سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فقد قرأت مقالاً للأخ عبدالرحمن بن ناصر الخلف بعنوان تعقيباً على آل الشيخ «من تطاولت عليهم هم طلاب أجدادك» يوم الجمعة 11/10/1424هـ العدد رقم 1390 في صفحة عزيزتي الجزيرة. عليه فإن لي مع الكاتب و قفات أرجو أن يتسع لها صدره.
أولاً: أنا لا ألوم الكاتب في استغرابه على الأستاذ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ فقد قيل «الناس أعداء ما جهلوا» وكما قال المتنبي:
وكم من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
|
وخير من ذلك كله قوله تعالى: {بّلً كّذَّبٍوا بٌمّا لّمً يٍحٌيطٍوا بٌعٌلًمٌهٌ}.
ثانياً: إن الأخ عبدالرحمن نظر إلى كلام الأستاذ آل الشيخ من نظرة عاطفية ومعلوم أن العاطفة لا تكسر باطلاً ولا تنصر حقاً وكم جرت العاطفة من ويلات ونكبات على الأمة فالعواطف عواصف.. فأنت وقعت في نفس الداء الذي وصفت به آل الشيخ وأرجو أن لا يصدق فيك «رمتني بدائها وانسلت».
ثالثاً: ذكرت أن عاطفة آل الشيخ طغت على فعله، ثم قلت عن الدعاة أنهم قالوا بالحوار لأن ذلك رأيهم وأنت قلت بعدم الحوار لأن ذلك رأيك. يجب أن تعلم أن ما ذكره آل الشيخ ليس من كلامه أونسج خياله بل ما قاله مبني على أحاديث صحيحة صريحة في قتالهم كما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود» وفي الصحيحين أيضاً من حديث علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أينما لقيتموهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة» وقال صلى الله عليه وسلم كما في مسند الإمام أحمد «طوبى لمن قتلهم أو قتلوه» ويجب أن تعلم أن الحوار مع الخوارج مرده إلى السلطان إن رأى المصلحة في مجادلتهم، فيرسل أهل العلم إذا كانوا أي الخوارج في مكان معروف فإما إن كانوا مختفين فكيف يحاورون؟ يؤخذ هذا من استئذان ابن عباس رضي الله عنه من الخليفة علي رضي الله عنه في جدال الخوارج، ويجب أن تعلم أن علياً رضي الله عنه جادلهم قبل أن يسفكوا الدم الحرام ففي مسند الإمام أحمد أن عائشة رضي الله عنها قالت لعبدالله بن شداد وهل قتلهم علي - تعني الخوارج - قال والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيل وسفكوا الدم واستحلوا أهل الذمة» حديث حسن ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج7 ص481 بعدما ذكر الأحاديث في فضل قتال الخوارج وأنهم شر قتلة تحت أديم السماء ثم قال عنهم «وهم أول من كفر أهل القبلة بالذنوب بل بما يرونه هم من الذنوب واستحلوا دماء أهل القبلة بذلك». وقال: «وإن قتال الخوارج مما أمر به صلى الله عليه وسلم، ولذلك اتفق على قتالهم الصحابة والأئمة».
رابعاً: ذكر الكاتب أن من تطاول عليهم الأستاذ محمد آل الشيخ هم طلاب أجداده. فأنا أسأل الكاتب هل تكلم آل الشيخ في سماحة الشيخين ابن باز والعثيمين - رحمهما الله - أو سماحة مفتي البلاد السعودية الآن عبدالعزيز آل الشيخ أو الشيخ الفوزان أو اللحيدان أو الغديان أو غيرهم من هيئة كبار العلماء وهؤلاء ومن حذا حذوهم وقفى قفوهم هم طلاب أجداده.
وتنزلاً معك يا أخي عبدالرحمن حتى لو ثبت أنهم من طلاب أجداده - كما ذكرت - فإنهم خالفوا منهج أشياخهم وسخروا منهم، فأنت تعلم أن الخوارج من طلاب الصحابة، وواصل بن عطاء إمام المعتزلة كان تلميذاً للحسن البصري فهل من قدح في الخوارج يعتبر قادحاً في الصحابة، ومن بيَّن عوار واصل بن عطاء يعتبر ساباً للحسن البصري؟! أقول للكاتب الخلف أظن آل الشيخ يقصد من يتغير ويتلون في الأزمات، على حسب ما تمليه التنظيرات، أولئك الذين يزنون بميزانين ويكيلون بمكيالين ويخفون الحقيقة عن الأمة، لتبقى منساقة لهم بدعوى أنهم الذين يغارون على الدين ويفقهون الواقع وينطقون بالحق ولا يخافون لومة لائم وأنهم مظلومون مضطهدون وأنهم مفكرون إسلاميون ودعاة إصلاح وحوار ومطالبة بالحقوق؛ فيستعطفون عوام المسلمين والأغرار من الشباب بهذه الشعارات ليصرفوهم من علمائهم الربانيين وولاة أمرهم، ذلك أنهم يربون الأمة على أن الحكام طغاة أو علمانيون أو كفار ولو كانوا يقيمون الصلاة، ثم يفرعون على ذلك تأثيم وتجريم العلماء الذين يأمرون بطاعة أولي الأمر. وعلماء المسلمين عندهم مداهنون لا يفقهون الواقع وفي أبراج عاجية ولا يلتفتون حول الشباب ولا ينطقون بالحق واسكتتهم الفلة والسيارة وهيئة كبار العلماء مغيبة منذ ثلاثين سنة أو أن بياناتها تصدر متأخرة مع الاحترام لهيئة كبار العلماء كما يقول.
أيه الكاتب آل الشيخ يقصد أولئك الذين تشم من خلال أشرطتهم بوادر الخروج وشق عصا الطاعة والدليل أن هذه الدعوة عششت وضربت بأطنابها في عقول الشباب فتمخضت وللأسف الشديد عن تكفير ثم تفجير. فاسمع إلى غيض من فيض وقليل من كثير.
يقول أحدهم مثوراً شبابنا على بلادنا «لقد ظهر الكفر والإلحاد في صحفنا وفشى المنكر في نوادينا ودعي إلى الزنا في إذاعتنا وتلفزيوننا واستبحنا الربا..»
وقال آخر: «إن كثيراً من مجتمعنا استحلوا الربا» ثم حذر من انتشار المعاصي وقال: إن الكثير قد استحلوها. أعوذ بالله قال هذا الكلام ولم يفرق بين فعل الذنب واستحلاله. وقال ثالث: «إن مجرد الشكوى للجهات المختصة حصل كذا وحصل كذا قد انتهى لأسباب أهمها ضغوط النفوس لا يمكن إهمالها بحال من الأحوال. الآن ونحن في عصر صار للجماهير فيه تأثير كبير فأسقطوا زعماء وهزوا عروشاً وحطموا أسواراً وحواجز..».
وأخيراً تدبر كلام من يقول بعد فتوى ابن باز وابن عثيمين وهيئة كبار العلماء بجواز الاستعانة بالقوات الأجنبية ضد صدام الباغي قال: «لقد كشفت عن عدم وجود مرجعية علمية صحيحة وموثوقة للمسلمين» فإذا كان ابن باز والعثيمين رحمهما الله غير موثوق بهما فمن الذين يوثق بهم وهل سيقبل الشباب بمحاورة العلماء بعد هذا الإسقاط الكبير أليس من المفترض لصاحب هذا الكلام أن يتقي الله وأن يدعو الناس إلى الاجتماع على علمائهم وولاة أمرهم خصوصا في تلك الفتنة التي كفى الله المسلمين شرها في هذه البلاد بتوفيق الله ثم بتلك الفتوى المباركة التي حاربها صاحب هذا الكلام و صار يألب الناس على العلماء والأمراء! ولكن كما قيل «لا يقطع الشجرة إلا غصنها».
خالد بن عبدالرحمن البلالي
سدير 11982 ص.ب: 6001
|