Tuesday 16th december,2003 11401العدد الثلاثاء 22 ,شوال 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الأزمنة الأزمنة
ألا أيها الليل الطويل..
عبدالله بن إدريس

«إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» .. الحديث..
وهكذا قضت حكمة الله تعالى أن أملى للطاغية.. الذي تجبر على شعبه.. وشق عصا أمته، وفرق شمل شعوبها برعونته؛ وسوء تقديره؛ وفساد سياسته، وهو الذي أظهر للمطبلين له.. أنه الرجل الذي لا يقهر.. وأنه القائد المظفر.. والشجاع الغضنفر.. وإذا بنهايته تفضح أمره وتكشف سره.. وتعريه من شجاعته المزعومة.. والتي صدقها من «أزلامه» المنتفعين بخيرات بلاده أكثر من أهل هذه الخيرات.. وإذا بالقدر الذي أمهله الله تعالى لصدام حسين ينتهي به إلى أشد حالات البؤس، والتعاسة، والذل والهوان..
ينتهي القدر بصدام شريداً طريداً.. كأذل ما يكون أي تافهٍ من الرجال..! فضلا عن أن يكون رئيس دولة لها مجدها.. وتاريخها.. وعظماؤها.. فتكون نهاية طغيانه.. وعنفوان سلطانه.. وثرائه الذي لا يبارى.. وترفه وبذخه الذي لا يجارى - أن يعثر عليه أعداؤه كنعجة مريضة.. في «كوخ» من طين وصفيح.. يتحاشاه الشحاذون والمشردون..!
وليت «الذلة» التي أظهرت حقيقة صدام.. قد اقتصرت على انزوائه في ذلك الكوخ المهجور.. بعد القصور الرائعة الجمال.. والرياش المتجاوزة للخيال..
بل كانت الذلة الكبرى ويا للفضيحة، جبنه وحبه للحياة حتى وهو في أتعس مناخاتها.. لم يحاول أن يدافع عن نفسه ولو بطلقة من مسدسه الذي يخاصر خاصرته.. أو من مدفعه النائم في طرف فراشه المتعفن..!
لماذا فضل البقاء مع الذل والهوان.. وما ينتظره من فضائح المحاكمات التي ستعريه وتخزيه بمزيد من العري المعنوي والخزي الدنيوي..
إنه حب الحياة..! وإلا فقد كان الأسلم لما بقي منه.. أن يحيا شريفاً ما أو يموت عزيزا ما.. ولكن الله أراد له هذا الخزي والعار.. جزاء ظلمه وطغيانه واستئثاره والمقربين إليه بخيرات العراق، وبقي شعب الرافدين يتضور جوعا.. وهذا جزء من عقاب الله العاجل..
نعوذ بالله من هذه النهاية المهينة.. كما نعوِّذ بالله زعماءنا في العالم العربي والإسلامي.. أن يصل أحد منهم إلى مثل هذه النهاية البالغة البؤس والحسرة والندامة..
***
فهل هذه نهاية الطغيان والاستبداد والاستئثار..؟ كلا.. بل خلفها ما الله به العليم.. في الدنيا والآخرة.. لقد تمت له المنى العظيمة.. ثم تخلت عنه إلى الأبد { وّمّا رّبٍَكٍ بٌظّلاَّمُ لٌَلًعّبٌيدٌ}.


لكل شيء إذا ما تم نقصان
فلا يغر بطيب العيش إنسان

فهل نحن اليوم نشهد الفصل الأخير من مسرحية «القط والفأر».. أي صدام حسين.. وجورج بوش.. أم هي تسليط الله الظالمين على الظالمين وإخراج المسلمين منها سالمين..؟
نسأل الله هلاك الظالمين.. وعز الإسلام.. ونصر المسلمين.
أجدني - ككل عربي ومسلم - نحمل أحزانا كثيرة وثقيلة من أحزان أمتنا.. على ما آلت إليه أحوالها.. وإن كنت من أعداء «جلد الذات» العربية الإسلامية ولي موقفي المعروف في هذا الشأن.. إلا أن غزو العراق من قبل أمريكا وحلفائها وتحت غطاء الكذبة الكبرى حول ما ادعته من وجود أسلحة الدمار الشامل في هذا القطر العربي المنكوب لهو كارثة كبرى مست شغاف العزة الإسلامية؛ والكرامة العربية وشرفها.. في صميم وجودها.. إذ لم يكن في خلد عربي أو مسلم أن تسقط «بغداد» عاصمة الخلافة الإسلامية في أيدي الصليبيين.. بدون قتال أو دفاع عنها.. مع ما كان يذاع ويشاع أن الجيش العراقي هو رابع جيش في العالم من حيث القوة الآلية والكثرة العددية.. ويتمخض الجبل عن فئران دخلت جحورها حذراً من القطط التي تلاحقها..
ثم.. لم يكن في خلد أحد أن يسقط «صدام» بأذل من سقوط عاصمة حكمه السابق.. فقد استسلم استسلاماً مذلاً ومهيناً.. ليس لكرامته الساقطة منذ بداية حكمه.. ولكنه المذل المهين للعرب والمسلمين جميعاً.
إننا في حقيقة الأمر مسرورون بزوال حكم صدام وعصاباته البعثية الشريرة.. ولكننا نود لو كان زواله وزوال حزبه على أيدي الشعب العراقي.. وليس بأيدي أعداء الأمة العربية والإسلامية. التي غزت هذا القطر ليس بحثا عن أسلحة الدمار المزعومة.. ولكن لمآرب أخرى معروفة للجميع.
ولذلك فقد تساوى كرهنا وبغضنا لصدام بكرهنا وبغضنا لجورج بوش.. وحصل التوازن بين «الشرين» العربي والغربي.
جعل الله الدَّبْرة على أعداء الأمة وحفظ لنا ديننا وأمننا واستقرارنا.


ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك «...»

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved