لعل مما يميز مجتمعنا السعودي في منظومة الفكر العالمي المعاصر القائمة على أهمية الاتصال والتفاعل بين الناس، أنه مجتمع قد انفتح على كثير من قنوات ووسائل الاتصال المحلية والعالمية، ولكن انفتاحه هذا مع أهليته في تشكيل واقع المجتمع وملامح مستقبله ربما كان انفتاحا يتسم بشيء من الجرأة أحياناً، وبكثير من الاستحياء أحياناً أخرى، وفي حالات معينة بتخمة من التوجس والخيفة. ومن المفارقات المهمة في التشكّل الاتصالي في المجتمع انه مجتمع يكاد يبيح كل شيء من وسائل وقنوات الاتصال، غير أن هذا الانتفاح سرعان ما ينقلب رأسا على عقب ليخيّل للمراقب أن الاتصال والتفاعل مع الآخر مدعاة لمهالك كثيرة تجعل تلك الإباحة متلوّة بكلمة (ولكن) ثم خذ ودع ما شئت بعد (ولكن) مما يبرر للمجتمع أن الاتصال والتواصل محفوف بالمخاطر والمستنقعات. وبذلك نمت وترعرعت ثقافة غير متجانسة في فكر الاتصال وسلوكه، فصار الناس أجناساً في ممارسة حقهم في الاتصال ومضت تشكّلات مجتمعية تتكيف مع ذاتها لتقابل تشكّلات أخرى تكيّفت هي الأخرى، ولكن وفق منظومة مختلفة وسلّم أولويات مغاير.
وفي ضوء هذه المنظومة المجتمعية غير المتفقة حول أنماط وأشكال الاتصال التقني الحديث، بدت أهمية كبيرة للاتصال التقليدي المتفق عليه بالضرورة والمتمثل في خطبة الجمعة باعتبارها نمطا من أنماط الاتصال المباشر بين المتدحث (الخطيب) والجمهور (المصلين). وزاد هذا النمط أهمية ارتباطه بالمنهج الإسلامي من خلال شعيرة صلاة الجمعة التي يؤديها المجتمع السعودي أسبوعياً بالتزام كبير وانضباط جديرين بالعناية والتقدير. فمهما كانت الشقة بين الكيانات المجتمعية في فهم العملية الاتصالية الحديثة، ومهما تنافرت في ولائها لوسيلة أو نمط اتصالي حديث، فإنها تكاد تجمع على أهمية وضرورة حضور خطبة الجمعة، والاستماع إليها، وأداء صلاتها جماعة في المسجد. ومن هنا بدت مشروعية مراجعة خطبة الجمعة، والاستماع اليها، وأداء صلاتها جماعة في المسجد. ومن هنا بدت مشروعية مراجعة خطبة الجمعة ودورها الكبير في مواجهة العنف والإرهاب والتطرف وفق منظومة استراتيجية يؤسسها المجتمع بكياناته المتعددة لتكون رسالة المجتمع من خلال خطبة الجمعة رسالة دينية ووطنية صحيحة لا مجال فيها لاجتهاد الأفراد في كل مركباتها وعناصرها. ولعله من الواضح للمتابع أن منهجية خطب الجمعة إجمالاً في المجتمع تتجه نحو تفعيل مقتنيات المنهج والفكر في مجال (الترهيب) دون الانتفاح والانشراح إلى مقتنيات الأمة المسلمة من مدخرات (الترغيب) التي تشرح نفس المؤمن وعقله ليقبل على عمارة الأرض وبنائها مهتديا ومسترشدا بعقيدة صافية قائمة على التسامح والوفاق والعطاء والبذل والعمل الجاد. وهذا ما يجعل من واجب خطيب الجمعة أن يشرح صدور الناس بالعلم الصحيح والكلام اللين الجميل مقبلين لا مدبرين، عوضا عن الاقتصار على تخويفهم بالعذاب والنار، وتجريمهم بترك الصلاة وهجرانها رغم أنهم يستمعون إليه في المسجد ويؤدون معه الصلاة.
* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|