريين وسياسيين خانعين لم يجرأوا على توجيه أدنى انتقاد لقيادته الوحشية ولعل ذلك يعود لمجموعة من الاسقاطات النفسية التي لعبت دورا في تشكيل شخصيته المعذبة في طفولتها حيث وصل الأمر بأن كل من يأتي لرئيس الدولة الطاغية بأخبار سيئة يخاطر بدفع حياته ثمناً لهذا الفعل. ونتيجة لذلك لم يراجعه أحد في العراق علانية في قراره بمواجهةالقوة العسكرية لقوات التحالف التي حشدتها الولايات المتحدة ضده والتي كانت نهايته فيها ليكون معتقلاً من دون مقاومة بأيدي جنود أميركيين في قبو داخل مزرعة، هذه النهاية لقائد كانت اوساطه تروج له على انه مزيج من صلاح الدين محرر القدس ونبوخذ نصر قُبض عليه تعباً مستسلماً لمصيره مستسلماً من دون اطلاق رصاصة واحدة او ابداء اي مقاومة رغم وعده العراقيين الموت في هذا البلد والحفاظ على الشرف الذي يستمده من شعبه.
هذه الصورة من الاعتقال بهذه الهيئة وهذا المكان يؤكدان من جديد ان الرجل لم يتعلم شيئا على الصعيدين السياسي والعسكري على الرغم من 35 عاما من السلطة المطلقة ونصف قرن من التجربة السياسية وخمسة حروب طاحنة.
وعلى الرغم من ولع صدام بالزي العسكري والميداليات الا انه لم تكن لديه اية خلفية عسكرية رسمية. اما كقائد دولة تمكن حسين من تثبيت مكانته كشخصية مهابة أكثرمنها محبوبة، فعبر جهاز متشابك من الشرطة والأمن الداخلي وتطبيقه حكم الاعدام على الأشخاص الذين تجرأوا على اهانته بشكل علني اصبح صدام حسين قادراً على مواجهة النزاعات الداخلية والانقلابات العسكرية والقضاء عليها. هذه النتيجة التي لم يستوعب حقيقتها الشعب العراقي ستحتم عليه مهام حقيقية وصعبة في مواجهة الانفتاح على مفاهيم التعددية واقامة نظام ديموقراطي حقيقي واخذ العبرة من سقوط صدام الذي أتوقع ان العراقيين تمنوا ان يتم اعتقاله من قبل سلطة عراقية وليس من قبل سلطة احتلال. أيضا هذا النموذج الذي كان رقماً اقليمياً ودولياً صعباً سيكون مثالاً أمام فظاعات انظمة دكتاتورية أخرى طالت بتجاوزاتها ليس فقط شعوبها بل مست السلم العالمي بأنه هذه النهاية الحقيقية للأساطير المزيفة.
ولكن وبعد نهاية التحدي الصدامي في هذا السقوط المهين هل تنهار المقاومة العراقية بهذا الاعتقال على الرغم من وجود مئات الآلاف من اتباع الدكتاتور السابق العاطلين عن العمل في العراق أو نرى صورة شبيهه بالجيش الجمهوري الايرلندي الذي لم يتجاوز عدده ثلاثة آلاف شخص ومع ذلك فانه استطاع مشاغلة ربع الجيش البريطاني نحو ربع قرن.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved